العدد 1 - العالم | ||||||||||||||
وصل قارب الرئيس الأميركي باراك حسين أوباما بسرعة إلى ميناء التعاطف العربي والإسلامي، لكن سفينة سياسة بلاده التي لم تكسب بعد ودَّ شعوب المنطقة، لم ترس بعد. هذه الصورة بدت واضحة في نظر كثير من السياسيين والمحللين والصحفيين، الذين يعبّرون عن إعجابهم بسياسات أوباما في وسائل إعلام مختلفة في الدول العربية والإسلامية، لكن سياسات الولايات المتحدة تبقى محل نقد بين شعوب هذه الدول. يرى هؤلاء في كاريزما أوباما ونبرته «التصالحية»، أدواتٍ ساعدت الرجل على التجديف بعكس تيار كراهية للولايات المتحدة، الذي تعزَّزَ خلال ثماني سنوات شهدت «تردّياً» على المسارات المختلفة تحت إدارة سلفه الجمهوري جورج بوش الابن. «ربما كان للجذور الإفريقية والإسلامية لأوباما تأثير كبير في شعور العرب والمسلمين بنوع من القرابة الروحية مع هذا الزعيم الذي يعتقدون أنه يشبههم»، يقول رئيس تحرير صحيفة «الغد» موسى برهومة لـ«السّجل». بعض قادة الرأي يفضّل التريث في الحكم على مدى استجابة سياسة واشنطن الجديدة لتوجهات أوباما للتغيير، ويرى أن الرئيس الأميركي يحتاج إلى «وقت كافٍ» لترجمة أقواله إلى أفعال، الأمر الذي كان طالبَ به الرأيَ العام العربي والإسلامي عقب خطابه في القاهرة مطلع حزيران/يونيو الفائت. مدير مركز القدس للدراسات السياسية، عريب الرنتاوي، يعتقد أن «ما تراكم في 50 سنة لا يمكن أن تشطبه سبع دقائق». يشيد الرنتاوي بأداء الرئيس الأميركي الذي وصفه بأنه «كارزمي، صريح، متواضع وصادق»، متوقعاً لمس تغيير في نظرة العرب والمسلمين حيال الولايات المتحدة، «عندما يضغط أوباما على نتنياهو وتصبح هنالك دولة فلسطينية». مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية ببيروت، رامي خوري، وصف كلام أوباما بأنه «جميل ومعتدل»، ما يجعله محبباً لدى الناس في العالمين العربي والإسلامي. «لكن يبقى هنالك تناقض بين سياسة أميركا على الأرض وكلام الرئيس الأميركي»، يقول خوري لـ«السّجل»، موضحاً أن واشنطن ما زالت تحتفظ بنحو 180 ألف جندي في العراق وأفغانستان. مع ذلك، يرى خوري أن هنالك مجالاً للتفاؤل، انطلاقاً من أن مقاربة أوباما لم يعتمدها أسلافه الذين انحازوا بالمطلق لإسرائيل. ويضيف أن من الواجب منحه الوقت حتى يتمكن من إحداث تغيير في سياسات بلاده الخارجية. «أمام الرئيس الأميركي عامان ليعمل خلالهما على قيادة سفينة إدارته نحو التغيير المطلوب، فمن المتوقَّع أن يبدأ بعد مضي سنتين من عمر رئاسته بالتحضير لحملة انتخابية من أجل ولاية جديدة»، يقول جورج حواتمة، رئيس التحرير الأسبق ليوميات «جوردن تايمز»، «الرأي» و«الغد». يعتقد حواتمة أن أوباما، بتركيزه على عملية السلام والمصالحة مع المسلمين منذ البداية، منح نفسه وقتاً كافياً للتعامل مع هذه الملفات، خلافاً لسلفيه بوش الابن وبيل كلينتون، اللذين حاولا لعب دور الوساطة في الربع ساعة الأخير من رئاسة كل منهما، ولم ينجحا في التعامل مع ضغوط اللوبي الصهيوني. حواتمة متفائل إزاء ما وصفها «رسائل اعتدال» من الجسم «اليهودي» داخل أميركا، الذي كثيراً ما وجّه دفة الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الأميركي، نحو الدولة العبرية؛ من هذه الرسائل واحدةٌ وجهها إلى أوباما أعضاءٌ في الكونغرس لحثه على دعم السلام القائم على حل الدولتين. وربما كانت أهم هذه الرسائل هي تلك التي وجهتها منظمـة إيباك الداعمـة لإسـرائيل، تذكّره بأن واشنطن يجب أن تبقى «صديقاً مخلصاً لإسرائيل»، وتؤكد على ضرورة أن ينهي الفلسطينيون ما وصفته بـ«العنف، والإرهاب، والتحريض». ولكن الرسالة جاءت «على استحياء»، كما يقول حواتمة. مديرة مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في عمّان، رندة حبيب، تؤمن بقدرة الرئيس الأميركي على إقناع اللوبي اليهودي في بلاده برؤيته «المعتدلة» للسلام في الشرق الأوسط، من حيث أن هذه الرؤية تلتقي مع مصالح الولايات المتحدة، و«من الطبيعي أن يتمسك الأميركيون بمصلحة بلادهم». تقارن حبيب بين الإدارات السابقة التي كانت «تتمنى» على إسرائيل وقف الاستيطان، وبين أوباما الذي «طالب» تل أبيب بهذا الأمر. «من الواضح أنه أجرى حساباته وأعلن موقفه وانتهى الأمر»، تقول حبيب. الوزير والنائب الأسبق سمير الحباشنة يتفق مع حبيب، بالنظر إلى أن الإدارة الأميركية لا تمتلك وحدها قرار واشنطن، ما يفسر الفجوة بين شعبية أوباما الشخص، والولايات المتحدة الدولة، في أوساط العرب والمسلمين. «أعتقد أن القرار الأميركي في كل مؤسساته لم يتبنَّ بعد مقاربة أوباما»، يقول الحباشنة في حديث لـ«السّجل». هذه النظرة المتأنية لخطاب أوباما وسياساته المعلنة حتى اليوم، لم تجد الصدى نفسه عند متشددين إسلاميين وقوميين ويساريين، يتخذون موقفاً أيديولوجياً معادياً للولايات المتحدة، بصرف النظر عن رئيسها. لكن خطاب أوباما في جامعة القاهرة أجبر حتى بعض المتشددين، الإسلاميين مثلاً، على الاعتراف، وإن على استحياء، بأنه تضمن لغة جديدة. رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، قال في تصريحات أثناء زيارة له إلى القاهرة، إن «خطاب أوباما قدم لغة جديدة»، وطالب بأن تكون هناك ترجمة عملية لهذا الخطاب. وعبّر عن فكرةٍ مماثلة عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمد نزال، باعترافه بأن خطاب أوباما في القاهرة تميزَ بالبلاغة. ولكنه قال إن أوباما «في النهاية ليس فيلسوفاً، بل هو رجل سياسة»، و«نحن نتطلع إلى سياسته وليس إلى خطاباته». في المحصلة، فإن الرئيس الأميركي «حقق اختراقاً كبيراً في حائط الكراهية والعداء لسياسات الولايات المتحدة» في العالم، بحسب ما كتب رئيس تحرير يومية «العرب اليوم» طاهر العدوان (5 حزيران/يونيو 2009)، لافتاً إلى «صراحته غير المعهودة كرئيس أميركي». غير أن العدوان انتقد أوباما في 13 حزيران/يونيو، بسبب قرار الأخير تسليم 11 ألف معتقل لولاية الحكومة العراقية، واصفاً الرئيس الأميركي بأنه «يمارس مهمة السجّان». الإخوان المسلمون في الأردن انتقدوا خطاب الرئيس الأميركي في القاهرة. ومع إقراره بالفارق بين نبرتَي أوباما وسلفه بوش، وبوجود نية لدى الرئيس الجديد «للوصول إلى تفاهم مع العالم العربي والإسلامي»، إلا أن الناطق الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين جميل أبو بكر انتقد ما وصفه بـ«دغدغة العواطف» التي قال إن أوباما قام بها من خلال اقتباسه آياتٍ قرآنية. الحذرُ الذي شابَ الترحيب بخطاب أوباما الجديد ولغته التصالحية، وجد صدى له حتى في العاصمة الإيرانية، حيث حقق المحافظ محمود أحمدي نجاد فوزاً مشكوكاً فيه بولاية رئاسية جديدة حزيران/يونيو الفائت. الحذرُ إزاء سياسة واشنطن الجديدة يسم الموقفين الرسمي والشعبي، بحسب ما ترى الصحفية الأردنية المقيمة في إيران فاطمة الصمادي. «رغم كل العداء السياسي على المستوى الرسمي، فإن الذاكرة الإيرانية تجاه أميركا مزيج من السلبي والإيجابي»، تقول الصمادي في اتصال هاتفي مع «السّجل»، موضحةً أن الإيرانيين ما زالوا يذكرون دعم واشنطن لهم ضد الاتحاد السوفييتي، ولكنهم لا ينسون في الوقت نفسه الدور الذي قامت به أجهزة الاستخبارات الأميركية للإطاحة بحكومة محمد مصدق العام 1953. الآراء السابقة بدت وكأنها رجع صدى للمشاعر الشعبية تجاه أوباما، والتي عبر عنها غير استطلاع للرأي أجري في أماكن مختلفة من العالم العربي. فقد كشف استطلاع أجراه موقع «مكتوب» للأبحاث لصالح قناة «الحرة» الفضائية في أيار/مايو الماضي، أن نحو 70 في المئة من المشاركين يعتقدون أن الولايات المتحدة عازمة على الترويج للديمقراطية في الشرق الأوسط، فيما أعرب 36 في المئة عن اعتقادهم بأن الولايات المتحدة تهدف إلى فرض القيم الغربية على المنطقة. ولكن نحو 70 في االمئة من المشاركين رأوا أن إدارة أوباما تود أن تشهد ولادة دولة فلسطينية مستقلة، وأن هذه نيته، فيما رأى نحو 85 في المئة أن أوباما ينوي إيجاد حل للحرب في العراق، ما سينعكس إيجاباً على العالم العربي بأكمله. لكن هذه الأرقام المرتفعة في تأييد سياسة أوباما وتعليق الآمال عليها في حل مشاكل عدة تشهدها المنطقة بعامة، لم تنعكس على صورة الولايات المتحدة في المنطقة، والتي بقيت سلبية. ففي استطلاع للرأي شمل 11 دولة عربية، بعد تولي أوباما للرئاسة، أعرب نحو 25 في المئة من المستطلعة آراؤهم أن صورة الولايات المتحدة ما زالت سلبية لديهم، وهي نسبة أعلى من مثيلتها في آخر شهر لحكم الإدارة الأميركية السابقة بحسب تقرير لـ رويترز بثته في 4 حزيران/يونيو الماضي. رغم ذلك كله فإن قادة رأي في الشارع العربي والإسلامي يرون أن شخص أوباما يُعَدّ حالة «فريدة غير مسبوقة» بين الرؤساء الأميركيين. وفي رأيهم أن الرئيس ذا السبعة وأربعين عاماً، كسبَ إعجابَ الكثيرين في العالمين العربي والإسلامي، لكنه ما زال في حاجة إلى مساعدة هذه الدول لشكّ مرساة السياسة الأميركية في شاطئ تعاطف رجل الشارع، حتى يمحو آثار دمار خلفته أمواجٌ عاتية، طوال نصف قرن من «غطرسة» واشنطن. |
|
|||||||||||||