العدد 12 - حريات | ||||||||||||||
أثارت عملية اغتيال الصحفي العراقي الكردي سردشت عثمان، 23 عاماً، على خلفية مقالات له انتقد فيها بلغة تهكمية قاسية «فساد» حاكم إقليم كردستان مسعود بارزاني، الكثير من ردود الأفعال الغاضبة، واتهمت جهات عدة الحزب الديمقراطي الحاكم في الإقليم بالضلوع في عملية الاغتيال. عثمان، الصحفي وطالب اللغة الإنجليزية في جامعة صلاح الدين بمدينة أربيل، 360 كم شمال بغداد، اختُطف صباح 4 أيار/مايو 2010، عندما ترجل مجهولون من سيارة قبالة بوابة الجامعة، واقتادوه أمام عشرات الطلبة، وعناصر الأمن الجامعي، ليُعثَر بعدها بيومين على جثته في مدينة الموصل، 405 كم شمال بغداد، وكان مقيد اليدين، عليه آثار تعذيب، ومصاباً بطلقات نارية في الرأس. عثمان كان قد أثار عداء السلطات إليه بترجمته من الإنجليزية إلى الكردية مقالات عن الصحف العالمية تتحدث عن الفساد المالي والإداري والسياسي في الإقليم، لكنه بدأ يتلقى تهديدات بالقتل بعد نشره يوم 13 كانون الأول/ ديسمبر 2009، مقالة على موقع كردستان بوست الإلكتروني بعنوان «أنا أعشق ابنة البارزاني»، طلب فيها بسخرية من البارزاني أن يزوجه ابنته حتى يستطيع قضاء شهر العسل في باريس، والانتقال من منزل عائلته الفقير في أربيل إلى مصيف «سرى رش»، وهو ضاحية شرق أربيل كان صدام حسين قد شيد لنفسه قصرا ًفيها، يشغله في الوقت الحاضر البارزاني، الذي حوّل الضاحية إلى معقل لقصور مخصصة لعائلته. عثمان قال في المقالة إنه سيأخذ معه إلى خطبة ابنة البارزاني «الجحوش والخونة الذين قاموا بعمليات الأنفال.. لأن مسعود البارزاني يحب أمثال هؤلاء». و«الأنفال» هو الاسم الذي أُطلق على عمليات الإبادة الجماعية التي نفذها نظام صدام حسين العام 1988، وقصف فيها المناطق الكردية بالسلاح الكيماوي على امتداد سبعة أشهر. بعدها بأسبوعين كتب عثمان على الموقع نفسه مقالة ثانية سخر فيها من تهديدات بالقتل وصلته عبر رسائل إلكترونية يتهمه فيها أصحابها بتجاوز «الخط الأحمر»، وتساءل إن كانت «بنت رئيسنا راهبة لا ينبغي لأحد أن يعشقها، أم إنها مقدسة لا بد أن تبقى أيضاً رمزاً وطنياً؟»، مضيفاً إنه في كردستان فإن الشخص يخترق حدود «الأمن القومي» إذا سأل أسئلة من قبيل: «كم مرتب الرئيس الشهري؟»، أو «لماذا أعطيت كل هذه المناصب الحكومية والعسكرية لأبنائك وأحفادك وأقاربك»، أو «من أين أتى أحفادك بهذه الثروة؟». في 21 كانون الثاني/يناير 2010، نشر مقالته الثالثة تحت عنوان «أول أجراس قتلي دقت»، كشف فيها عن تلقيه المزيد من التهديدات، وانتقد السلبية التي قوبلت بها شكاوى تقدم بها إلى مدير الشرطة في مدينته، وعميد الكلية التي يدرس فيها في الجامعة. عثمان الذي أشار في مقالته تلك إلى صديق له تعرض لـ«الضرب والإهانة» وأُجبر على ترك أربيل على خلفية مقالات كان الأخير قد نشرها، أكد أنه شخصياً لن يغادر: «فليحدث ما يحدث، لأنني لن أترك هذه المدينة، وسأجلس في انتظار موتي». في الوقت الذي أشارت فيه تقارير صحفية إلى وصف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لعملية الاغتيال بأنها «شأن كردي داخلي، وهو بالتالي لا يعنينا»، حمّلت منظمة «صحفيون بلا حدود» الكردية، المسؤولية لبارزاني، لأن العملية «وقعت في ظل حكومة يسيطر عليها حزبه»، كما جاء في بيان للمنظمة. لكن كتلة «التغيير»، إحدى كبريات الكتل المعارضة في الإقليم، طالبت باستدعاء وزير الداخلية لاستجوابه في البرلمان، موجِّهةً بشكل صريح، مع تيارات معارضة أخرى، تهمة الضلوع بالاغتيال إلى المؤسسات الأمنية التابعة لحزب بارزاني، مدلّلة على ذلك بـ«السهولة» التي نفّذ فيها الخاطفون عمليتهم، عندما اختطفوه في وضح النهار، وتمكنوا من نقله خارج أربيل، متجاوزين نقاط التفتيش الأمنية المشددة المنتشرة في أرجائها. لكن قائد جهاز المخابرات الكردي مسرور، وهو ابن مسعود البارزاني، نفى الاتهامات، مستدركاً مع ذلك أن عثمان «كان يستحق القتل لنشره مقالات شهّرت بعائلة البارزاني الخالد.. وكما يعلم الجميع فإن الملايين من شعب كردستان مستعدة للتضحية في سبيل سمعة عائلة البارزاني». عثمان الذي قُتل قبل شهر من تخرجه في الجامعة التي ارتدت طالباتها الأسودَ حداداً عليه، يحمل الرقم 248 في قائمة الإعلاميين الذين تقول إحصائيات مرصد الحريات الصحفية العراقي، إنهم قُتلوا منذ سقوط نظام صدام حسين، في وقت ما زال فيه 14 إعلامياً مخطوفاً مجهولي المصير. |
|
|||||||||||||