العدد 1 - شأن اقتصادي
 

فرْض الضرائب على المواطنين ليس مسألةً فنية، وليس قراراً إدارياً بحتاً، فهو قرار ذو استحقاقات سياسية واجتماعية، تحدد علاقة المواطن دافع الضريبة بالوطن من خلال عقد اجتماعي شامل.

الضرائب التي بدأت بريطانيا فرضَها على المزارعين لحمايتهم من قُطّاع الطرق والمتمردين في القرن السابع عشر، لم تتغير، فالمكلَّف ضريبياً يدفع لقاء الحصول على خدمة، كانت تتمثل في ما سبق بالحماية، التي ما زالت مهمة، فالدولة فلسفياً هي التي تقرر البيئة التشريعية، وهي التي تضمن تطبيق القوانين، ما يستدعي مشاركة دافعي الضرائب في كيفية تحديد أولويات الإنفاق، وقبل ذلك، ينبغي أن تعبّر السياسة الضريبية عن واقع اقتصادي معاش، يتمثل بالدور التوزيعي لهذه الضرائب من أصحاب الدخول المرتفعة إلى ذوي الدخل المحدود والمعوزين وأصحاب الاحتياجات الخاصة.

فإلى أي حد ينسجم مشروع قانون الضريبة المطروح أمام مجلس النواب مع هذه الفلسفة الضريبية؟

سعى وزير المالية إلى فتح حوار مع أصحاب المصالح، ومع جهات مختلفة، لمناقشة مشروع القانون الجديد قبل إقراره من مجلس الوزراء، لكن الحوارات حول مشروع القانون ظلت مجتزأة، وفي كثير من الأحيان مرتبكة، فتارة كانت حجّةُ التغيير الاستجابةَ للأزمة الاقتصادية وبوادر التباطؤ الاقتصادي، وتارةً كانت تنطلق من ضرورة تعديل النظام الضريبي لتسهيل الاستثمار والتخلص من تعدد الضرائب، وفي حالاتٍ أخرى كان التغيير يُبرَّر بضرورة تحقيق التوازن والعدالة بين القطاعات.

أيٌّ من هذه الحجج لم يكن منسجماً مع حقيقة الخطاب الرسمي حول محدودية تأثر الأردن بالأزمة الاقتصادية العالمية. كذلك فإن هذه المسوغات لا تتوافق مع حقيقة أن التعديلات الضريبية المقترحة، لا تمثل بالضرورة حافزاً مالياً يمكن أن يقود إلى زيادة النشاط الاقتصادي. على العكس، فإن مشروع القانون بما يتضمنه من إعفاءات، يخاطر بفقدان إيراد مضمون لصالح إيرادات يمكن أن تتحقق،، وهذا السيناريو غير مبني على دراسات معمقة، وإن كانت هناك دراسات لم يتم نشرها أو الإعلان عنها حتى الآن.

في الترويج للقانون الجديد، لم يتم التطرق إلى حقيقة أنه يعكس تغييرات اقتصادية واجتماعية شهدها الأردن على مدى عقدين من الزمن، وهو يمثل صيغة جديدة للعقد الاجتماعي الجديد. ولم يتم ربط القانون بمتغيرات سياسية، مثل تفعيل قاعدة «لا ضرائب من دون تمثيل»، ولم يتم الحديث عن كيفية ربط الضرائب والمساءلة والشفافية وآليات فعالة للرقابة على الإنفاق، بالتوجهات الجديدة. على العكس من ذلك، أخذت الحوارات طابعَ الاستقطاب، حول مَن مع القانون ومَن ضده، وضاع الجمهور في جزئيات القانون.

في مراجعة سريعة لمشروع القانون، هناك جوانب إيجابية وأخرى سلبية يتضمنها. على سبيل المثال، ليست هناك معارضة لتوحيد الضرائب المتعددة التي يدفعها المواطن تحت مسمّيات عديدة، فهل هناك من يعارض مبدأ إلغاء الضرائب للغايات المحددة التي يتم فرضها بين الفينة والأخرى؟ من الصعب العثور على من يعارض هذا التوجه، لكن في الوقت نفسه ليس هناك من يمتدح، على الأقل، هذه الجزئية في مشروع القانون الجديد.

كذلك، يرتبط بقانون الضريبة الموحد، إلغاء العديد من الإعفاءات التي تمنحها وزراة الصناعة والتجارة. لهذا السبب يروّج وزيرا الصناعة والمالية معاً لمشروع القانون الذي يستهدف، في جانب كبير منه، تسهيل الإجراءات، وحصر الإعفاءات، والتخلص من التضارب القائم في التشريعات المعمول بها. مرة أخرى: هل هذا أمر جيد أم مذموم؟

في جانب الإعفاءات الشخصية، تتجه النية لإلغاء الإعفاءات الشخصية والتمييز بين القطاعين العام والخاص، وغيرها من تفاصيل تتعلق بالتعليم الجامعي والزوجة والأبناء، بحيث يصبح سقف 24 ألف دينار هو حدّ الإعفاء، وبموجب هذا الحد يصبح 95 في المئة من المكلفين بالضرائب معفيين بموجب القانون، فهل يذهب القانون تجاه تعزيز المواطنة الضريبية والدفع نحو المزيد من الشفافية والرقابة؟ على الأرجح لا، فإعفاء شريحة واسعة بهدف التسهيل عليها، يعني أن دافعي الضرائب سيبقون هم أصحاب المصالح، وسوف يسعون للدفاع عن مصالحهم بالوسائل كافة، ومن لا يدفع سيجد نفسه أقل اهتماماً بسُبل الإنفاق. كذلك فإن توحيد الضرائب على القطاعات، من خلال التخفيض المقترح على البنوك وشركات الاتصالات والتأمين غير مبرر من الناحيتين المالية والاقتصادية.

من الناحية المالية، فإن تخفيضات سابقة على البنوك لم تؤدِّ إلى تراجع الهامش الذي يشكل الفرق بين فائدة الإيداع والإقراض، ولم تمارس البنوك دوراً تنموياً مختلفاً نتيجةً لتخفيض الضرائب عليها، لذلك ليست هناك مبررات مقنعة لهذا التخفيض في ظل الظروف السائدة، وإذا علمنا أن نسبة ملْكية غير الأردنيين في البنوك الأردنية تصل إلى أكثر من 50 في المئة، فإن الإعفاء المقترح سيكون من نصيب استثمارات خارجية.

ومن الناحية الاقتصادية، لن يتأثر توزيع الموارد كثيراً، فهناك طلبات لفتح بنوك جديدة، بمعنى أن الضرائب لن تؤدي دوراً حاسماً في تحديد الإقبال على القطاع أو الهروب منه، وهذا ينفي حجة التوزيع الأفضل للموارد، ويمكن تكرار التحليل نفسه في ما يخص قطاع الزراعة وما يوفره من إيراد للخزينة.

إذا كان مشروع القانون الجديد يعكس تحولات اقتصادية ومجتمعية حدثت على مدى العقدين الماضيين، وإذا كانت هذه الفلسفة هي التي تحكم التغيير، فإن الترويج والإقناع يجب أن يقوما انطلاقاً من هذا المبدأ. أما التركيز على الجوانب الفنية فسيُفقدنا الصورة الكلية.

من حق الدولة فرض ضرائب ضمن الأطر التشريعية والدستورية، ومن حق المواطن المشاركة بالرقابة الفعّالة على آليات الإنفاق. ما لا يصحّ هو تعديل الإطار الضريبي بمعزل عن متغيرات لا تقل أهمية في ما يخص الآليات اللاحقة.

معالجة التشوهات بالتدريج، نهجٌ اتبعته الحكومات منذ مطلع التسعينيات، وحتى الآن ما زلنا نعالج تبعاته.

ما الذي يجعل قانون الضريبة ناقصاً؟
 
01-Jul-2009
 
العدد 1