العدد 1 - محلي | ||||||||||||||
نه يتمتع بمكانة جذابة في أعينهم. بخلاف ذلك، وكما هو حال معظم المجالس النيابية الأردنية، فإن تلك المجالس لا تثير حتى فضول المواطن لمتابعة جلساتها، رغم أنها تقرر مصير المنظومة التشريعية التي تسيّر حياتنا. لا يتواجد، في كثير من الأحيان، زوّار في شرفة المجلس لمتابعة المناقشات، في ما عدا إعلاميين وموظفين ورجال أمن، ما يكرس صورةَ مجالس مهجورة، على العكس من البدايات في العام 1989، حيث كانت الشرفة تكتظ بمواطنين يتفاعلون مع نقاشات المجلس وقراراته. هذا العام، تحل الذكرى العشرون على انتخاب مجلس النواب الحادي عشر، الذي بدأ معه عهد الانفراج الديمقراطي العام 1989، وما زالت مجالس النواب تتخبط في تلمس طريقها. فبدل أن يكرس المجلس دوره بوصفه سلطة مقابلة لسلطات الدولة الأخرى، ها هو يعمل موزَّعاً بين انشغال أعضائه في تحقيق مكاسب ذاتية، وبين أداء تشريعي ورقابي باهت. الحياة البرلمانية أفرزت «عقيدة» جديدة، هي عقيدة «نائب الخدمات»، إلى درجة أن تجربة الوزراء النواب في السنوات الست الأولى من التسعينيات أقنعت الملك الراحل الحسين بإغلاق بوابة الاستيزار أمام النواب، منذ ما بعد حكومة عبد الكريم الكباريتي (1996/1997)، بعد أن حوّل نوابٌ وزاراتهم إلى ميدان لخدمة عائلاتهم ومقربين منهم. المعضلة التي تواجه الحياة النيابية في الأردن، أقلّها منذ العام 1993، هي أن قانون الانتخاب يتحكم بنوعية النواب الفائزين، والمجلس المنتخَب لا يبدي ميلاً لتغيير القانون الذي أوصله إلى المجلس، ما يجعل البلاد تدور في حلقة مفرغة. في ذلك العام فُرض الاقتراع بقانون الصوت الواحد، بديلاً للقائمة المفتوحة التي تتيح للناخب اختيار عدد من المرشحين يساوي عدد مقاعد دائرته الانتخابية، أو يقل عنه. أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأردنية محمد مصالحة، يرى أن نظام الصوت الواحد أثّر في النوعية التي تصل إلى المجلس النيابي، بحيث أصبحت الأجندات الفردية الخاصة تطغى على البرامج الوطنية العامة، ما أدى لتحول سلبي في طبيعة المهمة النيابية. يضيف مصالحة: «بتنا أمام علاقة تناسب عكسي، إذ كلما انشغل النائب أكثر بالقضايا الذاتية والجهوية، ضعفَ دوره الرقابي على الأداء الحكومي». الناطق الإعلامي باسم التيار الديمقراطي الذي يضم ثلاثة أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة فهمي الكتوت، يقول: «صحيح أننا ندور في حلقة مفرغة، لكن الذي أدخلنا فيها يتحمل المسؤولية عن إخراجنا منها»، فالأمر يحتاج بكل وضوح إلى «توافر إرادة سياسية» لممارسة ديمقراطية حقيقية. يذكّر الكتوت الذي يمثل تياره الديمقراطي أحزاب الشيوعي، وحشد، والبعث التقدمي، بأن الأردن اختار طريق الديمقراطية منذ أواخر العام 1989، مقترنةً بميثاق وطني أُعلن في حزيران/يونيو 1991، وبأن هذا الميثاق يمثل مصالحة تاريخية للقوى السياسية المعارضة مع نظام الحكم، مشتملاً على تنازلات من الطرفين من أجل الالتقاء في منتصف الطريق. الكتوت انتقد مظاهر الالتفاف على الميثاق، والعودة إلى تشريعات «عرفية الطابع» لا تخدم عملية بناء الديمقراطية، مثل «قانونَي الاجتماعات العامة والأحزاب». الميثاق الوطني أعدّته لجنة ملَكية من 60 عضواً برئاسة أحمد عبيدات، رئيس الوزراء ومدير المخابرات الأسبق، مثّلت ألوان الطيف السياسي المختلفة، بما في ذلك التنظيمات والأحزاب التاريخية التي كانت حتى ذلك الوقت غير مرخّصة وتعمل بشكل سرّي، واستغرق إعداد الميثاق عاماً ونيّفاً. في العام 2001، أُقِرّ قانون انتخاب جديد «مؤقت» أيضاً في عهد حكومة علي أبو الراغب، أُجريت بموجبه انتخابات 2003، و2007، وما زال هذا القانون مؤقتاً. القانون أبقى على الصوت الواحد، ومثّل تراجعاً إضافياً بتفتيت معظم الدوائر الكبيرة (محافظات)، إلى دوائر أصغر على مستوى «الألوية»، ما فاقم عملية تأطير الهويات الفرعية القائمة على روابط الدم، وكرّس العشيرة أو العائلة لاعباً حاسماً في القسم الأكبر من الدوائر الانتخابية. وفي غياب البعد السياسي في العملية الانتخابية تعمق التنافس العشائري، وأخذ المال وشراء الذمم يشكل عاملاً سلبياً آخر في تحديد هوية النواب الفائزين. بهذا تقدمت العشيرة والعائلة كبنية اجتماعية قائمة لملء الفراغ الناجم عن ضعف الحياة الحزبية والسياسية، وتحولت عشائر إلى ما يشبه «مليشيات غير مسلحة» تتنافس على النفوذ لانتزاع حصتها من مقاعد مجلس النواب. لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فقد شهدت آخر انتخابات نيابية العام 2007، أوسع أشكال التدخل الحكومي منذ العام 1989، ما دفع المركز الوطني لحقوق الإنسان إلى وصف المخالفات التي رافقت العملية الانتخابية بأنها «شككت في نزاهة الانتخابات وقللت من مصداقيتها». وأكثر من أي وقت مضى، لم تقتصر التدخلات الرسمية في الانتخابات على تبديد فرص مرشحي أحزاب معارضة ومرشحين مستقلين في الفوز، بل انطوت على «هندسة» مسبقة للمجلس النيابي. المجالس النيابية التي أفرزتها انتخابات نيابية منقوصة الشرعية، تعزز ميل أعضائها لتوظيف النيابة في خدمة أنفسهم وبعضٍ من جمهورهم الانتخابي. العام 1999 شهد واحداً من أسوأ الانتهاكات الدستورية في تاريخ البلاد على يد المشرعين، إذ سمح البرلمانيون لأنفسهم من خلال تعديل قانون التقاعد المدني رقم 34 لسنة 1959، بتحقيق امتيازات كبرى في ضربة واحدة، وذلك بتشريع نيلهم راتباً تقاعدياً بصرف النظر عن مدة نيابتهم، بينما كان البرلماني لا يستحق التقاعد إن لم يكن متقاعداً أصلاً، إلا بعد مضي خمس عشرة سنة في العمل النيابي، أو إذا كان موظفاً وبلغت خدماته المقبولة للتقاعد، بما فيها عضوية مجلس الأمة خمس عشرة سنة. أما الامتياز الرئيسي الثاني الذي أتاحه القانون المعدِّل رقم 7 لسنة 1999، فقد تمثل في تعديل الحسبة التقاعدية لمخصصات أعضاء مجلس الأمة، بحيث أصبح الراتب التقاعدي يتكون من «إضافة ثلث راتبه الشهري الأخير إلى جزء من 360 من ذلك الراتب عن كل شهر من خدماته المقبولة للتقاعد»، بينما كان تقاعده يقتصر على ضرب عدد أشهر خدمته المقبولة للتقاعد في أعلى راتب يتقاضاه، وتقسيم حاصل الضرب على 480. السَّفرات الخارجية باتت هي الأخرى مجالاً للتنفيع، فالسَّفرة لا بد أن تندرج ضمن واجبات تطوير علاقات الأردن مع العالم الخارجي والارتقاء بقدرات النواب، وسوى ذلك فإنها ليست سوى «شمة هوا» أو للحصول على مياومات بمعدل 300 دينار أردني عن كل ليلة سفر. يؤخذ على العديد من السفرات للدول الأجنبية أنها لا تراعي معيار أن يعرف النائب لغة البلد الذي يزوره. تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2008، شخّص عدداً من المخالفات المالية الصريحة في مجلس النواب بشأن نظام الانتقال والسفر، منها «أنه يتم صرف مياومات السفر كاملة للوفود البرلمانية دون التأكد مما إذا كان السفر بناء على دعوة رسمية أو لا». كما يتم تسديد النفقات الإضافية لأعضاء الوفود ممن هم في مهمات رسمية «دون اعتمادها من مجلس الوزراء». المجالس الوطنية الاستشارية (1978-1984) بعد حلّ مجلس النواب التاسع في العام 1976 إلى أمدٍ غير محدد، وجّهَ الملك الراحل الحسين بن طلال رسالة إلى رئيس الحكومة مضر بدران يدعوه فيها إلى تشكيل مجلس وطني استشاري لإسداء الرأي والمشورة للسلطة التنفيذية، ومناقشة السياسة العامة للحكومة، محدداً مدة ولايته بسنتين. وهذا يعني أن هذه المجالس التي جاءت للتعويض جزئياً عن تعطيل الحياة البرلمانية، كان عليها أن تؤدي دور المجالس النيابية في ما يخص التشريع والرقابة، لكن قراراتها استشارية وغير ملزِمة للحكومة. وهذه المجالس، هي: - المجلس الوطني الاستشاري الأول: تشكلَ بتاريخ 20/4/1978، من 60 عضواً برئاسة أحمد اللوزي. - المجلس الوطني الاستشاري الثاني: تشكلَ بتاريخ 20/4/1980، من 60 عضواً برئاسة أحمد الطراونة. - المجلس الوطني الاستشاري الثالث: تشكلَ بتاريخ 20/4/1982، من 75 عضواً برئاسة سليمان عرار. في الدورة العادية الأولى لمجلس النواب الخامس عشر، حاول النائب مجحم الخريشة التجديف عكس التيار، فطالب بوقف جميع سفرات النواب إلى خارج المملكة، «إلا في حالة الضرورة القصوى»، مذكّراً زملاءه بأنه إذا كان مجلس النواب يطالب الحكومة بترشيد النفقات، «فمن الأَولى بالمجلس أن يقوم بترشيد نفقاته أولاً». تراوح مدة السفرات الخارجية في المتوسط بين ليلتين وسبع ليالٍ، أما المشاركون في الوفود، فيراوح عددهم بين نائب وعشرة نواب، بحسب جردة أجرتها «السّجل» للدورة النيابية العادية الأولى للمجلس الحالي، شملت خلال أشهرها الأربعة، 18 وفداً نيابياً بمشاركة 60 نائباً، غطت زياراتهم 12 مدينة وعاصمة، ثلاث منها عربية. الأمين العام السابق لمجلس النواب محمد مصالحة، استذكر بأنه تم إجراء ترتيب يسمح بالاستماع إلى تقارير من الوفود التي تقوم بزيارات للخارج، لكن «هذا توقَّف»، وأكد أن كثيراً من السَّفرات لا يُستغل الاستغلال الأمثل، مشدداً على أهمية استثمار الموارد المتاحة للمجلس لتطوير قدرات النواب والإمكانات اللوجستية للمجلس، و«ليس لترفيه النواب». موازنة مجلس الأمة بشقّيه من أعيان ونواب، تبلغ 11 مليون دينار، يذهب القسم الأكبر منها للرواتب والمياومات. وقد طالب النائب بسام حدادين في غير مناسبة، بسطَ رقابة مجلس النواب على موازنته الخاصة، بدءاً من مناقشتها وإقرارها تحت القبة. غياب هذه الرقابة ربما يفسر بعض التجاوزات المالية الأخرى التي رصدها ديوان المحاسبة في تقريره لسنة 2008، التي تشمل «شراء تذاكر السفر للوفود البرلمانية من شركات خاصة» وعدم حصرها بـ«الملَكية الأردنية»، وصرف إعانات بقيمة 7000 دينار «دون إرفاق المعززات والكشوف التي تبين أسماء المستفيدين»، وتحمُّل نفقات إقامة بعض النواب في الفنادق، «رغم قرار المجلس المتضمن صرف 2000 دينار سنوياً لكل نائب لتغطية مصاريف إقامته بالفنادق». ومن ذلك أيضاً صرف أجور النعي في الصحف، خلافاً لقرار صادر عن مجلس الوزراء العام 2005. تمارس الحكومة سياسة استرضائية تجاه تطلعات النواب لتحقيق امتيازات شخصية، وتسهيلات لتحسين صورتهم أمام ناخبيهم، ما يشجعهم على المطالبة بالمزيد. فمنذ انتخابهم في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، نجح النواب في واحد من أحلك المنعطفات التي مرت بها البلاد، إبان موجة ارتفاع الأسعار، في مضاعفة مخصصات النائب الواحد إلى نحو 2800 دينار شهرياً، إضافة إلى إعفاء جمركي لسياراتهم، ثم مُنحوا حق بيع هذا الإعفاء. هذا إلى جانب تأشيرات الحج وتغطية تكاليف علاج. وتم أواسط حزيران/يونيو الفائت تناقُل معلومات عن «مكرمة حكومية» بقيمة 396 ألف دينار ستوزَّع على النواب للتبرع بها إلى طلبة جامعيين. هذه التسهيلات المالية الأخيرة إذا نُفّذت ستكون أقرب إلى روحية «الرشاوى»: الحكومة «ترشي» النواب، والنواب «يرشون» بعض ناخبيهم. لهذا طالب النائب خليل عطية (عمّان الأولى) تحت القبة، والنائبان محمد الشرعة (بدو الوسط) وصلاح الزعبي (إربد الخامسة) في بيان لهما، بعدم قبولها. يعزز ردة الفعل هذه، غيابُ الشفافية التي تحدد شروط الاستفادة من هذه التبرعات، وعدم وجود ما يضمن ذهابها لمحتاجين حقاً. «التجاوز» على المال العام، أسهم بدوره في تعميق حالة عدم الرضا عن المجلس النيابي. فقد أظهر أحدث استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية، أن 71 في المئة من قادة الرأي في الأردن، غير راضين عن أداء المجلس. استطلاع الرأي الذي أُعلن يوم 14 حزيران/يونيو 2009، كشف أن 42 في المئة من قادة الرأي يؤيدون حل مجلس النواب فوراً، وأن أغلبية كاسحة من هؤلاء (88 في المئة) تؤيد إجراء انتخابات نيابية مبكرة في خلال الأشهر الأربعة التالية للحل. المجالس النيابية التي سبقت عودة الحياة النيابية العام 1989 بدأت مسيرة المجالس النيابية في المملكة بعد الاستقلال (25 أيار/ مايو 1946)، إثر انتهاء عهد المجالس التشريعية في إمارة شرق الأردن خلال الأعوام 1929-1947. في ما يلي قائمة بتواريخ انتخاب المجالس النيابية ومعلومات حولها: - المجلس النيابي الأول: انتُخب يتاريخ 20/10/1947. وحُلّ هذا المجلس في 1/1/1950 قبل نهاية ولايته، تمهيداً لإجراء انتخابات جديدة بمشاركة سكان الضفة الغربية. - المجلس النيابي الثاني: انتُخب بتاريخ 20/4/1950، بمشاركة سكان الضفة الغربية. وحُلّ هذا المجلس في 3/5/1951 لرفضه التصديق على موازنة الدولة لسنة 1951. - المجلس النيابي الثالث: انتُخب بتاريخ 29/8/1951. وحُلّ هذا المجلس قبيل جلسة الثقة بحكومة توفيق أبو الهدي، لتفادي حجب الثقة عنها. - المجلس النيابي الرابع: انتُخب بتاريخ 16/10/1954. وحُلّ هذا المجلس بتاريخ 19/12/1955، ثم أعيد حلّه بتاريخ 26/6/1956، إذ إن ديوان تفسير الدستور كان قرّرَ أن الحل الأول غير دستوري. - المجلس النيابي الخامس: انتُخب بتاريخ 21/10/1956، وفوز أحزاب المعارضة بأغلبية مقاعد المجلس، وتكليف سليمان النابلسي زعيم الحزب الوطني الاشتراكي بتشكيل الحكومة. - المجلس النيابي السادس: انتُخب بتاريخ 19/10/1961. وحُلّ بتاريخ 1/10/1962 قبل انتهاء ولايته الدستورية. - المجلس النيابي السابع: انتُخب بتاريخ 27/11/1962. وحُلّ هذا المجلس بتاريخ 21/4/1963 في اليوم التالي لحجب الثقة عن حكومة سمير الرفاعي. - المجلس النيابي الثامن: انتُخب بتاريخ 6/7/1963، وحُلّ بتاريخ 23/12/1966 قبل انتهاء ولايته الدستورية. - المجلس النيابي التاسع: انتُخب بتاريخ 18/4/1967، وهي آخر انتخابات تجري قبل احتلال الضفة الغربية في حزيران/يونيو 1967. وتقرّرَ بتاريخ 3/3/1971 التمديد لهذا المجلس لمدة سنتين، وحُلّ هذا المجلس في العام 1974 إثر إعلان قرارات قمة الرباط التي اعترفت بـ«م.ت.ف» ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. وفي 4/2/1976، دُعي هذا المجلس لإجراء تعديلات دستورية، ثم حُلّ بتاريخ 7/2/1976. - المجلس النيابي العاشر: أُعيد المجلس التاسع (المنحل)، وأجرى تعديلاً على الدستور ليجعل من المجلس الذي أعيد إحياؤه مجلساً جديداً هو «العاشر». وأجرى المجلس في 18/1/1984 انتخابات لسبعة نواب بدلاء عن نواب الضفة الغربية الذين شغرت مقاعدهم، من خلال مجلس النواب. كما أجرى في 12/3/1984 انتخابات تكميلية لثمانية نواب بدلاء عن نواب الضفة الشرقية الذين شغرت مقاعدهم. ومُدّد لهذا المجلس اعتباراّ من 17/1/1988. ثم حُلّ بتاريخ 30/7/1988 في اليوم التالي لقرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية المحتلة. من بين النتائج اللافتة التي أبرزها الاستطلاع، أن ثلثَي قادة الرأي تقريباً ربطوا بين ضعف استقلالية المجلس، وبين منح النواب امتيازات درجت الحكومات على تقديمها لهم. كما أن نسبة راوحت بين 77 و92 في المئة عارضت منح النواب مثل هذه الامتيازات. الحركة الإسلامية التي كانت أحد أبرز ضحايا سياسة «هندسة» الانتخابات العام 2007، إذ سجلت أدنى فوز لها منذ العام 1989، بهبوط رصيدها من 17 نائباً في انتخابات العام 2003 إلى ستة نواب في الانتخابات الأخيرة، رأت في نتائج الاستطلاع فرصة لإعادة التذكير بموقفها. الناطق الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين جميل أبو بكر، صرّح بشيء من التندُّر، بأن نسبة 71 في المئة التي عبّرت عن عدم رضاها عن أداء المجلس هي «أقل من الواقع»، واصفاً أداء المجلس بأنه كان «سيئاً وضعيفاً في كل المجالات، سياسياً وتشريعياً ورقابياً». وأيّدَ أبو بكر حلَّ المجلس وإجراء انتخابات مبكرة على أساس «قانون انتخاب جديد يعكس الحد الأدنى من طموحات الشعب والأحزاب السياسية». نتائج الاستطلاع لا تروق لكثير من النواب الذين يميلون إلى تقييم أعمالهم من الناحية الكمّية فقط، ويتناسون المضمون على الصعيدَين الرقابي والتشريعي. حتى إن أصحاب الخبرة التشريعية المتراكمة في المجلس، مثل: عبد الرؤوف الروابدة، عبد الكريم الدغمي، وسعد هايل السرور، لم يتركوا هم أو غيرهم من النواب بصماتٍ تشريعية تقترن بأسمائهم، رغم وجود ثغرات ونواقص تشريعية كثيرة؛ من القوانين المؤقتة، إلى تفرُّد المجلس النيابي بالبت في الطعون المقدمة بصحة نيابة أعضائه، إلى غياب المحكمة الدستورية. النائب بسام حدادين يصف المجالسَ النيابية بأنها قوة محافظة مئة في المئة، مفسراً أنها لم تسْعَ إلى تطوير دورها وصلاحياتها الدستورية، مكتفيةً مثلاً بدورة عادية واحدة مدتها أربعة أشهر لتنفيذ كل المهام الدستورية المنوطة بها. و«ما زالت هذه المجالس ترتضي لنفسها بنظام داخلي شمولي لا يعترف بالتعددية ولا يؤسس لعمل برلماني ديمقراطي»، يضيف حدادين، النائبُ المخضرم الذي يداوم تحت القبة منذ العام 1989. في محاولة لاستشراف آثار رفع ما عُرف بـ«الغطاء الأمني» عن مجلس النواب، على أداء المجلس في المرحلة المقبلة، أشار حدادين الى «حالة تموضع جديدة في علاقة الكتل والنواب كأفراد بالحكومة، بما في ذلك على صعيد رئاستَي الحكومة ومجلس النواب»، لكنه استبعد أن تصل الأمور إلى حالة من التنافر، لأن الطرفين حسب رأيه، «من رحم واحد سياسياً وطبقياً واجتماعياً»، مضيفاً أن حالات الخروج عن «الطاعة» تبقى فردية، وإن اتخذت شكلاً جماعياً فإن دوافعها تكون في الغالب نفعية. في تعليقه على استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية حول مجلس النواب، كتب القيادي في حزب الوسط الإسلامي فايز الربيع، مقالةً صوّر فيها سلوك مرشح ما للانتخابات من موقع فردي، مشيراً إلى أنه في ظل سيادة هذا النمط من الترشيحات، فإن عدم رضا الرأي العام عن الأداء النيابي ينبغي أن لا يفاجئنا، مستخلصاً أن «دار لقمان ستبقى على حالها»، إلى أن يكون هناك إصلاح سياسي حقيقي. الربيع دعا إلى إصدار قانون جديد للانتخاب يشتمل على تمثيل نسبي للأحزاب، وعلى إشراك شخصيات حزبية في التشكيلات الحكومية، لافتاً إلى أن غياب ذلك لا يشجع الناس على الانتساب للأحزاب، ما دام أنهم يستطيعون أن يحققوا حضوراً في الحياة العامة من دون أحزاب ومن دون برامج. البرلمان بحاجة أيضاً لمعالجة الطريقة التي يدير بها شؤونه، فهي ذات تأثير كبير في فعاليته. في مقدمة ذلك أن تتحول لجان المجلس إلى «المطبخ» الفعلي لدراسة التشريعات، ويُترك للجلسات العامة حق التصويت على هذه التشريعات، ما يوفر لمجلس النواب وقتاً كافياً للارتقاء بآلية الرقابة على الحكومة. النائب حدادين، يشدد على أن اتجاهات التعديل للنظام الداخلي لمجلس النواب ينبغي أن تعترف بالتعددية النيابية، بما يجعل الإرادة الجماعية للمجلس هي التي تدير شؤونه، بدل تكريس الإرادة الفردية، وبما يسمح بإدارة علاقة المجلس مع السلطة التنفيذية بأقل قدر من الصفقات وأكبر قدر من الاستقلالية، داعياً إلى الاعتراف بالكيانات النيابية، ثم «تشكيل الهيئات القيادية واللجان المتخصصة على قاعدة التمثيل النسبي، وتوزيع الصلاحيات المخولة لرئيس المجلس على المكتب الدائم لتوفير قيادة جماعية». في اتجاه تحسين الأداء النيابي، يشير مصالحة إلى أن مجلس النواب ينقصه أدوات الرقابة على سلوك أعضائه في داخل المجلس وخارجه، مذكّراً بمظاهر عدم اكتمال النصاب أو فقدان نصاب الجلسات، وبمحدودية المساهمين بفعالية في مناقشة التشريعات، داعياً للاحتكام الى أدوات علمية لتقييم سلوك النواب، وكشف الامتيازات التي ينالونها من طرف الحكومة، وإلى تفعيل التصويت الإلكتروني في المجلس كي تكون نتائج التصويت دقيقة، وتتيح للرأي العام التعرف على اتجاهات تصويت النواب على التشريعات والقرارات التي يتبناها المجلس. تجربة المجلس الحالي تشير إلى أن جلساتٍ عدة لم تنعقد، ليس فقط لعدم توافر النصاب القانوني أو فقدان النصاب بسبب مغادرة نواب للجلسة، بل لعدم وجود مادة جاهزة لمناقشتها على جدول الأعمال، أو «التهريب» المتعمَّد للنصاب، أي عدم دخول نواب تحت القبة رغم وجودهم في أروقة المجلس حتى لا يكتمل النصاب. الناطق باسم التيار الديمقراطي فهمي كتوت شدد على أهمية النظام الانتخابي المختلط، الذي أوصت به الأجندة الوطنية (2006-2015)، بوصف ذلك مخرجاً للمأزق الحالي، وهو ما تتوافق عليه معظم الأحزاب السياسية القائمة، لكن التقدم في هذا الاتجاه ما زال رهناً بإرادة سياسية رسمية للانتقال به إلى حيز التطبيق. |
|
|||||||||||||