العدد 12 - الملف
 

رغم أن بلاد الشام دفعت ثمناً باهضاً للمؤامرات الاستعمارية التي جسدتها اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، نشأ الأردن كوريث للثورة العربية الكبرى، وحمل جيشه شعار «الجيش العربي»، وكان أول بلد عربي ينجز وحدة حقيقية مع شقيقه الفلسطيني، حتى إن شعار «شعب واحد لا شعبين» كان أحد أبرز شعارات جماهير الضفتين في الخمسينيات وشطر من الستينيات.

احتلال إسرائيل للضفة الغربية العام 1967 وما تلاه من تطورات على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، فرض على الأردن العام 1988 معادلة فك ارتباط «مؤقت ولو إلى حين».

غير أننا نشهد في السنوات الأخيرة، ترجمات تتجاوز الحدود التي رسمها الراحل الملك الحسين في خطاب فك الارتباط. وهناك دعوات لـ«دسترة فك الارتباط»، لا تراعي أصلاً أن هذا القرار سياسيٌّ فرضته الظروف الإقليمية، لكن لا سند دستورياً له.

احتدامُ الصراع على مستوى الإقليم، وانسداد آفاق العملية السلمية، واستشراء مظاهر التطرف الإسرائيلي، يتطلب تعميق الوحدة الوطنية، وتعزيز الصمود الوطني، ودعم نضال الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، لكن بيننا من يرى واجباتنا الوطنية بالانكفاء على الذات، والانفكاك من تبعات الوحدة المصيرية بين الأردن وفلسطين.

ولأننا نؤمن بدور الأردن العروبي، ونعتز بكل مظاهر التعدد التي يمثلها، ونتمسك بالمواطنة ناظماً لعلاقات المواطنين بالدولة، فكرنا بإعداد هذا الملف «الوجداني» الذي يضيء جوانب من وحدة الأردنيين والفلسطينيين، ويقدم شخصيات فلسطينية أو ذات جذور فلسطينية لإبراز مظاهر من الانتماء الأصيل للأردن عنوانها الإخلاص في العمل والتميز.

فقد استخلصنا أنه تجب العودة إلى البدايات لنعيد الحوار إلى منطلقاته العروبية الوحدوية الحداثوية التي تدفع المجتمع باتجاه التلاحم والتكامل لتحقيق المنفعة العامة، وتحسين نوعية الحياة للناس، والابتعاد كلياً عن أطروحات سياسية تعيد البلاد إلى الوراء من خلال افتعال التوترات الداخلية والهجرة إلى الهويات الفرعية وما يمكن أن تجره من ويلات.

تم انتقاء الشخصيات التي يتحدث عنها الملف، بطريقة عشوائية، كخلاصة لحوارات مطولة أجراها فريق ے على مدى أيام. ولم تخضع الخيارات لأيّ مسطرة، كما لم تشكل جردة بالمعنى البحثي للكلمة. إنما هي خيارات عشوائية جرى التركيز فيها على الشخصيات الحيّة والمؤسسات الفاعلة.

في التعريف بهذه الشخصيات أو التذكير بها، تم التركيز على مساهمات هؤلاء الجليلة في مجالات النهضة وتطوير الثقافة والفكر والرياضة والاقتصاد والفن، وعلى نيلهم جوائز عالمية أو اعتراف عالمي بما قدموه من خدمات للإنسانية رفعت اسم الأردن عالياً. ونحن بذلك لا نستهدف الانتقاص من إنجازات أحد أو مساهماته.

إننا نتطلع من خلال هذا الملف إلى تذكير أصحاب الحسابات الديمغرافية أن المنظور الإقليمي أياً كان صاحبه، لا يخدم لا العرب، ولا الأردن، ولا القضية الفلسطينية.

إن الإيمان بأهمية التعدد والتنوع في النسيج الوطني ومكوناته، يجعلنا نَعُدّ أمراً صحياً وصف الفلسطيني في بلادنا بأنه فلسطيني أردني كما هي حال المواطنين الآخرين بانتماءاتهم الجهوية وأصولهم المختلفة، سواء كانوا من الشوام أو الشركس والشيشان، أو شمالات أو جنوبات، أو بلقاوية أو غير ذلك. هذه تعددية تثري حياتنا. من هنا وجدنا من الضروري التركيز على جيل الضفتين في الوحدة، والتأكيد أن التراشق ضار لا يخدم، يؤخّر ولا يقدّم شيئاً.

إننا ندرك مخاطر السياسة التوسعية الإسرائيلية، لذا نؤكد أهمية الصمود الوطني، وتعزيز الجبهة الداخلية بإعلاء شأن المواطنة وسيادة القانون، والتكاتف في ظل هويتنا العربية الجامعة، فهذا مصدر قوة لبلدنا سياسياً وفكرياً واقتصادياً، وهذا يعطي معنى حقيقياً لوقوفنا إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه على ترابه الوطني، وإلى جانب حق اللاجئين في العودة والتعويض.

حتى لا ننسى دفاعاً عن الأردن
 
01-Jun-2010
 
العدد 12