العدد 12 - الملف
 

من نافذة مكتبه يطل على جسر عبدون وواديها. يتبسم بإشراق وهو يهمس بدفء: «هذا هو نهري الذي أطلّ عليه وأرى عمان».

إنه إيليا نقل؛ ابن «الرملة» الذي شدّته الرغبة في مواصلة الدراسة كثيراً، فغادر بلدته متوجهاً إلى بيروت، وحين اكتشف سرابية الحلم، أراد العودة إلى وطنه، لكنه تيقن أن النكبة حلّت، وأن الوطن تبدلّت فيه وجوه بأخرى، ودخل في معجمه مصطلح «محتلّون».

في العام 1948، استكان إيليا إلى صدر عمّان. كانت الأسرة سبقته باللجوء إلى السلط بعد أن هُجّرت من الرملة، لتتخذ بعدها من منطقة المحطة سكنى لها.

اتخذه قراره بالإقامة في عمّان، المدينة التي بدأ منها الحلم، وتحقق فيها. إذ أسس إيليا شركة نقل أخوان في مطلع كانون الثاني/يناير 1952 كشركة لتجارة المواد الغذائية واستيرادها. وبعد ست سنوات على تأسيس الشركة، تبلورت فكرة التوسع لدى مؤسسها، وهكذا نشأت شركة فاين لصناعة الورق الصحي العام 1958.

انطلق نقل إلى بيروت، ليفتتح مصنعه الأول في الخارج مطلع السبعينيات، ثم توجّه إلى دول شمال إفريقيا، متدرجاً في الصعود بعالم التجارة والصناعة. وعاماً تلو آخر، نما المشروع وكبر، وانضم للعمل فيه آلاف الأردنيين، وأصبحت منتجات «نقل إخوان»، إذ شاركَ إيليا في مشروعه أشقاؤه وعائلته، رقماً حيوياً في حركة الصناعة والتجارة المحلية، وفي امتدادها العربي والعالمي، كما غدت علامة تجارية رائدة إقليمياً لمنتجات الورق الصحي. 

وتتصدر مجموعة نقل، قطاعات الإنشاءات والقرطاسية والطباعة والتغليف والصناعات التحويلية وصناعة الورق والسيارات، واستثمارات أخرى.

المسؤولية الاجتماعية لمجموعة «نقل» تمثل محور اهتمامها، وأحد المجالات التي تضعها ضمن سلّم أولوياتها؛ لتغدو مثالاً يحتذى به. فهي تسعى لدعم المجتمع وتطويره، وإيجاد تغيير إيجابي مستدام وطويل الأمد فيه، من خلال التركيز على توجيه المشاريع الصغيرة ودعمها وإنشاء فرص عمل جديدة.

ولتحقيق أكبر قدر من الفائدة، وحّدت مجموعة نقل جهودها في منطقة واحدة، بدلاً من تقديم حلول لمشاكل بسيطة ومتناثرة في أرجاء البلاد. ووقع الاختيار على منطقة الكورة، بوصفها إحدى جيوب الفقر في الأردن. إذ أعدّت خطة لتحليل أبرز احتياجات المنطقة، وجرى افتتاح مكتبة عامة في لواء الكورة 2008، لتعزيز مساهمات المجتمع في مجال محو أمية الأطفال وعائلاتهم، وتطوير المعارف والأنشطة.

كما أن نحو 300 شاب وشابة من أبناء المنطقة استفادوا من برامج تدريبية أعدتها لهم المجموعة. والآن ينال عشرات الطلبة الأردنيين غير المقتدرين منحاً دراسية سنوية من مؤسسة «نقل» الخيرية.

تقف مجموعة نقل على محطة أخرى من الإنجاز في تنمية المجتمعات المحلية، وتمكين الشباب من اكتساب المهارات التي تمكّنهم من مواصلة طريق الإبداع؛ بعد أن أسس رئيسها جمعية الثقافة والتعليم الأرثوذكسية، وأطلق مشاريع تعليم غير ربحية، أرست لرؤية أكثر عمقاً للعمل الخيري، ودعم مشاريع عمل إنسانية في الأردن، مثل تكية أم علي، ومشروع التغذية المدرسية.

واحتفالاً بمرور 50 عاماً على تأسيس المجموعة، أنعم الملك عبد الله الثاني على المجموعة بوسام الحسين للتميز. كما نالت مجموعة نقل جوائز وأوسمة محلية وعربية وعالمية في مجالات قوة العلامات التجارية، بخاصة أنها تحتل المرتبة السابعة على مستوى العالم في ذلك، والأولى في الأردن.

واليوم، تحتضن المجموعة 31 شركة إقليمية وعالمية يعمل فيها زهاء 3000 موظف في الأردن وأكثر من 5500 موظف في أرجاء العالم. وتصدّر منتجاتها لأكثر من 45 دولة في جميع أنحاء العالم.

اليوم، يجد إيليا نقل نفسه راضياً تماماً عما أنجزه، وهو لا ينسى أبداً «فضل الوطن» عليه، ويؤكد أن رؤيته للاستثمار تنبع من المصلحة العليا. يقول: «أيُّ استثمار لا يحمل قيمة مضافة للأردن يجب عدم الترحيب به».

وحين ينظر إلى الوراء، يشعر بالرضا الكامل عن النفس، فمصانعه تنتشر في معظم البلاد العربية، مستفيداً منها أكثر من 6 آلاف إنسان، ومنتجاته تصل إلى كثير من الدول في أنحاء العالم، أما مجموع الإيرادات فيزيد على 600 مليون دولار سنوياً.

نُقل: من الرملة إلى صدر عمان - رحلة الإنجاز
 
01-Jun-2010
 
العدد 12