العدد 12 - عين ثالثة
 

ترك موت فرد هوليدي Fred Halliday يوم السادس والعشرين من نيسان/إبريل، بسبب مضاعفات السرطان، فراغاً هائلاً لدى أولئك الذين عرفوه منّا وعملوا معه. فقد كان فريد مفكراً جماهيرياً بارزاً طوال السنوات الأربعين الماضية، ولم يكن له نظير في جمعه بين المعرفة العظيمة بالمجتمعات الرئيسية في الشرق الأوسط وبين الفهم الواثق للديناميات السياسية الدولية والإقليمية.

كان فرد ملتزماً بالأممية في مواقفه السياسية، ومستعداً دائماً للانخراط في تحدي أطروحات الكتّاب الآخرين عبر الطيف السياسي بكامله. وكان منهجه يتأسس على الماركسية. وهو منهج كما كتب فرد: «ليس مجرد مجموعة من الإجابات بقدر ما هو إطار عمل يمكن ضمنه فحص المجتمعات الشرق أوسطية والسياسات الدولية».

ترعرع فرد في بلدة إيرلندية في منطقة دوندالك، إلى الجنوب من حدود جمهورية إيرلندا مع إيرلندا الشمالية. وقال عن ذلك مؤخراً: «إنني أدين بالكثير مما أشعر به إزاء العلاقات الدولية لكوني كنت قد وُلدت وترعرعت في إيرلندا، بخاصة نزعة الشك التي تولدت لدي إزاء القوميين، ورجال الدين، وتجار الهوية».

وفي كتابه الإسلام وأسطورة المواجهة Islam and the Myth of Confrontation، 1995، علق فرد بإسهاب على الكيفية التي يمكن بها للتاريخ الإيرلندي، أو ينبغي له، أن يتطابق بها مع أزمة الشرق الأوسط: «وتتضمن هذه التطابقات الدور الهدام والبنيوي للهيمنة والاستيطان الأجنبيين؛ وأوهام القومية وأخيلتها، وقسمة الولاءات السياسية القائمة على الدين؛ وتآكل أسطورة الخلاص من خلال الكفاح العسكري وحده... والمعضلات والآلام المتصلة بقضايا الانفصال والوحدة الوطنية».

جمعَ فرد بين معرفته بالعربية والفارسية إلى جانب معظم اللغات الأوروبية الرئيسية، والروسية، وبين المعرفة العميقة بالديناميات السياسية للعديد من المجتمعات، بخاصة في إيران واليمن. وكان قد زار إيران للمرة الأولى عندما كان طالباً في الدراسات الدنيا بجامعة أكسفورد أواسط الستينيات، وزار اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، والحركة الماركسية المسلّحة التي كانت تحارب من أجل تحرير ظفار، المحافظة الواقعة في أقصى غرب عُمان، في العامين 1970 و1973.

كانت اليمن هي نقطة الأصل في بداية صداقتي مع فرد. ففي أواخر العام 1972، كان يعكف على استكمال كتابه الأول الجزيرة العربية من دون سلاطين Arabia without Sultans ، وكنت عاكفاً بدوري على كتابة نتائج أشهر أمضيتها وأنا أتنقل في اليمن الجنوبي، أو جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية. وكان ثمة منظور ماركسي يشكل أيضاً طبيعة الإطار المرجعي الذي وجّه المشروع الذي ساعدت في إطلاقه في بواكير السبعينيات، «مشروع أبحاث ومعلومات الشرق الأوسط» MERIP، والمجلة التي يصدرها المشروع تحت عنوان تقرير الشرق الأوسط Middle East Report.

كانت هذه هي الأسس التي قام عليها رباط وثيق دامَ لأكثر من ثلاثة عقود. وطوال فترة شهدت إصدار ما يقارب 100 عدد من مجلة تقرير الشرق الأوسط، كان اسم فرد يظهر في أكثر من عدد من كل ثلاثة إصدارات، كما قدم لنا العديد من المؤلفين الآخرين الذين أسهموا في الكتابة على صفحاتها. وقد تراوحت إسهاماته الخاصة ما بين المراجعات التي تسلط الانتباه على الكتب الجديدة الجديرة بالانتباه: العربية، والألمانية، والإيطالية، وبين مقالات شاملة تقدم الفكرة العامة التي يكون قد ساعد على وضعها لأحد الإصدارات، ومنها مقالات مثل «الخليج ما بين ثورتين»، وبالتحديد، بين إسقاط العراق لنظام الملَكية 1958 والثورة الإيرانية 1978-1979.

في كتابه الجزيرة العربية من دون سلاطين الذي نُشر العام 1974، تحدّى فرد المعتقدات السائدة عن الخصوصيات المزعومة والتقاليد التي تبرر وجود الملَكيات الاستبدادية العربية. وعلى أن السلاطين ووَرثَتَهم ما زالوا بيننا، إلا أن انتباه الكتاب الوثيق إلى الديناميات السياسية في اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وخبرة الكاتب مع الثوريين الظفاريين، تجعلان الكتاب جديراً بالقراءة مع ذلك.

ظهر كتاب إيران: الدكتاتورية والتنمية Iran: Dictatorship and Development في العام 1978، عشية سقوط نظام الشاه، وحلل بطريقة شمولية طبيعة القوى المادية والاجتماعية، الإيرانية والدولية، التي أنتجت الثورة. ولم يتوقع فرد حينذاك ثقل المكون الديني للثورة، ومَن توقع ذلك؟ لكنه بحث في الأشهر والسنوات التي تلت في ما تكشفت عنه الثورة، بما في ذلك مكونها الإسلامي، سواء في مجلة تقرير الشرق الأوسط أو في أماكن أخرى.

أوجدت حرب الخليج 1990-1991 بعض المسافة السياسية بين فرد وبين «مشروع أبحاث ومعلومات الشرق الأوسط». فقد عارضنا الغزو العراقي ومحاولة ضم الكويت، ولم نتقاسم مع فرد دعمه لتدخل عسكري تقوده الولايات المتحدة من أجل طرد القوات العراقية. لكن تلك المسافة لم تتحول أبداً إلى شقاق.

في مقابلة أجريت معه قبل سنوات، تحدث فرد عن «مهنة المفكر الأممي» بوصفها تعمل «بالإضافة إلى دعم حقوق الإنسان في دول الشرق الأوسط، على محاولة إثارة وتعزيز حوار متنور يمكن له أن يغذي النقاش العام والتثقيف». ولا أستطيع أن أفكر بالنسبة لفرد بتكريم أرفع من ذاك الذي كان قد خص به مفكراً أممياً آخر، ماكسيم رودنسون Maxime Rodinson، الذي أشار إليه على أنه «المرشد الأعلى» بالنسبة إليه: «رجل يتمتع بأعلى المعايير الفكرية، وأدق الرؤى التحليلية، والاستجابات الأخلاقية الثابتة والمحسوبة».

فْرِدْ هوليدي: تقديراً
 
01-Jun-2010
 
العدد 12