العدد 1 - راحلون | ||||||||||||||
في أواخر كانون الثاني/يناير 2008 كنتُ أتلقّى العلاج في مستشفى الأمير الحسين بن عبد الله بمدينة الحسين الطبية، فإذا بي أُفاجأ بزيارة الفريق الركن المظلي تحسين شردم، أبو زيد، متكئاً على كتف شقيقه الأكبر الفريق الركن الطيار إحسان شردم. وتلمع عيناه بالفرح وهو يقول مازحاً وبصوت تشوبه بحةٌ وضعف: ماذا تفعل هنا؟ ربّاه.. أهذا هو تحسين، قائد القوات الخاصة في السبعينيات؟ أهذا هو تحسين، قائد القوات البرية، ونائب رئيس هيئة الأركان، ومدير الأمن العام، ومعالي مستشار جلالة الملك؟ أما أنا، فتذكرتُه على الفور، وهو يقود فصيلاً مفاوضاً في واشنطن 93-1994. رجل وديع وقريب جداً إلى القلب، وقادر على صنع الابتسام والفرح بعد كل يوم شاقّ في مهمتنا «السلمية» الصعبة. أراه بـ«الشورت»، في غرفته بالفندق، وأصرخ: «ما الذي جرى لساقك هذه أيها الأسد الهصور..». إنها آثار التدريب الشاقّ والجروح الغائرة في إحدى ساقيه، لعلها نتيجة انفجار قنبلة ما. كان يتمتع بعقلية استخباراتية راقية. لم يكن جسداً يفور بالشجاعة والإقدام فحسْب. بل مناوراً ماهراً قادراً على الإلمام الدقيق بالتفاصيل. يبــدو أنه قرأ نبذة عن الزملاء فــي الفــريق المفاوض، فأعــطاني لــقب «My Uncle»، يريد أن يُفهمَ الجميع أنني أكبرهم سنّاً، وهذا صحيح. ها هو يقود سيارة صديق أردني مقيم بالقرب من واشنطن، ونحن ذاهبون لعزومة غداء في بيت الرجل.. إنه يزيد في سرعة السيارة حتى يقطع الإشارة قبل الضوء الأصفر. «تعرف يا مروان، أنا خدمت ملحقاً عسكرياً هنا، وأعرف بالضبط توقيتات إشارات المرور هنا. لقد حفظتُها عن ظهر قلب. مبرمجة على الطريقة الأميركية». تحسين يبدو من الخارج كأنه ممن يلتهمون ذبيحة كاملة، لكنه في الواقع ليس كذلك. إنه يأكل كالعصفور.. «ينقرش»، يتحدث ويمازح الجميع. يا الله ما أحلى معشرك يا أبا زيد. لله درك أين أنت يا رجل.. أين أنت؟ |
|
|||||||||||||