العدد 12 - محلي
 

منذ ستينيات القرن الماضي، والطاقة النووية موضع جدل مستمر في البلدان الغربية. وفيما كانت بعض الدول، بخاصة فرنسا، تدافع عن تبني الطاقة النووية كوسيلة لتوليد الطاقة، كانت دول أخرى، مثل دولة الدنمارك الصغيرة، تدفع باتجاه استثنائها كخيار للحصول على الطاقة من خلال إجراء استفتاء وطني.

أما الأكثر من ذلك، ومع نقش ذكرى كارثتَي جزيرة الثلاثة أميال Three Mile Island ومفاعل تشيرنوبل، في وعي العالم، ظل النقاش مشتعلاً في أوساط أنصار البيئة ومنظمات المجتمع المدني التي تعارض المخاطر المحتملة التي قد تنجم عن توليد الطاقة النووية، وآثارها المتوقعة في البيئة البشرية والطبيعية المحيطة. ومع ذلك، ورغم استمرار الجدل حول ذلك، تشير الإحصائيات إلى أن هناك نحو 240 مفاعلاً نووياً بحثياً تعمل الآن حول العالم، بينما سيتم استكمال بناء 50 أخرى في غضون السنوات الخمس عشرة المقبلة.

حتى سنوات قليلة مضت، كان النقاش الكوني حول هذا العنوان يمر دون مساس بالأردن. وظل الأمر كذلك حتى وجدت المملكة الصغيرة «منجماً غنياً» بفعل الاكتشافات الأخيرة ليورانيوم عالي التخصيب، تقع على عمق خمسة أقدام فقط تحت سطح الأرض.

وفي حقيقة الأمر، وبوجود احتياطيات من اليورانيوم قدِّرت بحوالي 140 ألف طن، بالإضافة إلى 59 ألف طن إضافية محتواة في احتياطيات البلد من الفوسفات، وجد الأردن نفسه المالك المنتشي بحوالي 2 في المئة من احتياطات العالم من اليورانيوم. وكان الملك عبد الله الثاني قد قال في كلمته أمام المنتدى الاقتصادي العالمي العام 2009: «للمرة الأولى في تاريخنا، نجد أنفسنا نجلس فوق سلعة يهتم بها الناس»، معبّراً عن حماسة الأردن الواضحة للدفع بطموحاته النووية، وإجراء مراجعة سريعة لإستراتيجيته في مجال الطاقة. وأضاف الملك: «لقد أصبحت الكثير من الدول تطرق بابنا الآن».

اللاعبون الدوليون يتوافدون

منذئذ، بدعم من الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة النووية، تبنّى الأردن خيار الطاقة النووية ليكون مكوناً مركزياً في إستراتيجيته الوطنية للطاقة. وتنص هذه الإستراتيجية على زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 12 في المئة بحلول العام 2020، والاستفادة من مصادر الطاقة المحلية، مثل الصخر الزيتي، والاعتماد على الطاقة النووية لتغطي 30 في المئة من احتياجات البلاد بحلول العام 2030.

وقد تحدث رئيس لجنة الطاقة النووية الأردنية JAEC خالد طوقان، عن طموحات البلد في هذا المجال لوكالة فرانس برس في تموز/يوليو 2009، حين قال: «إن الهدف هو تحويل الأردن من مستورد للطاقة، إلى مصدّر للطاقة الكهربائية بحلول العام 2030». يجيء ذلك رغم التوقُّعات بتضاعف الطلب المحلي على الطاقة الكهربائية خلال هذه الفترة. وسوف يعمل ذلك، وفق رؤية أنصار الطاقة النووية في البلد، على خفض اعتماد الأردن غير المستدام على واردات النفط الأجنبية، حيث تستورد البلاد 95 في المئة من احتياجاتها من الطاقة، أي ما يعادل 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

الحكومة حددت العام 2018 ليكون موعد إنجاز محطة توليد الكهرباء الأولى وتشغيلها، داعيةً الخبرات الدولية في طيف واسع من المجالات. وقد توافد اللاعبون الدوليون من جهتهم مهرولين. ومنذ إعلانه عن طموحاته النووية، وقّع الأردن عدداً من الاتفاقيات الثنائية مع العديد من البلدان، كل دولة في إطار حقلها الخاص من الخبرة. وتنافست الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، الاتحاد الأوروبي، فرنسا، كوريا الجنوبية، الصين، روسيا وكندا، من أجل الحصول على حصة من العمل، في حين لم يخفِ الأردن ترحيبه بهذه الخبرات الخارجية.

وكان الأردن، حتى قبل نهضته النووية، موقعاً على 9 معاهدات واتفاقيات دولية على الأقل. ومنذ شرعت الكرة بالتدحرج، وقّع الأردن مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة من أجل وضع المواصفات والمتطلبات اللازمة لبناء مفاعل نووي «مناسب»، بما في ذلك اتفاقيات خاصة بخدمة الوقود، وتدريب الكوادر، والسلامة والتقنية النووية. وبالإضافة إلى ذلك، تقرر إخضاع الأردن لبرنامج مدته عامان من العمل مع الاتحاد الأوروبي، بغية تلقي المساعدة على تأسيس إطار عمل تشريعي وتنظيمي بتكلفة تقدَّر بحوالي مليون يورو.

وفي الآونة الأخيرة، تصدّرت طائفةٌ كبيرة أخرى من الاتفاقيات المتصلة بالموضوع عناوينَ الأخبار، بما في ذلك توقيع لجنة الطاقة النووية الأردنية على اتفاقية مع شركة أفيرا الفرنسية، حيث حصلت الأخيرة على الحقوق الحصرية للتنقيب عن اليورانيوم في المنطقة الوسطى من البلاد لفترة تمتد إلى 25 عاماً. ووفق الاتفاقية، فإنه سوف يتم تخصيب اليورانيوم المنتَج محلياً خارج البلاد ضمن عقد محدد، ثم يعاد شحنه إلى المملكة من أجل استخدامه في مفاعلات الطاقة المزمع إنشاؤها فيها. كما التزمت أفيرا بإجراء دراسة للجدوى بغية إضاءة الجوانب البيئية والاقتصادية والتقنية للمشروع قبل الشروع في إنشائه.

مع ذلك، تم وضع اتفاقية أخرى مع شركة بلجيوم تراكتيبلBelgiums’s Tractibel Engineering company البلجيكية، حيث تقوم الشركة بإجراء دراسة لمدة عامين في الموقع، من أجل تقييم المكان المقترح لإنشاء المفاعل النووي الأول، على بعد 25 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة العقبة، و12 كيلومتراً إلى الشرق من ساحل البحر الأحمر. وكانت العقبة، تاريخياً، عرضة للزلازل في المملكة، وتقرر إجراء الدراسة من أجل فحص مدى استقرار البنية التحتية الصخرية في الموقع المقترَح. وقد وجدت الدراسة أن هذا الخيار ينطوي على المخاطر، وسوف يتم التفكير بمواقع بديلة، وفقاً لطوقان.

بالإضافة إلى ذلك، لم يجف بعد حبر التوقيع على اتفاقية جديدة بقيمة 130 مليون دولار، بين الحكومة وائتلاف شركات كورية جنوبية، يضم معهد بحوث الطاقة الكوري الجنوبي، ومجموعة دايو للهندسة والإنشاءات. وهي اتفاقية تتضمن البناء المشترك لمفاعل نووي بحثي بطاقة 5 ميجا واط. وتنص الاتفاقية أيضاً على التعاون في إنشاء مركز تعليمي وتدريبي في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية. ويمكن عدّ الشأن الأخير، في بلد ينفق 0.4 في المئة فقط من ناتجه المحلي الإجمالي على الأبحاث والتطوير، بمثابة فائدة هامشية محتمَلة، تنسجم مع سعي الأردن نحو تأسيس اقتصاد قائم على المعرفة.

وبالنسبة لاقتصاد صغير الحجم، فإن تطوير برنامج هائل على هذه الشاكلة، يوفر، نظرياً على الأقل، فرص عمل كثيرة. وقد أصر طوقان نفسه على أنه في الوقت الذي تجري فيه دعوة الخبرة الدولية إلى البلد لـ«تأسيس الحقائق الكبيرة على الأرض»، فإن المهارات المحلية من ذوي الياقات البيضاء قد تشكل ما يصل إلى 80 في المئة من القوة العاملة. وبينما تبقى الطاقة النووية قضية جدلية، فإن أفق توليد الوظائف خارج القطاع العام لبلد يقال إن معدل البطالة فيه يبلغ 14 في المئة، ينطوي على إغراءات لا يمكن تجاهلها.

هل سينجح المسعى؟

ثمة سؤال لوجستي حول ما إذا كان بلد مثل الأردن، يعاني من ضائقة مالية، قادراً حقاً على تحمل مؤونة إقامة مشروع هائل الحجم بهذا المستوى. وكما أعلن طوقان، فإنه «سيتم تشغيل منشأة الطاقة النووية على أساس الشراكة بين القطاعين العام والخاص». وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام مختلفة: «سوف تدفع الحكومة حصتها، حيث سيتم استخلاص نسبة تقارب 30 في المئة من عوائد التنقيب. وسوف يكون لدينا مشغّل دولي ليشتري 20 في المئة من المنشأة، بينما ستكون بقية الحصص متاحة للقطاع الخاص والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. وسوف يتم بسط استثمار رأس المال على مدى سنوات».

ووفق وزير الدولة للمشاريع العملاقة، عماد فاخوري، فإن حزم المشاريع العملاقة بطريقة تكون جذابة للقطاعين العام والخاص، إحدى وسائل الحكومة لضمان «تصاعد التنافسية، والكفاءة والإنتاجية، بما أن القطاع الخاص معروف بتنفيذ المشاريع بكفاءة أكبر، ويمتلك أفضل المعرفة بكيفية التنفيذ». وإذا ما استطاع هذا الافتراض النظري الصمود أمام اختبار الزمن، بخاصة في ضوء قضية عطاء توسعة المصفاة، فإن هذه الطريقة تكشف عن فكر متقدم يستحق الثناء.

كما جاء آنفاً، سوف يرسي مفاعل البلد أول أساساته في العقبة، حيث تم اختيار الموقع، وفق اللجنة الأردنية للطاقة النووية، نظراً لمصدر المياه الوفيرة في البحر الأحمر المجاور، وقرب البنية التحتية اللازمة، مثل ميناء العقبة والشبكة الكهربائية. وقد أوضحت الحكومة أنه تم اختيار الموقع على أساس نظرة أكثر شمولية؛ قربه من مشروع قناة البحر الميت، وهو مشروع عملاق تزمع المملكة إنشاءه لتحلية المياه. حيث يتطلب إنتاج الطاقة النووية الماء العسر لأغراض التبريد، بينما تُستخدم الطاقة التي يتم توليدها في تحلية المياه وتوفير الماء العذب اللازم لمكافحة العطش المتزايد في البلاد.

الجانب السلبي

طموحات الأردن النووية تنطوي على قضيتين سلبيتين تبرزان إلى السطح. فمن جهة، تتصاعد المخاوف البيئية حول الكيفية التي سيتخلص بها البلد من نفاياته النووية، وحول ما إذا كان ثمة مخاطر على بيئة العقبة البحرية.

في هذا الجانب، قال المدير الإقليمي لفرع غرب آسيا من الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، عودة الجيوسي، لـے: «هناك مخاوف من جهة المنظمات البيئية وغير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني من حدوث تأثيرات سلبية بفعل نواتج النفايات النووية على البيئة البحرية وسلامة الإنسان. ونحن نحتاج إلى أن نضع في الحسبان قيمة البيئة البحرية في ما يتعلق بإسهام السياحة في الاقتصاد، وفي إنتاج الغذاء، وفي التصدي للمخاطر الناجمة عن تغير المناخ». وهو يرسم صورة بعيدة عن أن تكون وردية تماماً: «علينا أيضاً أن ندرك أن هناك تكلفة تنجم عن تدهور النظم الإيكولوجية، تتراوح، وفق دراسة حديثة للأمم المتحدة، ما بين 2 و5 في المئة من الناتج القومي الإجمالي».

أما مكمن القلق الآخر الواقعي تماماً، فإنه يتصل بواقع الأردن الجيو-سياسي في منطقة مبتلاة بأزمات لا تنطفئ. وقد عمدت إسرائيل أولاً وفوراً إلى تقديم اعتراضاتها في ما يتعلق بالموقع المقترح للمشروع في جنوب البلد، مشتكيةً من أنه قريب جداً من «إيلات»، وأنه يمكن أن يشكل تهديداً للدولة اليهودية في حال حدث أي تسرب أو هجوم على المنشأة على التراب الأردني.

بالإضافة إلى ذلك، يُعدّ الخطابان الإسرائيلي والإيراني المتصاعدان حول الأزمة النووية، مبعثَ قلق مشروع للأردن، البلد الذي يحتل موقعاً مركزياً في مجال النشاط الإشعاعي لإسرائيل.

ومما يضيف المزيد من الوقود على نار الجدل حول سلامة مفاعل نووي في هذا الجزء من المنطقة، التقارير الأخيرة عن ضرب صاروخ روسي الصنع من طراز غراد لمنطقة العقبة، ما يحيل المخاوف في هذا الجانب إلى حقيقة. وبينما لم يتم الإفصاح عن منطقة إطلاق الصاروخ، فإن حادثة من هذا النوع، سواء كانت موجهة للأردن أو لأيٍّ من جيرانه، تجعل الأمر مثيراً للقلق، في ظل واقع يتسم بانعدام الثقة المتنامي، حتى في ما بين الدول العربية نفسها.

ضرورة توفر المعلومات

مشروع بهذا الحجم يستدعي، بل يستوجب إقامة حوار شفاف يتعلق بجدواه، وتطبيقاته، والتأثيرات الجانبية والهامشية التي ينطوي عليها بالنسبة للبشر والبيئة الطبيعية من حوله. كذلك الأمر أيضاً في ما يتعلق بالعواقب السياسية والأمنية التي قد ينطوي عليها مثل هذا المسعى الذي يتطلب الحذر. ولدى الإبقاء على موضع الأردن الجيو-سياسي على خريطة العالم ماثلاً في الذهن، فإن الجدال المستعر حول الأسلحة النووية والتوترات العالية التي تعاني منها المنطقة، يشكل مصدرَ قلق لكل من يتمتع ببعد النظر، ولكل عارفٍ بتاريخ المنطقة.

وأخيراً، فإن الحكومة التي حاولت جذب الخبرات في طيف عريض من الموضوعات ذات الصلة بتوليد الطاقة النووية، أخفقت على ما يبدو في استشعار توجهات مواطنيها. وكما لاحظت دراسة أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، بالتنسيق مع منظمة الرأي العام العالمي worldpublicopinion.org، فإن 58 في المئة من الأردنيين يفضّلون وضع مزيد من التركيز على منشآت الطاقة النووية.

مع ذلك، فإن هذه النسبة يمكن أن تُعزى في جزء كبير منها إلى أسعار النفط المتصاعدة، التي تثقل محفظة المواطن، ولا يمكن عدّها تعبيراً عن حجم المعلومات التي يمتلكها المواطن عن الموضوع، والتي كانت لَتمكنه من اتخاذ قرار مدروس بشكل أفضل. أما مدى إدراك إيجابيات هذا المشروع المزلزل وسلبياته، فهو أمر يصعب البحث فيه، ويعتمد إلى حد كبير على مدى نشر المعلومات وتوزيعها. وتتعلق فجوة المعلومات حول هذه القضية، بخاصة في غياب برلمان عامل، على عاتق الدولة والحكومة بالتأكيد.

مخاوف بيئية وأمنية تحيط به - «النووي» في الأردن: طموحات مشروعة وتحدّيات كبيرة
 
01-Jun-2010
 
العدد 12