العدد 12 - الملف
 

من حلحول الخليل، قدمَ، ذات موعد مع المنفى، الفنانان الشقيقان نادر ونادرة عمران. وفي عمّان تبيّن لهما أن الفضاء المفتوح لأشقاء الوجد والمصير الواحد ليس منفى، وأن الإقامة في عاصمة الروح المطلة على فلسطين ليست إقامة عابرة لا انصهارَ فيها ولا تمازجَ عظيماً.

عمّان صارت فلسطينهما، التي تجلت فيها إبداعاتهما، ومنذ مطالع ثمانينيات القرن الماضي، وهما، بخاصة نادر الذي انطلقت مسيرته الفنية قبيل شقيقته بقليل، ينتقلان من إنجاز إلى آخر.

نادر الذي كان من أوائل من التقط أهمية تجربة مسرح الفوانيس، والتحق بهم مبكراً، فلم يسبقه عامر ماضي وخالد الطريفي وآخرون قليلون سوى بعمل وربما ببعض الاجتماعات والتوجهات، قبل أن يصبح فانوساً رئيسياً، يصوغ أفكار المسرحيات ونصوصها ليخرجها الطريفي، ويسهم فيها نادر في الجانب التقني مثل الإضاءة والديكور .

وعندما انفضّت شراكة الطريفي مع «الفوانيس»، صار نادر هو الكاتب والمخرج لكثير من مسرحيات الفرقة التي حققت تجربة فذة وغير مسبوقة على صعيد المسرح المستقل.

وظلت فلسطين الفكرة والذاكرة والجذور، حاضرة في كثير من أعمال نادر، وربما شكّلت مسرحية «جسر العودة» التي جاءت في خضم التفاعل مع انتفاضة الأقصى، تتويجاً لفلسطينية نادر، ولمواقفه السياسية التي لم تبتعد ولا مرة عن فلسطين، وإن حملت في كثير من تمثلاتها احتجاجاً على السياسات المهزوزة والخيارات المعدومة.

ومن عمّان، حيث صار المقام هوية وأحلاماً وتطلعات، تبنى نادر مع فوانيسه، منذ العام 1994، فكرة «أيام عمان المسرحية»، المهرجان المسرحي المستقل الذي ما لبث أن أصبح عالمياً بعد انطلاقة محلية عربية صاخبة.

وفي عمّان كبر أولاد نادر، وكبرت عائلته، وصارت مؤسسات الأردن الرسمية والخاصة سنَدَهُ في مشروعه الذي يخاطب الناس فيه في جهات العالم الأربع كفنان أردني غير معني بتقسيمات تحمل، غالباً، أهدافاً غير بريئة، وأجندة غير وطنية ولا قومية.

أما الشقيقة نادرة، التي قدمت أنموذجاً فذاً في التمثيل، بخاصة في شقه التلفزيوني، فقد أحبّت هي الأخرى عمّان، وأبدعت في أداء الأدوار الشعبية الريفية المقتربة كثيراً من لهجة قريتها في فلسطين. وبلغ التألق ذروته في دورها في مسلسل «الاجتياح»، الذي حلّق في مجد العالمية بنيله جائزة الإيمي كأفضل مسلسل على مستوى العالم بعد تنافسه مع مسلسلات من أربع جهات الأرض.

فقد أدت نادرة دور أم المناضل الفلسطيني الصابرة القابضة على جمر الرضا والإيمان بشرعية الحق، ومشروعية المقاومة من أجل تخليص هذا الحق من براثن الاحتلال. وكانت، رغم حظها القليل من التعليم وهضم لغة العصر، الأم والزوجة الفلسطينية الأنموذج، حاضنة آلام الجميع، وتمايزاتهم، وسعيهم الحثيث لتحقيق ذواتهم.

نالت نادرة تقدير أفضل ممثلة في مهرجان بغداد المسرحي العام 1990 عن دور «الليدي مكبث»، وجائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الأردني 2000 عن دور «بنيلوبا» في مسرحية «الخيط».

نادر ونادرة عمران، هما في مهمّة إبداعية نبيلة طويلة الأمد، لن تكون حلحول بعيدة عن مفاصلها وتعاريجها وهمسات أشواقها، ولا عمّان كذلك.

نادر ونادرة عمران: عمّان موئل الأحلام بعد حلحول
 
01-Jun-2010
 
العدد 12