العدد 1 - الملف
 

آلاف الملفات التي صُفَّت بطريقة شبه عشوائية داخل مستودعات هرمة تصارع الزمن، تتناقلها أيادي موظفين هنا وهناك. هذه هي الصورة النمطية لمستودعات الملفات في محاكم البلاد، وهي صورة ما زالت قائمة، رغم بدء عملية حوسبة القضاء قبل تسع سنوات.

هذه الصورة ليست انطباعية على أي حال، فلها أيضاً مضمونها الذي يتسق مع صورتها النمطية تلك. المحامي ماجد اللفتاوي يربط بين هذه الصورة وبين معاناته في الحصول على ملف قضية أو على قرار سابق لقضية ما، فهي عملية تستغرق، بحسبه، أياماً أو أسابيع، فـ«الحصول على بيانات مهمة من قصر العدل أو مستودعاته أو من غرف الأقلام عملية مرهقة وصعبة»، كما يؤكد، إذ إنها «تتم عبر آلية تقليدية بطيئة ومعقدة».

لكن هذه الصورة بدت وكأنها تسير في طريق التغيير والتطور مع بدء الألفية الثالثة. ففي العام 2002 عقد المؤتمر الأول للقضاء في منطقة البحر الميت برعاية ملكية، وشكلت لجنة ملكية خاصة لتطوير القضاء استمر عملها ثلاث سنوات. بعدها انطلقت الاستراتيجية الوطنية لتطوير القضاء 2004 - 2007، وهي استراتيجية مكونة من سبعة محاور بينها محور حوسبة القضاء والمحاكم الذي وُضع تحت الإشراف المباشر من اللجنة الملكية الخاصة وبالتعاون مع وزراء العدل.

تضمنت الاستراتيجية الاستفادة من البيانات والإحصاءات التي يوفرها النظام، وتفعيل عمل المكتب الفني المنوط به تجميع السوابق القضائية والمراجع الفقهية وتبويبها وتوفيرها للقضاة، وتدريب القضاة والإداريين كافة في المحاكم على استخدام النظام المحوسب.

وزير العدل أيمن عودة، قال إن الوزارة عملت على إنجاز ما نسبته 70 في المئة من عملية حوسبة إجراءات التقاضي الهادفة في النهاية إلى إيجاد محكمة «غير ورقية»، تطبق جميع خدماتها إلكترونياً. ولفت إلى تعاون الوزارة مع صندوق الإنماء الأميركي الذي دخل شريكاً في بعض عمليات الحوسبة.

وأوضح عودة أن الوزارة تتطلع إلى ربط محاكم المملكة إلكترونياً مع بعض دوائر الدولة المهمة مثل: دائرة الأراضي، ودائرة الأحوال المدنية، ودائرة السير. إلا أنه ذكر أن عملية الربط بالشكل الحالي لم تأخذ صورتها النهائية، ما يقتضي تعديلاً على تشريعات القضاء تأمل الوزارة في تنفيذه قريباً بالتعاون مع رئاسة الوزراء.

المحامي ربيع الزوايدة، المتخصص في قضايا الشركات، يرى أن حوسبة المحاكم تسهّل كثيراً على المحامين، وتوفر عليهم وقتاً ثميناً لإنجاز قضاياهم بسرعة، مشيراً إلى أن تصوير ملف قضية مهمة قد يستغرق ساعتين أو ثلاث ساعات، في حين أنها لا تستغرق في حال اكتمال النظام الإلكتروني أكثر من ضغط بعض الأزرار.

على أن قاضية طلبت عدم الإفصاح عن اسمها، أكدت أن حوسبة المحاكم بشكل كامل عملية «صعبة»، نظراً لأن تشريعات وقوانين أصول المحاكمات لا تسمح بتبليغ أي شخص بجلسة أو لائحة قضائية أو دعوى إلا عن طريقة كتاب قضائي يتوجب على صاحبه التوقيع عليه، هو أو أحد أفراد عائلته، ثم إرجاعه إلى محكمة الفصل المعنية، ما يعني، كما تؤكد، أن ذلك يتطلب تعديل تشريعات القضاء حتى تتلاءم عملية الحوسبة مع إجراءات التقاضي.

المحامي سميح خريس، المتخصص في قضايا محكمة أمن الدولة، ركز على ضرورة تدريب المواطنين والإداريين للتعامل مع شبكة الحواسيب قبل إنجاز حوسبة المحاكم، كما دعا إلى رفع مستوى القضاة والمحامين وكوادرهم الإدارية داخل السلك القضائي، ورفع مستوياتهم الفنية والقانونية قبل إنجاز عملية الحوسبة، دون أن يغفل أهمية العملية ودورها في تطوير القضاء عبر تخزين بيانات جميع أنواع القضايا وأسماء المدعين والملفات الأخرى.

عودة قال إن الوزارة انتهت من تهيئة نظام التبليغات القضائية وتطبيقه في جميع المحاكم، كما انتهت من وضع البنية اللازمة لتبليغ المحامين بمواعيد جلساتهم أمام المحاكم عبر رسائل نصية قصيرة (sms)، والبريد الإلكتروني، مؤكداً أن الوزارة ستباشر إدخال خدمة إضافية إلى جانب التبليغ بواسطة المحضرين.

اللفتاوي أشار إلى تقدم القطاع الخاص في مجال حوسبة المحاكم على ما أنجزته الوزارة، مشيراً إلى أن العديد من الشركات الخاصة قامت بتنفيذ برمجيات حاسوبية خاصة لجميع قرارات التمييز والقوانين وتعديلاتها، وطرحتها نظير مبالغ مالية معينة تم بيع قسم منها للوزارة كما قال، ما سهّل على القضاة والمحامين الرجوع إلى بعض الملفات القضائية المهمة إلكترونياً.

وختم اللفتاوي حديثه لـ«السّجل» بالقول إن حوسبة المحاكم بشكل مهني تقتضي «جرأة في اتخاذ القرار داخل المحاكم». ودعا إلى استشارة الجسم القضائي والقانوني في أي عملية حوسبة كاملة لإنجاحها، بغية الوصول إلى محكمة غير ورقية.

نحو محاكم محوسبة وقضاء بلا أوراق
 
01-Jul-2009
 
العدد 1