خلال أقل من خمس سنوات من تأسيسه مسرح البلد، أرسى المخرج رائد عصفور حالة ثقافية استثنائية من خلال قيادته 30 متطوعاً شاباً، ومن خلال استضافته الدورية للعديد من الفعاليات الفنية والثقافية المحلية والعالمية، وهي فعاليات اشتملت على مهرجانات موسيقية وسينمائية وعروض حكواتية ومسرحية، كما أنتج المسرح أعمالاً فنية وراقصة بالتعاون مع مؤسسات إقليمية ودولية، من مثل مسرحية «ثمن بنات».

الحيوية التي تميز بها مسرح البلد لم تنفصل عن الفكرة الأساس التي رافقت المشروع منذ بداياته، إذ ارتأى عصفور أن يقيم مشروعه في سينما فرساي، إحدى الشواهد الثقافية على تاريخ مدينة عمان، في مساهمة منه لإعادة تشكيل النسيج الثقافي، ولإنتاج أنشطة ثقافية وفنية في وسط البلد الذي تعوزه مراكز تعنى بالتنمية الثقافية والمجتمعية.

ويعدّ توقيع الشاعر الراحل محمود درويش، في الأعوام الثلاثة الأخيرة من حياته، إصداراته في مسرح البلد حصرياً، من خلال جهد مثابر لعصفور وزوجته نسرين حليلة، وبالاستفادة من العلاقة الشخصية التي كانت تجمعهما بدرويش، إنجازاً غير مسبوق للفضاء الإبداعي الذي يسعى مسرح البلد لأن يكونه.

وفي سياق الفضاء المفتوح للإبداع، يسعى عصفور المولود العام 1967 في عمّان لأب جاء من قرية سلمة قرب مدينة يافا الفلسطينية المحتلة، وبالتعاون مع فريقه التطوعي، إلى ترويج المبدعين الأردنيين والفلسطينيين والعرب الشبان، من خلال عرض أعمالهم وتوفير المنصة الحيوية لهم، في إطار تفاعل جمهور نوعي مع تلك المنصة وهذه الإبداعات.

عمل عصفور، الذي درس المسرح في جامعة اليرموك وعمل مخرجاً تلفزيونياً وسينوغرافياً للعديد من المسرحيات، على استضافة فعاليات من بينها: مسرحية «بوابة فاطمة» للمخرج اللبناني روجيه عساف، كما استضاف المغنية اللبنانية أميمة الخليل، والموسيقي الأردني طارق الناصر، والموسيقى السوري كنان العظمة، والفنانة السورية لينا شماميان، وفرقة دام، إضافة إلى عروض أفلام حققت نجاحاً في المنطقة، مثل فيلم الفلسطينية آنا ماري جاسر «ملح هذا البحر».

وجرت استضافة أوركسترا شباب فلسطين في الذكرى الأولى لرحيل درويش، وقُدم على خشبة مسرح البلد عرض فلسطيني أردني هولندي مشترك عن الهوية الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين. كما أن مهرجان حكايا أقيم للعام الثالث على التوالي هناك، في المسرح المطل على قاع المدينة.

يشغل عصفور، كذلك، منصب المدير التنفيذي للمركز العربي للتدريب المسرحي الذي يقيم ورش عمل تدريبية للفنانين المسرحيين الشبان من خلال المركز العربي للتدريب المسرحي.

الحراك الذي يؤسس له عصفور، ويسعى إلى تكريسه، هناك قريباً من قاع المدينة، يشكل إضافة نوعية لهواجس إيجاد تفاعل بين الأمكنة وساكنيها، بين المدينة وأبنائها، بين المتن والهامش.