العدد 12 - الملف | ||||||||||||||
صدر في مطلع أيار/مايو 2010، بيان مذيل بتوقيع «اللجنة الوطنية للمتقاعدين العسكريين الأردنيين»، وبدا للوهلة الأولى في ضوء بيانات بثتها وكالات أنباء أجنبية أن البيان صادر عن مؤسسة المتقاعدين العسكريين، ما حدا بالمؤسسة أن تصدر بياناً تنفي فيه صلتها بالبيان جملة وتفصيلاً. وبحسب مواقع إلكترونية، فإن البيان صدر عن اجتماع عقد في الموقّر حضره 60 من كبار المتقاعدين العسكريين برئاسة علي الحباشنة. البيان رغم أنه صيغ بذكاء، إلا أنه لم ينجح في التمويه على أهدافه الحقيقية. فقد أشار إلى جملة مسائل تتقاطع مع هموم قطاعات واسعة من الشعب الأردني مثل الحديث عن المشروع الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية، ونقد سياسات الخصخصة وآلية تشكيل الحكومات، والدعوة إلى شن حملة شاملة لمكافحة الفساد ومصادرة ثروات الفاسدين، وفرض نظام ضريبي تصاعدي، وإطلاق حرية التنظيم والنشاط السياسي والإعلامي، ووضع سياسة دفاعية تركز على الحرب الشعبية والتسلح بمنظومة صواريخ فعالة ولا سيما الصواريخ بعيدة المدى. وظيفة البيان لا علاقة له بالهموم الحياتية للمواطنين التي جاء البيان على ذكرها، بل وظيفته هي استنفار «العصبية» الشرق أردنية ضد فلسطينيي الأردن على ثلاثة مستويات. فهو يبدأ متسلّحاً بالدستور ليقول إن الدستور «لا يمنح أية سلطات إلا لجلالة الملك من دون شراكة أحد بصرف النظر عن صلة القرابة أو اللقب». ثم يقفز البيان، متناسياً الدستور هذه المرة، إلى استهداف رؤساء السلطات الثلاث، وما يسميه أيضاً «تولية القيادات والمواقع الحساسة في الدولة الأردنية لغير مستحقيها»، متهماً السياسات الحكومية بأنها شرعت في «اعتماد نظام المحاصصة المتجه نحو الوطن البديل في المستويات السياسية والإدارية والسيادية». ويواصل البيان تجاهله للدستور حين يذكّر بقرار فك الارتباط العام 1988، فيرى أنه أنهى وضع والتزامات الوحدة مع الضفة الغربية قانونياً وإدارياً وسياسياً، ويطالب بدسترته. وينتقل البيان إثر ذلك إلى إصدار «فرماناته» بشأن الوضع القانوني لما أسماه «الأخوة الفلسطينيين في الأردن»، فيقسمهم إلى قسمين؛ قسم غير قادر على العودة الفعلية أو السياسية، فيعترف لهم بحق أن يكونوا أردنيين إلى أن يتم تنفيذ القرار الدولي 194 القاضي بعودتهم إلى ديارهم؛ وقسم غير قادر على العودة الفعلية والسياسية، فيدعو إلى منح هذا القسم الجنسية الفلسطينية أو وثائق سفر فلسطينية. هذا البيان خطير بكل المقاييس، فهو كمَن يسكب بنزيناً على النار بحجة إطفائها. والذهنية التي حكمت صياغة هذا البيان ذهنية انقلابية تذكرنا بانقلابات العسكريين في الخمسينيات، ولذلك اختير لهذا الموضوع عنوان «البيان رقم 1»، كما كان دارجاً آنذاك. كما يشبه هذا البيان إلى حد بعيد البيانات التي يصدرها اليمين المتطرف الأوروبي الذي يتخذ من التحريض ضد الجاليات العربية والمسلمة أساساً لبرنامجه السياسي والانتخابي. أهم الردود الوطنية العامة على بيان المتقاعدين، مثّله البيان الذي أصدره رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، الذي تنادت آلاف الشخصيات العامة لتوقيعه. وتكمن أهمية بيان عبيدات في مسألتين؛ الأولى هي إعلان موقف سريع مفاده أن بيان المتقاعدين يمثل أصحابه فقط، وأن الممثلين المحترمين للمجتمع لن يتركوا البلاد مسرحاً لأصحاب الأجندات العابثة بوحدة البلاد الوطنية وبأمنها واستقرارها. أما المسألة الأخرى، فهي أن بيان عبيدات لم يشغل نفسه بمناقشة بيان المتقاعدين، بل ذكّر بما شكل أبلغ ردٍّ عليهم، بما جاء في الفصل السابع من «الميثاق الوطني الأردني» كأحد ثوابت الدولة الأردنية ومرجعياتها، والذي صاغته لجنة ملَكية من 60 عضواً، وصدر أواسط العام 1991 بعد مباركته في مؤتمر وطني حاشد شارك فيه ممثلو سلطات الدولة الثلات، ورؤساء البلديات وسائر الهيئات الوطنية المنتخبة. الميثاق الوطني عدّ «الهوية العربية الفلسطينية هوية نضالية سياسية، وأنها ليست في حالة تناقض مع الهوية العربية الأردنية ويجب أن لا تكون»، من منطلق أن التناقض هو فقط مع المشروع الصهيوني الاستعماري. وأكد الميثاق أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تفهم العلاقة الأردنية - الفلسطينية أو أن تُستغل من أي طرف وتحت أي ظرف، «لتصبح مدخلاً للانتقاص من حقوق المواطنة وواجباتها، أو سببًا لإضعاف الدولة الأردنية من الداخل وخلق الظروف التي تؤدي إلى تمرير المشروع الصهيوني لتحويل الأردن إلى بديل عن فلسطين». ودعا الميثاق إلى إدراك أن الوحدة الوطنية الأردنية هي القاعدة الصلبة التي تقوم عليها العلاقة الوثيقة بين جميع المواطنين في الدولة الأردنية، وأن استحالة الفصل على أرض الواقع بين المواطنين من أبناء الشعب العربي الأردني على اختلاف أصولهم «يستلزم حماية هذه الوحدة وترسيخها، بما يعزز منعة الأردن، ويحفظ أمنه الوطني والقومي، ويحمي جبهته الداخلية، ويضمن الفرص المتكافئة لجميع المواطنين دون تمييز، ويصون مصالحهم المشروعة وحقوقهم التي كفلها الدستور». كما أصدر الحزب الشيوعي الأردني بياناً متميزاً يرد فيه على بيان المتقاعدين. بيان الشيوعيين، لجأ في مطلعه إلى «المجاملة» مع العناصر «الإيجابية» التي وردت في بيان المتقاعدين، غير أنه عبّر عن موقف وطني مسؤول في مناقشة بقية النقاط. فقد أشار البيان إلى أن إنقاذ بلدنا من مخططات الأعداء الصهاينة وحماتهم الإمبرياليين «لن يتحقق بإسقاط الجنسية الأردنية عن مواطنين أردنيين وحرمانهم من حقوق وامتيازات المواطنة التي اكتسبوها ومارسوها سنوات طويلة قبل صدور قرار فك الارتباط». وشدد على أن فكرة سحب الجنسية «تستثير الضغائن والنعرات الإقليمية البغيضة»، لافتاً إلى أن عناصر القوة لا تقترن فقط بالقدرات التسليحية، بل أيضاً بالسهر على «تقوية الجبهة الداخلية وتمتين تلاحمها». ودعا الشيوعيون إلى ضمان حق المواطنين كافة دون تمييز على أساس الجنس أو الانتماء الإقليمي أو الطائفي أو الجهوي «في شغل الوظيفة العامة على قاعدة تكافؤ الفرص وبالاستناد إلى معايير الكفاءة والنزاهة وإلى تعديل تشكيل الحكومات باعتماد المعايير نفسها». |
|
|||||||||||||