العدد 1 - الملف
 

أداء السلطة القضائية في بلد ما، هل هو شأن داخلي؟ وهل يجب أن يقف تنوع الأنظمة السياسية والقانونية في بلدان العالم عائقاً أمام تبني معايير دولية يتم بموجبها تقييم مؤسسات القضاء في دول العالم؟

يتعامل العالم مع أداء المؤسسات القضائية في بلدان العالم المختلفة بوصفها أمراً يتعلق أساساً بحماية حقوق الإنسان، فقد نصت المادة 10 من إعلان حقوق الإنسان على أن «لكل إنسان الحق في محاكمة عادلة وعلنية، وأمام محكمة مستقلة، عند تقرير حقوقه وواجباته المدنية، أو أي اتهام جنائي يوجه ضده».

صيانة هذا الحق كانت الحافز وراء إطلاق ما عرف بـ «المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية»، التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في ميلانو العام 1985، وهي مبادئ، رأت الجمعية العامة أنها واجبة التطبيق، بصرف النظر عن النظام السياسي والقانوني السائد، ودعت حكومات العالم إلى تطبيقها «داخل إطار تشريعاتها القومية، وممارساتها».

الوثيقة المكونة من عشرين بنداً شددت على ضرورة أن تكون السلطة القضائية ذات استقلال مالي وإداري، كما أكدت حق الأفراد في المثول أمام محاكم عادية، وعدم انتزاع الولاية القضائية من هذه المحاكم لصالح محاكم أخرى خاصة لا تطبق الإجراءات القانونية المقررة. وأكدت حق القضاة في التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات، وأن يتم تعيين هؤلاء بناء على مؤهلات وتدريبات مناسبة، وأن يُضمن لهم الحق في إكمال مدة خدمتهم المنصوص عليها في القانون. الوثيقة أشارت أيضاً إلى ضرورة أن تكون هناك إجراءات لتأديب القضاة وإيقافهم وعزلهم في حال ارتكابهم مخالفات بصفتهم القضائية والمهنية، مع ضمان حقهم في الحصول على محاكمة عادلة.

يقول حقوقيون إن توافق السلطة القضائية في الأردن مع المعايير الدولية، ما زال دون الطموح، وبحسب مسؤول سابق في وزارة العدل رفض نشر اسمه لحساسية موقعه، فإن محاولات عديدة جرت لإصلاح القضاء، ومع ذلك فإن الأردن ما زال في موقع متأخر في ما يتعلق بالتوافق مع هذه المعايير.

الكاتب المتخصص في الشؤون القضائية عمر المحارمة، يؤكد أنه لا مجال أبداً لإقرار معايير دولية صالحة لكل نظام سياسي وقانوني، مشيراً إلى أن لكل دولة خصوصيتها وقوانينها التي تصاغ بناء على هذه الخصوصية. وهو يرى أن الأردن رغم الانتقادات، أحرز تقدماً على صعيد المؤشرات العالمية. «لدى الأردن ضعف النسبة العالمية من أعداد القضاة، ففي حين تبلغ النسبة العالمية 6.74 قضاة لكل 100 ألف نسمة، فإن في الأردن 13 قاضياً لكل 100 ألف نسمة» يقول محارمة. ويشير إلى أن هنالك أيضاً معياراً متدرجاً يطبقه البنك الدولي، ويقيس به مدى احترام دول العالم لتشريعاتها، وهو معيار يجدد كل أربع سنوات، يبدأ من -2.5 وينتهي عند +2.5. ويؤكد محارمة أن الأردن حصل العام 1998 على درجة (0.41)، وتقدم العام 2006 إلى 0.45، «ويتطلع بحلول العام 2020 إلى الوصول إلى درجة واحدة».

محام متقاعد فضل عدم نشر اسمه، يقول إن السّر في تأخّر الأردن في التقييم العالمي يكمن في أن المؤسسة القضائية في الأردن لم يتحقق لها الاستقلال المالي والإداري المطلوب، «ميزانية المجلس القضائي مرتبطة بوزارة العدل. كما أن تعيينات القضاة وإحالتهم على الاستيداع أو التقاعد وإن كانت تتم بقرار من المجلس القضائي، مشروطة بتنسيب من وزير العدل»، كما يرى.

المحامي المتقاعد يشير إلى حرية القضاة في التعبير، بوصفها واحدة من المعايير الدولية التي لم تتحقق إلى الآن، ففي «مدونة السلوك القضائي» التي أُقرت قبل ثلاث سنوات، هناك مادة تمنع القاضي من إبداء أي «آراء حول الدعاوى التي نظرها هو أو زملاؤه، سواء في المجالس العامة أو الخاصة».

لكن محارمة يؤكد أن القانون الأردني كفل للقضاة حرية التعبير، ويرى أن الحظر الوحيد هو المتعلق بانتماء القاضي إلى حزب سياسي، وذلك بهدف تحصين القاضي من تأثير انتماءاته السياسية في أحكامه.

المحامي المتقاعد يشير إلى قانون مؤقت، عدّل بموجبه قانون آخر متعلق بإجراءات محاكمة القضاة عند ارتكابهم مخالفات، حيث نص التعديل على عدم اتخاذ أي إجراء بحق القاضي قبل الرجوع إلى المجلس القضائي، وهو إجراء يقول محارمة إنه أقر لحفظ هيبة القضاة «فلكل مواطن الحق في التقدم بشكوى إن شعر أنه ظلم، وكثيراً ما اتخذت إجراءات تأديبية في حق قضاة».

القضاء الأردني بالمعايير الدولية
 
01-Jul-2009
 
العدد 1