العدد 12 - إبداع
 

حاوره: حسين أبو رمان

نصر الزعبي

عازف العود والمؤلف موسيقي، مؤسس المسرح التفاعلي في الأردن. عضو نقابة الفنانين الأردنيين. في العام 1986 درس الموسيقى بمعهد الدراسات النغمية في بغداد الذي تمتد الدراسة فيه على ست سنوات، في الفترة التي كان فيها الموسيقار منير بشير مشرفاً عاماً على المعهد. وكان قد أنهى دراسته الثانوية العام 1979 في مدرسة الرمثا الثانوية.

حاز جائزة الأغنية السياسية في بغداد العام 1981، على غنائه وتلحينه قصيدة للشاعر اللبناني موسى شعيب. ونال العام 1992 جائزة التأليف الموسيقي في مهرجان مسرح الشباب الأردني الأول. وفي العام 1994، فاز بجائزة مهرجان المسرح الأردني الرابع لأفضل موسيقى ومؤئرات صوتية في مسرحية «كأنك يا بو زيد». لحّن العديد من المسلسلات التلفزيونية، وله قرابة 40 عملاً مسرحياً ودرامياً.

ے: مَنْ مِنْ العازفين أو الأساتذة الموسيقيين ترك أثراً في حياتك الفنية؟

- قد تستغرب إن قلت لك إن أكثر من ترك أثراً في حياتي الفنية هو الصديق العازف على العود وليد الأنيس، وكان ذلك قبل التحاقي بمعهد الدراسات النغمية في بغداد. يعمل الأنيس في الأساس حلاّقاً وما زال، لكنه كعازف هاوٍ يختلف عن العازفين التقلييدين، في نزعته الحداثوية. إنه مثقف حقيقي وتصرفاته في حياته اليومية عصرية. هذا هو الشخص الأول الذي كان له أثر طيب في تكوين شخصيتي كموسيقي.

ے: ما الذي قادك إلى المسرح؟

- انخرطتُ في المسرح لسببين رئيسيين؛ أولهما أن المسرح مختبر حقيقي للمبدع لاكتشاف أهمية اتصاله المباشر بالجمهور. ويتعلق السبب الثاني بالإحباطات التي واجهتني كملحن بعد أول أغنية لحنتها لمتعب الصقار «سمرا وسمارك زين». فقد لاحظت أن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بصفتها الحاضنة الرسمية للنشاط الفني، لا تختلف عن نظيرتها في العراق الذي درستُ فيه، من حيث اشتراطاتها ذات البعد الأمني. كما أن هناك ميلاً لاختزال الأغنية الأردنية في ما يسمى «الأغنية الوطنية».

ے: لكن الأغنية الوطنية لها حضورها في الأردن منذ عقود..

- الأغنية الوطنية في وضعها الراهن أغنية ترويجية في خدمة الحالة السياسية، وهي تختلف عن الأغنية الوطنية خلال الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي. فقد كانت الأغنية الأردنية آنذاك من أكثر الأغاني انتشاراً على الصعيد العربي. بل إن جملة من الفنانين العرب الكبار مثل وديع الصافي، هيام يونس، نجاح سلام ومحمد جمال كانوا يغنّون الأغاني الأردنية من كلمات وألحان أردنية، وكانت الإذاعة الأردنية نقطة انطلاق بالنسبة لهم.

ے: إذاً كيف نفسر انتشار الأغنية الوطنية وخصوصيتها؟

- تعود أسباب انتشار الأغنية الأردنية في الستينيات إلى السياسة الإعلامية الواضحة والناضجة لدى رجل الدولة من أمثال وصفي التل، وإحساسه العالي بأهمية الأغنية ودورها في نشر الخطاب الوطني. وتعود ثانياً إلى التلقائية التي يتحلى بها الشاعر والملحن الأردني. علاوة على اتساق الأغنية مع إحساس الإنسان الأردني ووجدانه، فاللهجة حقيقية وغير مفتعلة، وكذلك التفاصيل الأخرى.

ے: ما سبب هذا الخلل في التعاطي مع الأغنية الأردنية حالياً؟

- السبب هو عدم وجود رؤية تهتم بالثقافة بشكل عام كرافد أساسي في صياغة الرأي العام. وكانت الأغنية أولى الضحايا الأكثر وضوحاً. فالأغنية ذات قدرة اتصالية هائلة، لكنها بالأساس ذات طبيعة محلية، لذلك تدفع الثمن. فأنت قد تمتلك رؤية كروائي تتقاطع مع ماركيز أو كشاعر مع محمود درويش، لكن خصوصية الأغنية تفرض عليها أن لا تغادر هويتها المحلية. ونحن في الأردن نعاني من غياب المواكبة النقدية بشكل منهجي في الساحة الإبداعية.

ے: من أين استلهمت فكرة المسرح التفاعلي؟

- المسرح مختبر يبحث في أقصر السبل للوصول إلى المتلقي. لكن انحسار المسرح الأردني في إطار ما يسمى «المسرح التجريبي»، وكذلك في إطار المهرجانات المقامة من وزارة الثقافة، ترك فرصة ضعيفة للإنتاج المسرحي. علاوة على تكريس هذا النشاط في العاصمة عمان وحدها، وإهمال الاتصال مع الجمهور في المحافظات الأخرى حتى في المدن الكبرى؛ من هنا نشأت فكرة المسرح التفاعلي.

ے: ما أبرز خصائص المسرح التفاعلي؟

- فكرة المسرح التفاعلي حديثة في العالم. وهي ثمرة اجتهاد نقدي ليساريين ووليد الواقعية الاشتراكية. جذوره ملحمية، ويحقق أكثر من معادلة، في مقدمتها البحث عن علاقة متكافئة بين المسرح والجمهور، وهذا عنصر مركزي في تحقيق الحالة المسرحية. وقد عرف المسرح التفاعلي تجارب متعددة في العالم، بخاصة في كندا والبرازيل. وهو يوظف طاقات خبيرة للمساعدة في بلورة فكرة معينة والارتقاء بذائقة الجمهور. فمثلاً يختار قضية بهدف رفع وعي الجمهور بها.

ے: ما باكورة إنتاجك في المسرح التفاعلي؟

- قدمتُ أول مسرحية بعنوان «صوّتْ وقِبْ» العام 2005، وتتناول أحداث يوم انتخابي عند الأردنيين وما يتخللها من حوارات في العائلة، انتقالاً إلى الإعلام والشارع. وهنا نحن لا نفرض رأياً بخلاف المسرح التعليمي، بل تكمن أهمية المسألة في العملية الحوارية. بعد ذلك، بالشراكة مع مخلد الزيودي، نتنقل من خلال التجوال في ربوع الأردن. إننا نعمل على إعادة صياغة تاريخ الأردن وتقديمه عبر أعمالنا بما يتناسب مع ذائقة الجمهور المتلقي.

ے: بماذا يختلف هذا الوصف عن حكاية «الجمهور عايز كدة»؟

- أنا أتحدث عن الجمهور بتلقائيته. هناك لاوعي جمعي يستطيع أن يدير معنا حواراً ثرياً، فشعب الأردن يعيش على أرض تجتمع عليها الجغرافيا والتاريخ في تناغم كبير، ولذا فإن المخزون الثقافي والمعرفي للإنسان الأردني يجعله يستعمل في أيامنا هذه، الأسماء نفسها للأماكن المتعددة والمتنوعة التي تمتد جذورها في عمق التاريخ. هذا الشعب لديه بكل تأكيد ذائقة ومعرفة نستطيع أن نستفزها.

في العام 2006، أنتجنا «الفجر الجديد» الذي يبحث في التاريخ الأسطوري للأردن. وعلى المستوى التقني، دمجنا تقنية السينما في العرض المسرحي. كذلك كانت هناك مناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس جامعة اليرموك التي قدمنا فيها «احتفالية الأرض» التي هي بمثابة إعادة إنتاج لمعركة اليرموك في الموقع نفسه على الطبيعة، حيث قدمنا العمل على مساحة 10 دونمات واستخدمنا فيه الخيول، وكذلك الآليات العسكرية الحديثة ربطاً بمعركة الكرامة.

ے: بماذا يتميز مسرحكم التفاعلي من حيث الفكرة وشكل العرض؟

- مادة العرض هي من السهل الممتنع التي لا يستخف الجمهور بقيمتها الفكرية والخطابية، لكنه يستقبل أدواتها بشكل سلس. دمج الأغنية في العمل يمتلك قدرة كبيرة على التواصل مع الناس. ونحن نستخدم الكورال بمشاركة مجموعة من الصبايا، كما نستخدم مادة فيلمية نعدّها نحن في الغالب، فالسينما لها سحرها وتأثيرها الكبير. ونستطيع أن نعرض في أي مكان متاح يتواجد فيه الجمهور. الحوار هو أيضاً أحد مكونات المشهد، قد يكون جزءاً من العمل نفسه، أو يتم مع الجمهور بعد العرض، ويستمر أحياناً ساعات طويلة.

ے: للمحافظات مكانة خاصة في اهتماماتكم، ما دلالة ذلك؟

- استئثار العاصمة بالأعمال الثقافية له مدلول سياسي أكثر من كونه اجتماعياً. وقد أدى التركيز الثقافي على العاصمة إلى إهمال الاهتمام بالتجمعات السكانية الأخرى والمناطق النائية، ونأى بها عن عملية المسرح، وهذا طال حتى مراكز المحافظات. العرض في المحافظات يوفر فرصة تثقيفية للمتلقين بالعملية المسرحية وأدواتها.

ے: ما أحدث أعمالكم؟

- «طقسية الشهداء» هي الأحدث، إنها ترصد قيم البطولة التي صنعها الإنسان على أرض الأردن. وتتشكل من خمس لوحات: الأردن مربع العقائد والحضارات، معركة مؤتة وشهداء آل البيت، معركة اليرموك، موسى بن نصير وفتح الأندلس، ومعركة الكرامة. إننا نعبر بهذه الطقسية من جعفر الطيار إلى شهداء هاييتي.

ے: ما طبيعة شراكتك مع مخلد الزيودي؟

- تعود الشراكة مع مخلد إلى العمل المشترك العام 2006، وتنفيذ مسرحية «الفجر الجديد»، ثم «احتفالية الأرض». واستمرت الشراكة.

نحن نتطلع إلى تشكيل «ثنائي» على غرار الشراكات الفنية، والأمور ميسّرة. وفي كل الأحوال، هناك تكامل في الأدوار. مخلد أستاذ في جامعة اليرموك، وهو يحمل درجة الدكتوراه في الدراما المسرحية من بريطانيا. ولذلك شكل رافعة للفريق بخبرته وسرعة بديهيته في إثراء التفكير المشترك بيننا.

نصر الزعبي: أرض الأردن تلتقي عليها الجغرافيا والتاريخ في تناغم كبير
 
01-Jun-2010
 
العدد 12