العدد 12 - الملف | ||||||||||||||
جاء تكريم عائلة المعماري الأردني راسم بدران في ألمانيا، ضمن معرض نظمته وزارة الخارجية الألمانية هناك 2005، تعبيراً عن تقدير عميق لمجهود هندسي معماري امتد أربعة عقود، وُصف بأنه «أعاد الفهم لثقافات التجمعات البشرية المختلفة، عبر مظاهر إبداعية فردية مبعثرة أعادت الروح لحضارات عديدة توارت بين الجدران» بحسب البروفسور الأميركي جيمس ستيل. راسم بدران، المولود في القدس العام 1945 لعائلة معمارية بالفطرة، استطاع أن يجمع أنظار العالم إليه في محافل عدة، تُوّجت بنيله جائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية 1995، عن تنفيذه عطاء أسواق «قصر الحكم» وسط مدينة الرياض السعودية. بدأت مسيرته المعمارية منذ الطفولة، حين كان يلعب ويطور مُحترفات الأب جمال، الذي يعدّ أحد رواد الحركة الفنية في فلسطين. بعد ولادته بثلاثة أعوام ودع بدران القدس إثر النكبة، فهاجر برفقة عائلته إلى دمشق، ومنها عاد إلى رام الله العام 1962 لإكمال دراسته الثانوية. في العام 1968 توجّه إلى ألمانيا لدراسة فن العمارة بعد معاندة الحظ له في دراسة هندسة الطيران بمصر، وفي ألمانيا بدأت أعماله تنضج لدى انخراطه في مجتمع شهد ثورة طلابية وسط أوروبا أواخر الستينيات. بعد إنجازه مشاريع وتصميمات عمرانية مميزة في ألمانيا، كتصميم بعض العناصر المكونة للمنشآت الرياضية في المدينة الأولمبية في ميونخ، وفوزه بتصميم تجمعات سكنية لذوي الاحتياجات الخاصة في بون، العاصمة آنذاك، عصف الحنين ببدران للعودة إلى رام الله العام 1972، ومنها جاء إلى عمان العام 1973. في عمّان بدأ موعداً جديداً مع الفن والإبداع، فعمل على توظيف الذاكرة الفلسطينية في تصاميم البيوت العّمانية بطلب من أصحابها الذين قَدِموا من فلسطين، أملاً في استعادة جزء من تراثهم العمراني الذي أُجبروا على تركه. بدران يقف وراء العديد من التصاميم الرفيعة في المنطقة، كجامعة الدولة في بغداد التي نال على إثرها الجائزة العالمية التي رُصدت لتصميمها العام 1982، والمتحف الوطني السعودي، ومتحف الفن الإسلامي في قطر، وحي جبل الشامية في مكة. وقام برفقة نخبة من المعماريين العرب منهم المصري عبد الحليم إبراهيم، بتطوير ضريح الإمام البخاري بسمرقند، وتخطيط الجامعة الإسلامية بكوالالمبور. على المستوى المحلي، صمم بدران متحف عمّان العام 1991، ومبنى أمانة عمّان الكبرى الجديد برفقة المعماري جعفر طوقان، كما صمم واجهة البنك المركزي في وسط البلد. وتقديراً لجهوده ومساهماته المعمارية العالمية، قام جيمس ستيل العام 2006، بتأليف كتاب خاص عن منجزات بدران أسماه عمـارة راسـم بـدران - روائية المكان والإنسان، عرض فيه خصائص تصاميمه المعمارية التي تعكس واقع الحضارة العربية الإسلامية المعاصر، من خلال المفهوم العمراني المرتبط بالأبعاد الاجتماعية والبيئية والثقافية ذات العلاقة الجدلية بين الإنسان والمكان والزمان. المعرض الذي نظمته وزارة الخارجية الألمانية 2005، يروي سيرة العائلة ومنجزاتها: جمال المعماري الأب، راسم المهندس العالمي، سميرة الشقيقة التشكيلية، جمال الابن، وعلا الابنة المسرحية. وليس أقل من ذلك، كانت الزوجة وشريكة العمر حِذام قدورة، تصنع نجومية أدبية لتشكل مع عائلتها لوحة إبداعية اندغم فيها الروح والجسد في أنطولوجيا عمّان، الكتاب الذي وضعته بالمشاركة مع الكاتبة سهام ملكاوي. وصفت قدورة وملكاوي أدق التفاصيل العّمانية، تتبّعتا جذور المدينة العربية المعاصرة برؤية تجهد في جعل التناول الفلسفي قريباً سلساً متناغماً مع الحراك اليومي، مدعماً بصور تعكس تاريخ المدينة والوجود الإنساني فيها. عائلة بدران قدمت الكثير لوطنها، وما زالت تنظر لعمّان والقدس وبغداد والإسكندرية مدناً عربية يصعب التفريق بين أبنائها وإن فرّقتها الحدود. |
|
|||||||||||||