العدد 12 - من حولنا | ||||||||||||||
يأتي تقرير مركز حماية حرية الصحفيين، الذي حملَ عنوان «حرية الإعلام في الأردن 2009: إلى الخلف در»، ليؤكد تردي واقع الحريات الإعلامية في الأردن، ولكنه يجعل الصحفيين شركاء للحكومة والأجهزة الأمنية في حمْل مسؤولية هذا التردي. التقرير يُضاف في الخلاصات التي انتهى إليها، إلى تقارير أخرى، مثل تقرير منظمة مراسلون بلا حدود الذي صدر العام 2010، ووضعَ الأردن في المرتبة 112 من بين 175 دولة، وتقرير منظمة فريدوم هاوس للسنة نفسها، الذي خفض تصنيف الأردن من بلد «حر جزئياً» إلى بلد «غير حر». صدر التقرير في أيار/مايو 2010، وهو السنوي الثامن للمركز، ويتضمن إلى جانب استطلاع رأي للصحفيين، عرضاً لعدد من الانتهاكات التي تعرض إليها صحفيون خلال العام 2009، كما يشتمل على ثلاث دراسات ناقشت الأولى تأثير شبكات التفاعل الاجتماعي على حرية الإعلام، وتناولت الثانية الإشكالات القانونية الناجمة عن زيادة مساحة الإعلام الإلكتروني، أما الثالثة فكانت الدراسة التي ناقشت التابوهات في الإعلام، وتكمن أهميتها الاستثنائية في أنها المرة الأولى في الأردن التي يتم فيها بشكل بحثي تحليل ظاهرة «الخطوط الحمراء» ودورها المباشر في تردي الحريات الإعلامية. دراسة «التابوهات والخطوط الحمراء في الإعلام الأردني»، أعدها الصحفيان محمد أبو رمان من الغد، ووليد حسني من العرب اليوم، وقد صنّفت الخطوط الحمراء إلى قسمين، «ثابتة» وهي تلك المتعلقة بالدين والجنس والعائلة المالكة والجيش وأسرار الأمن القومي، و»متحركة»، أي أنها مرهونة بطبيعة الظرف السياسي والرأي العام، وهي بهذا المعنى إشكالية لأنها غير محددة، وما يعمق هذه الإشكالية بحسب الدراسة أن اللغة التي تستخدمها التشريعات في وصف المحظورات «فضفاضة»، فلا يمكن على سبيل المثال معرفة المقصود على وجه الدقة من عبارات كـ«المس بهيبة الدولة» أو «إثارة النعرات العنصرية والمذهبية»، أو «منع نقد مجلس النواب والأعيان». وهذا، كما تقول الدراسة، يفقد النص القانوني قيمته، ويجعل تأويله مرتبطاً بـ«قرار السلطة»، فإذا كانت علاقة الحكومة والدوائر الأمنية بالبرلمان متوترة فإنها ستتغاضى عن انتقاده، ولكنها إن كانت جيدة فإنها ستلوّح بالنص القانوني في وجوه المنتقدين. وهذا ما يجعل بالتالي عملية تحديد المحظورات خاضعة إلى «الأعراف والتداخلات والتفاهمات غير المكتوبة» بين المؤسسات الإعلامية وممثلي السلطة أو بينها والرأي العام. ما يعزز الإشكالية أيضاً بحسب الدراسة، أنه في كثير من الأحيان لا تكون مرجعيات القرار واضحة، إذ تتداخل سلطة الحكومة مع نفوذ الديوان الملكي مع الأجهزة الأمنية «وتحديداً المخابرات العامة التي كانت تلعب في العادة دوراً رئيساً في تحريك الإعلام والضغط عليه والتدخل في سقف الحرية، بالاتصالات والرسائل المختلفة التي تمرر لرؤساء التحرير» بحسب التقرير. ما سبق كان عاملاً رئيسيا في تعميق «الرقابة الذاتية» التي اعترف 95.5 في المئة من الصحفيين بأنهم يمارسونها على أنفسهم بشكل استباقي، إلى درجة أن كثيراً منهم كما يقول رئيس تحرير الدستور محمد حسن التل في شهادته التي قدمها في الدراسة، يمارسون عملهم «تحت الخطوط الحمراء وبمسافة كبيرة». لكن الدراسة لا تحمّل الحكومة والأجهزة الأمنية وحدها المسؤولية، وهي في الحقيقة تشير إلى تراجع تدخلات الأجهزة الأمنية العام 2009، إلى 20 في المئة مقارنة بـ31 في المئة العام 2008، وهو أمر يقول رئيس مركز حماية حرية الصحفيين نضال منصور في مقدمة التقرير إنه «لم يحسّن من الأداء المهني، الأمر الذي يدعو لدراسة العوامل الرئيسية الضاغطة لحرية الصحافة». تقدّم شهادات إعلاميين أردنيين تشخيصاً لبعض العوامل المسهمة في تدني الأداء الإعلامي، قد يقع على رأسها ما يسمى «الاحتواء الناعم»، أي سياسة العطايا والهبات، التي يشير رئيس تحرير جوردان تايمز سمير برهوم إلى أنها لا تقتصر على الحكومة ومسؤوليها فقط، بل يمارسها القطاع الخاص، إلى درجة أن «مؤسسات وشركات في القطاع الخاص تمنح صحفيين رواتب ومكافآت مالية دائمة ومنتظمة». كلام برهوم تؤكده نتائج دراسة لمركز القدس للدراسات السياسية صدرت في شباط/فبراير 2009، أكدت أن 67 في المئة من الصحفيين تعرضوا إلى الاحتواء الناعم من خلال منحهم امتيازات أو إعفاءات أو تلقيهم هدايا من مسؤولين «بهدف التغطية على عيوبهم وهفواتهم، أو بهدف تجميلهم وترويجهم». تدني المستوى المهني عامل آخر، فـ«عدم الكفاءة في اقتحام المواضيع والقضايا الصحفية الجادة» يتم تبريره كما يقول جهاد المومني في أحيان كثيرة بأنه التزام بخطوط حمراء. في حين يشير عريب الرنتاوي إلى «الحسابات الشخصية» للقائمين على الصحف عندما تجعل الطموحات الشخصية أو العائلية القائم على الصحيفة «مستنفراً كل الرقابات الممكنة لكي لا تتسبب مقالة هنا، أو تقرير هناك في إضاعة فرصة». إحدى التوصيات التي أقرتها الدراسة ضروة إجراء دراسة مستقلة تقيس مدى دعم المجتمع الأردني لحرية الصحافة، المجتمع الذي بدا في شهادات الإعلاميين أحد العوامل الأساسية في تنامي ظاهرة الرقابة الذاتية، فالمجتمع كما يقول بسام بدارين «غير داعم لحرية الصحافة... وتبدو المحاكم التي يقيمها بعض النشطاء في المجتمع والأحكام التي يطلقونها أشبه ما تكون بمحاكم التفتيش، وأكثر قسوة من المحاكم النظامية». |
|
|||||||||||||