العدد 1 - محلي | ||||||||||||||
يتخذ أفراد يقطنون مناطق في وسط البلاد، من السطو وتجارة المخدرات والسلاح، مدعاة للفخر بخروجهم على القانون، ونوعاً من إبقاء الصلة مع ماضٍ تجاوزته الأحداث والمتغيرات، كان يُوصف من يقوم بهذه الأعمال فيه بـ«الفارس الشجاع». الانتقال إلى المدنيّة لا يشكل أيَّ هاجس لدى ساكني هذه المناطق، حيث ما زالت «التعاليل» التي يتصدّرها رواة شفاهيون ينشدون قصائد نبطية، تمجد زمناً غابراً، وترى في الالتزام بالقانون «أمراً معيباً» لا يتناسب مع الإرث والزعامة القبلية. تشكّل قرية اللُّبَّن جنوب عمّان، ومنطقة الشونة الجنوبية في الأغوار 40 كم غرب العاصمة أهم معاقل تلك المجموعات التي يُتداوَل الحديث عنها في المجالس، على أنها تضم كثيراً من المطلوبين أمنياً، ويتم عبرها عقد صفقات الاتّجار بالمخدرات والسلاح، و«تشليح» السيارات، وقبض الأتاوات. إلا أن الأمن العام يرى أن ما يدور من كلام حول واقع هذه المناطق، «يندرج تحت باب الإشاعات وتضخيم الأحداث»، نافياً أن تكون هناك أيَّ منطقة في الأردن «عصيّة» على رجاله، حسب تصريح الناطق الرسمي باسم الأمن العام محمد الخطيب. يأتي هذا النفي في الوقت الذي اضطر فيه «ضحايا» سلوكات خارجة على القانون في هذه المناطق، إلى الاستعانة بأطراف عشائرية، أو دفع مبالغ مالية، للإفراج عن ممتلكاتهم، بحسب ما أكد عدد من المواطنين التقتهم «السّجل». عادل خالد، موظف حكومي، 40 عاماً، قال لـ«السّجل» إن سيارته من نوع «مرسيدس» اختفت من أمام منزله في منطقة طبربور، مطلع شباط/فبراير الماضي. قدم عادل شكوى لدى الأجهزة الأمنية، ثم علمَ بعد أسابيع بوجود سيارته في منطقة الشونة، إلا أن «مقربين» منه نصحوه بـ«التفاوض مع مَن يحتجز سيارته». توجَّهَ عادل إلى الشونة، حيث أخبره محتجز السيارة أنه اشتراها من مواطن بـ1500 دينار، وأنه «لن يعيد السيارة قبل إعادة المبلغ». وفي النهاية، اضطر عادل لدفع المبلغ كي يستعيد سيارته. في الشونة، يلحظ الزائر المتفحص وجود العديد من السيارات ذات لوحات الترخيص العربية، أو لوحات الترخيص القديمة التي أُلغيت صيف العام الماضي. لدى سؤال أحد أبناء المنطقة، عرّف على نفسه بـ«أبو سلطان»، في العقد الخامس من العمر، عن هذه السيارات، قال: «إنها لا تخرج من المنطقة»، وإنها تسمَّى «فَلَت»، وأضاف أن من يُعرف أنهم يمتلكون مثل هذه السيارات «لا يتجاوز عددهم عشرة أشخاص». الاعتداء على المال العام يبدو أمراً مألوفاً في الشونة هو الآخر، بخاصة في قطاعَي الكهرباء والماء. يشجعُ على ذلك قيامُ وزارة المياه بوضع الأنابيب في أماكن مكشوفة، بعد أن كانت في السابق تُدفن في باطن الأرض. العديد من سكان المنطقة يعتدون على أنابيب المياه لريّ مزروعاتهم، ما دفع الوزارة إلى قطع المياه مدة أسبوع عن المنطقة في آذار/مارس الفائت، إلا أن توسّط عدد من المسؤولين أعاد «المياه إلى مجاريها». تشكّل تجارة السلاح والمخدرات من أبرز مصادر الدخل لبعض أهالي المنطقة، بل إن موقع «اليوتيوب» و«الفيس بوك» يُبَثّ فيهما بين الحين والآخر مشاهد لشبّان يطلقون أعيرة نارية من أجهزة رشاشة في منطقة الشونة، إضافة إلى بثّ صور لجلسات يبدو أنها بغرض «التحشيش». شهدت الأعوام الأخيرة عمليات مطاردة أو مداهمة ذات صلة بتجارة السلاح والمخدرات، نتج عنها إصابة رجال من الأمن العام، ومقتل عدد من المطلوبين، من بينهم محمود العدوان الذي قُتل مطلع العام الجاري في تبادل لإطلاق النار مع رجال الأمن العام، على ما ذكرته المديرية في حينه. كما أقدم شابان من أبناء المنطقة على إطلاق النار على شاب مطلع أيار/مايو الفائت، في إحدى ضواحي العاصمة عمّان، وتم نقل المصاب إلى مستشفى البشير، لكن الشابّين تابعاه وأرْدَياه قتيلاً، بحسب بيان رسمي أصدرته مديرية الأمن العام في حينه. وألقت الأجهزة الأمنية مطلع حزيران/يونيو الفائت، القبض على شابَّين من منطقة الشونة قاما بسرقة كوابل كهرباء وهاتف، وأحرقاها في مزرعة بالشونة بهدف بيع النحاس الذي تتوافر عليه. وقد تعرّض رجال الأمن لإطلاق نار كثيف خلال العملية، ولاذ عدد من اللصوص بالفرار. وزير عدل سابق ذكر لـ«السّجل» أن المدعي العام في الشونة حينها أبلغه أنه لن يوقف أياً من أبناء الشونة، لخشيته على حياته. المحامي عدي مدانات يمتلك مزرعة بمساحة 12 دونماً في منطقة اللُّبَّن، قال لـ«السّجل» إن منزله الكائن في المزرعة «تعرض للسرقة أربع مرات، من أشخاص معروفين من أصحاب السوابق»، إلا أن الأمن العام لم «يتمكن من إلقاء القبض عليهم». يوضح مدانات: «في مطلع حزيران/يونيو الفائت استخدم شابّان رافعةً لإنزال خزان حديدي مرفوع على عوارض إسمنتية، وسرقته في وضح النهار»، وعند التوجه إلى المركز الأمني، أبلغه أفراد المركز «أنهم لن يتمكنوا من إلقاء القبض على الشابّين»، وهما من سكان اللُّبَّن. السطو على منزل مدانات، تزامنَ مع العثور على جثة ابن مسؤول عُماني كان يدرس في الجامعة الأردنية، في منطقة اللُّبَّن، بعد تعاطيه جرعة كبيرة من المخدر تلقّاها من ثلاثة أشخاص من أبناء المنطقة، بحسب بيان رسمي لمديرية الأمن العام. شبّان قاموا بإحراق سيارة ابن المسؤول، والتخلص من جثته، على ما أفادت به المديرية، و«قد تم إلقاء القبض على الفاعلين». في جولة لـ«السّجل»، رفض العديد من أبناء المنطقة التجاوب والرد على الأسئلة المطروحة عليهم، نظراً لأن المطلوبين «أبناء عمومتهم وأقرباؤهم». شاب يقود سيارة نوع (GMC) قال لـ«السّجل»: «اسمي خالد، أو أي اسم تحب أن تطلقه عليّ. اللُّبَّن هي معقل تجارة المخدرات والسلاح، وهذا يتطلب قوةَ قلب ورجولة، واللُّبَّن هي قلعة الرجال». سألنــاه عن السيارة التي يستقلها وتحمل لوحة سعودية، فقال بتهكم: «إنها ترخيص اللُّبَّن». الشاب نفسه أشار إلى عدد من المواقع في القرية يتم فيها تعاطي المخدرات ليلاً، وقال: «بإمكانكم المجيء في ساعة الفجر لرؤية آثار الإبر والمواد المخدرة في هذه المواقع». شاب آخر اقترب منا ولم يرغب في التعريف بنفسه، قال: «هذي اللُّبَّن.. يأتي إليها رجال المكافحة والأمن، يمرون منها ولا يستطيعون القبض على أحد من أبنائها. هذه دولة اللُّبَّن المستقلة». ضابط رفيع في الأمن العام أحيل على التقاعد قبل عام، بيّن لـ«السّجل» أن الأمن العام «يحكم سيطرته بشكل كبير على كامل التراب الأردني»، إلا أنه استدرك: «هناك عدد من المناطق التي تتمتع بالتجانس والترابط بين سكانها، تُعَدّ جزئياً أقل خضوعاً للقبضة الأمنية عليها». الضابط الذي طلب عدم نشر اسمه، قال: «لا أريد أن أبدو كمن يهاجم مؤسسة عمل فيها طوال سنوات، وإذا كان هناك من تقصير في بعض الجوانب فأنا شريك فيه». وأكد أن المناطق التي تشكل مصدر إزعاج للأمن العام هي «الشونة، واللُّبَّن، ومنطقة سطح معان، وسحاب، ومنطقة شرق عمّان بعامة». رئيس الوزراء المهندس نادر الذهبي أكد، خلال لقاء عُقد بوزارة الداخلية أواخر العام الماضي لبحث قضية المخدرات، أنه «لن يُسمح لأيٍّ كان بحمل السلاح وإطلاق النار بوجه رجل الأمن العام الذي يقوم بواجبه في حماية الوطن والدفاع عن منجزاته»، مشدداً على أنه «لا أحد فوق القانون». لكن الأوضاع ما زالت على ما هي عليه في هاتين المنطقتين، رغم مرور أكثر من ستة أشهر على «وَعيد» الذهبي وتهديده. مسؤولون حكوميون ونواب سابقون من أبناء منطقة اللُّبَّن، التقت «السّجل» بعضهم، واتصلت ببعضهم الآخر، فضّلوا عدم الحديث في هذا الموضوع نهائياً، أو المساهمة في إيجاد حلول لهذه الظاهرة. بل إن نائباً سابقاً رفض نشر اسمه، أكد لـ«السّجل» أن اللُّبَّن منطقة آمنة، وأن «كل ما يُشاع عنها هو افتراءات». بدلاً من الإقرار أن هناك خروجاً على القانون، وبدلاً من التفكير في توفير بدائل تحقق التنمية المحلية، للحيلولة دون اتجاه الشبّان للتجارة بـ«الممنوعات»، و«السطو» على ممتلكات الآخرين، يقول مسؤول حكومي رفيع لـ«السّجل» إنه «يجب عدم الخوض في مثل هذه المواضيع التي تثير الحساسية»، ويضيف: «ساكنو اللُّبَّن أبناء عشائر، ولا يجوز تصويرهم على أنهم قطّاع طرق». هذه التحدّيات الأمنية وسواها أجملتها دراسة بعنوان «تحدّي الجريمة في العقد المقبل» أصدرها مركز الدراسات الأمنية الاستراتيجية التابع لمديرية الأمن العام، وركّزت على «الفرق بين استعدادات الدول الغنية، والدول الفقيرة التي تحولت إلى أرض خصبة لانتعاش الجريمة التي تهددها وتُنذر بأخطار وشيكة»، كاشفةً عن «عدم قدرة الدول الفقيرة على الوفاء بمتطلبات الوقاية والمكافحة». ترى الدراسة أن «الديمقراطية وحقوق الإنسان»، يفيد منها «الخارجون على القانون، ويجدون فيها مجالاً حيوياً لحرية الحركة والعبث بالأمن والاستقرار». الخارجون على القانون بحسب الدراسة، يمكن «أن يجابَهوا بإجراءات استثنائية» للتعامل معهم. هذا الاستنتاج جدَلي، ويبدو غير مقبول من نشطاء في مجال حقوق الإنسان، حيث يرى الناشط مهيب عودة أن «الأصل في دولة القانون والمؤسسات التي يتم فيها الالتزام بحقوق الإنسان، أن تكون هناك إجراءات رادعة للخارجين على القانون». |
|
|||||||||||||