العدد 12 - محلي
 

الاعتدال الذي اتسم به الحكم الملَكي في الأردن، مكّنه على الدوام من احتواء شخصيات معارضة في مواقع وظيفية متقدمة في الدولة، أو من خلال المنصب الوزاري، وشمل ذلك شخصيات اتُّهمت بالتآمر على نظام الحكم، أواسط الخمسينيات مثل صادق الشرع ونذير رشيد ومعن أبو نوار وآخرين، وغيرهم في الستينيات والسبعينيات.

وفيما كان يُنظر إلى مَن يجري احتواؤهم بعين الشبهة، ما يعني خسارتهم لتأييد الشارع، اختلف الأمر بعد بداية الانفراج الديمقراطي 1989، وإقرار الميثاق الوطني. فباستثناء حزب التحرير غير المرخص، حذفت جميع الأحزاب والتيارات السياسية من برامجها فكرة إسقاط النظام، وترشَّحَ ممثلون عنها في الانتخابات النيابية بدءاً من العام 1989، باستثناء انتخابات العام 1997 التي قاطعها الإسلاميون وحدهم، ما كان يعني القبول بشرعية نظام الحكم، والعمل على الإصلاح من الداخل.

العقدان الأخيران شهدا دعوة معارضين أو معارضين سابقين- بشكل دائم لإشغال المنصب الوزاري. وكان سياق ذلك احتوائياً في معظمه ويتم بسلاسة. وقياساً بأفكار الإصلاح والتغيير التي كانت تحملها هذه الشخصيات، فإن السواد الأعظم منهالم يترك بصماتٍ مؤثرة في دوائر الحكم في الغالب، إن لم يكن قد انتقل إلى تقمص الأداء البيروقراطي المحافظ.

كانت حكومة طاهر المصري العام 1991، قدّمت أول دليل على «صدق نوايا» المعارضة السابقة، وانفتاح نظام الحكم عليها في آن. لكن مؤتمر مدريد والسير باتجاه العملية السلمية سدّدا الضربة الأولى لهذا التوجّه، فبعد أن خصَّ المصري «التجمع الديمقراطي» الذي تشكّل من أحزاب وشخصيات قومية ويسارية، بخمس حقائب وزارية شغلها: علي أبو الراغب، ممدوح العبادي، صالح إرشيدات، محمد فارس الطراونة وسليم الزعبي، وجد رئيس الوزراء نفسه أمام استقالة الطراونة والزعبي من التجمع، ومحمد الحموري من خارجه، بعد أقل من أربعة أشهر على تشكيل الحكومة.

موسى المعايطة، يمثّل «الطبعة الأخيرة» من التوجّه لاستقطاب معارضين أو محاولات احتوائهم، فها هو الآن يشغل حقيبة وزارية مهمة جداً في حكومة سمير الرفاعي، بعد أن جاء مع حكومة الذهبي، وهي حقيبة معنية بالإصلاح السياسي، ومن المفارقة أن يُختار وزيراً لها يساري وناشط معروف مثل المعايطة.

وفي هذا السياق، انتقل المعايطة من موقعه مدافعاً عن إصلاح «جذري» طالبَ به من على كرسيه في الأمانة العامة لحزب اليسار الديمقراطي الذي شغله لعشر سنوات، 1998 - 2008، إلى مدافع عن الإصلاح «التدريجي» و»الآمن»، وفق رؤيته التي تبناها قبل أن يصبح وزيراً للتنمية السياسية.

الإصلاح الجذري الذي أراده المعايطة إبّان قيادته حزب اليسار، كان يتطلب، في رأيه، إقرار قانونَي أحزاب وانتخاب عصريَّين، يفتحان الأفق السياسي الذي أغلقه قانون الأحزاب السياسية لسنة 1992 وقانون الأحزاب لسنة 2007، وقانون الانتخابات -الصوت الواحد- الصادر في العام 2001.

هكذا يجد اليساري، الوزير موسى المعايطة، نفسه على المحك، فقد التحق بالسلطة حاملاً أمل التغيير، و«نجح في الحفاظ على نفسه» كما يقول رفيقه الحزبي وشريكة في نظرته الإصلاحية جميل النمري، غير أن رفيقه الآخر عبد الرحمن المجالي وصف رحلة المعايطة الانتقالية لـے بقوله: «أمسكت به الصنارة ولم يأكل الطعم، بعد أن كان هدفه أكل الطعم والإفلات من الصنارة».

ابن الكرك الذي رأى النور العام 1954 في إربد التي أحبَّها، وتنقل برفقة والده القائمقام حابس المعايطة على مساحة الوطن، أشغلته هموم السياسة باكراً، فما إن أتم دراسته في ثانوية إربد 1970، حتى حزم حقيبته وغادر للدراسة في مدينة حلب التي لم يجد فيها حلمه، فقفل عائداً إلى عمان.

وعيه السياسي تفتح باكراً على الأفكار اليسارية والقومية، فوجد في رومانيا التي ابتُعث للدراسة فيها وهو ابن الحزب الشيوعي الأردني، البيئة المناسبة لتوجهه الفكري، «فيها تعلمت العمل السياسي، وتثقفت سياسياً» كما يقول المعايطة، لكنه يؤكد أن ميوله كانت دائماً ديمقراطية وتعددية، حتى في أوج المد اليساري. وبسبب نشاطه ووعيه السياسي وشخصيته غير الصدامية، انتُخب رئيساً للاتحاد الوطني لطلبة الأردن في رومانيا، الذراع الطلابي للحزب الشيوعي الأردني ومنظمة الجبهة الديمقراطية في الأردن.

كغيره من غالبية قيادات العمل اليساري، لم يدرس العلوم الاجتماعية، فعاد إلى الأردن في العام 1981 بعد أن نال الماجستير في هندسة الاتصالات، وبقي منحازاً إلى الفكر اليساري تنظيراً وتأطيراً، حتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشيوعية، وعمل ناشطاً في زمن الأحكام العرفية في البلاد.

دخول المعايطة إلى الحكومة إثر التعديل الذي أجراه رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي على حكومته في 23 شباط/فبراير 2009، سبقته مشاركته إلى جانب عدد كبير من رجال دولة سابقين وشخصيات سياسية وحزبية وإعلامية، في سلسلة حوارات ولقاءات عقدها مركز «شراكة من أجل الديمقراطية» في تشرين الأول/أكتوبر 2008، خرجت بتصور إصلاحي «تدريجي وآمن» يقوم على المواءمة بين مخاوف الدولة ومطالب المجتمع.

تلك الحوارات قدّم المعايطة فيها، أرضيةً للنقاش، ورقة حملت عنوان «نحو إصلاح آمن وتدرّجي»، وجرى إعداد خلاصاتها في وثيقة بنيّة إيصالها إلى الملك عبدالله الثاني.

مشارك في الحوارات مقرّب من المعايطة قال لـے: «تم إيصال الوثيقة إلى رئيس الوزراء حينئذ نادر الذهبي، الذي تعرّف من خلال الوثيقة على رؤية المعايطة للإصلاح، وصودف أن تعديلاً حكومياً كان على الطريق، فجيء بالمعايطة وزيراً». لكن ے لم تستطع التأكد من صحة هذا الاستنتاج.

أيّاً كانت الطريق التي سلكها المعايطة للوصول إلى كرسيه في وزارة التنمية السياسية، فإنه يدافع عن تلك المشاركة التي وصفها لـے بـ«ذات الجدوى»، ويقول: «عدم المشاركة في الحكومة بحجة أن المشاركة أمر غير منتج، تفكيرٌ عدمي».

الوزير الذي يؤكد أن مشاركته في الحكومة لم تغير في نظرته الإصلاحية، أعاد انتقاد تعديل قانون الأحزاب السياسية لسنة 2007 الذي اشترط رفع عدد الأعضاء المؤسسين للحزب إلى خمسمئة عضو بعد أن كان العدد خمسين. ويقول في ذلك: «زيادة عدد الأعضاء المؤسسين للحزب لم يؤدِّ إلى تطوير الحياة السياسية، بل نرى أن الحياة الحزبية تراجعت منذ إقرار التعديل ودخوله حيز التطبيق».

التعديل الذي أراد «إدخال الأحزاب أتون التحشيد من أجل الحصول على شهادات عدم محكومية مدفوعة الأجر» كما يقول جميل النمري الذي شغل منصب رئيس المجلس العام في حزب اليسار الديمقراطي، دفع الحزب إلى إعلان موقف «متقدم» من القانون من خلال رفض تصويب أوضاعه خلال مهلة العام التي منحها القانون للأحزاب.

بحسب النمري، فإن قرار حل الحزب لقي ترحيباً من أمينه العام موسى المعايطة، نتيجة الوصول إلى حالة من الإحباط والقناعة بانغلاق الأفق السياسي أمام الإصلاح السياسي في ظل عدم تعديل قانونَي الأحزاب والانتخاب وفق رؤية الحزب.

المشاركة في الحكومة قضية شغلت بعض الأحزاب اليسارية التي طلب منها الدخول في الحكومة، وساهمت في حدوث انشقاق في حزب المعايطة، حيث تسببت مشاركة مصطفى شنيكات وزيراً للزراعة في حكومة عبد الكريم الكباريتي 1996، في خلق خلاف داخل الحزب الديمقراطي الوحدوي الذي تشكّلَ من أحزاب الديمقراطي الاشتراكي، والعربي الديمقراطي، والتقدمي الديمقراطي، إضافة إلى تيار من حزب «حشد» العام 1996. هذا الخلاف انتهى باستقالة مازن الساكت الأمين العام للحزب، وانتخاب المعايطة أميناً عاماً له.

انتخاب المعايطة لمنصب الأمين العام للحزب الديمقراطي الوحدوي الذي أصبح اسمه لاحقاً، حزب اليسار الديمقراطي، شكّل انتصاراً للتيار «التجديدي» داخل اليسار على حساب التيار «التقليدي» كما يقول عبد الرحمن المجالي، الذي لم يحدد كيف يكون الحزب تجديدياً، في ما يراه النمري من خلال «الخروج من الشعارات السياسية والعقلية الاتهامية التي كانت سائدة في الأحزاب اليسارية، والتوجه نحو وضع أفكار ملموسة للإصلاح السياسي».

النمري والمجالي يتفقان على أن المعايطة عملَ بأمانة من أجل أفكاره التجديدية، وظل ملتزماً بنهجه الإصلاحي القائم على تطوير الحياة السياسة من خلال قانونَي أحزاب وانتخاب عصريَّين.

النمري يرى أن المعايطة حافظ على نهجه بعد دخوله إلى الحكومة «وفق إمكانياته»، فهو «صوت من ضمن 28 صوتاً في التشكيلة الحكومية»، الأمر الذي أكده الوزير لـے بقوله: «أعمل على تطوير الحياة السياسية وتنميتها»، معترفاً أن «التغير الاجتماعي يحتاج إلى وقت طويل من أجل تحقيقه».

لكن المجالي حمل على الوزير «أدبه» الزائد، قائلاً: «السياسة لا تُدار بالأدب» فقط، كاشفاً أن مشاركة المعايطة في الحكومة خَلَتْ من الاشتراطات من جانبه. لكنه يعتقد أن استدعاءه شكّلَ «موافقة حكومية على مساره الإصلاحي»، كما غابت الاشتراطات الحكومية على توزيره، الأمر الذي يؤكده المعايطة.

المعايطة الذي صاحبَ حكومة الذهبي حتى رحيلها في 9 كانون الأول/ديسمبر 2009، حافظ على كرسيه في وزارة التنمية السياسية مع حكومة سمير الرفاعي التي تشكلت في 14 كانون الأول/ديسمبر 2009.

وجَد الوزير «الإصلاحي» نفسه وجهاً لوجه مع أطروحاته الإصلاحية الداعية إلى قانون انتخاب عادل، وذلك بعد أن صدرت الإرادة الملكية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2009 بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات الذي تصفه أحزاب المعارضة بـ«الإقصائي وغير العادل».

المعايطة الذي بدا تأثيره محدوداً في صياغة قانون الانتخاب، أكد لـے في مقابلة قبل صدور القانون، أن «القانون المقبل سيعالج غالبية الاختلالات في القانون السابق»، وهذا فعلياً لم يحصل ولا علاقة للقانون الجديد بالأفكار «التجديدية» التي دخل المعايطة الحكومة وهو يحملها، واكتفى بالقول إن أي قانون «سيلقى نقداً من الأحزاب»، نظراً لتباين وجهات النظر لدى هذه الأحزاب.

لكن تصريح المعايطة حول تأييد غالبية الأردنيين لقانون الصوت الواحد، أثار جدلاً حول حفاظه على مساره الإصلاحي. الوزير ذكرَ في حوار مع صحيفة الراية القطرية، 4 نيسان/إبريل 2010، أن ثمة استطلاعات تقول إن 59 في المئة من الشعب الأردني مع قانون الصوت الواحد، وأخرى تقول إن 65 في المئة مع هذا القانون.

هذا التصريح أثار حفيظة أحزاب معارضة وصفت الوزير بـ«المنحاز للموقف الحكومي».

المعايطة حاول إزالة اللبس الذي أثير حول تصريحه، بقوله إنه لا يعبّر عن وجهة نظره بالضرورة، إنما استقاه من استطلاعات الرأي، وهنا يقصد الوزير استطلاعات الديمقراطية التي يجريها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية سنوياً منذ العام 1993.

المعايطة المؤمن بالديمقراطية، انحاز إلى الموقف الحكومي الذي لم يتبن مبدأ تصويت الأردنيين في الخارج في الانتخابات، وعلل موقفه في الملتقى الوطني الخاص بالانتخابات النيابية الذي عُقد في 28 آذار/مارس 2010 بقوله: «لنكن واقعيين. من الصعب أن يصوّت الأردنيون في الخارج، ولو تغيرت النتائج ستُتَّهَم الحكومة بأنها زورتها من خلال السفارات الأردنية».

قانون الانتخابات صدر في 18 أيار/ مايو 2010، وستجري الانتخابات التشريعية في الربع الأخير من العام الجاري وفقه، لكنه لم يتجاوز القانون «أزمة» الصوت الواحد، الأمر الذي أدرجته أحزاب المعارضة ضمن «عدم توافر رغبة في الإصلاح السياسي لدى الحكومة»، بحسب البيان الصادر عن جبهة العمل الإسلامي في اليوم التالي لصدور القانون.

القانون الجديد أدخلَ تعديلات على تشكيل اللجان بإعطاء القضاء قدرة أكبر على الرقابة على الانتخابات، كما رفع القانون عدد مقاعد المجلس إلى 120 مقعداً، بزيادة 10 مقاعد عن عدد أعضاء المجلس الخامس عشر المنحل.

عدم تجاوز «أزمة» الصوت الواحد وعدم إدخال تعديلات جوهرية على القانون، جعل الوزير في مرمى النقد، بخاصة مع دفاعه عن قانون الانتخابات لسنة 2001، وإن كان دفاعاً يستند فيه إلى الإحصاءات. يقول المجالي: «على المعايطة الذي يقتنع بالإحصاءات، أن يدرك أن 40 إلى 50 في المئة من الشعب الأردني ضد قانون الصوت الواحد بحسب الإحصاءت نفسها التي يعتمدها الوزير».

وفي غياب الأساس البرنامجي لتشكيل الحكومات، فإن مشاركة أي وزير له نكهة أو خلفية معارضة في أي حكومة، يجعله تلقائياً أسير الحدود التي يفرضها الاتجاه السائد في مجلس الوزراء. ومع ذلك، فإن التزام الوزراء بـ«التضامن الحكومي» دفاعاً عن السياسات الحكومية، يجب أن لا يحول دون إبداء أي منهم وجهة نظره المختلفة في القضايا الجوهرية أو المفصلية، فلا أحد يفترض أن القرار الحكومي حين يصدر يكون بالإجماع.

موسى المعايطة: «التضامن الحكومي» يتقدم على الرؤية السياسية الخاصة
 
01-Jun-2010
 
العدد 12