العدد 12 - محلي | ||||||||||||||
تم ترفيعه إلى رتبة فريق، ثم أحيل على التقاعد. بهذه الطريقة تم تغيير مدير الأمن العام مازن القاضي، وتعيين سفير المملكة في البحرين حسين المجالي بدلاً منه، وهي خطوة جاءت وسط انتقادات قاسية لأداء جهاز الأمن العام في مواجهة ما بات يعرف بـ«موجة العنف المجتمعي» التي تجتاح البلاد. التغيير جاء بعد أيام من مقتل الشاب عبد السلام النعيمات، 36 عاماً، على يد عناصر من إدارة مكافحة المخدرات، أثناء مداهمتهم منزل أخيه عبد الدايم في أم السماق، حيث اندلعت بعد وفاته أحداث شغب قام خلالها شبان من أقاربه بإحراق كشك أمني وتكسير سيارتي شرطة في شارع مكة. أحداث شارع مكة جاءت بدورها بعد أيام من اندلاع أحداث شغب مماثلة في الشونة الشمالية، إثر وفاة موقوف في المركز الأمني في المنطقة، حيث أعلن الأمن العام أن عمر البشارات، 41 عاماً، انتحر في نظارة المركز باستخدام بنطاله، لكن عائلته كذّبت الرواية، واتهمت في بيان أصدرته بعد الحادثة الأمن العام بـ«تصفية» ابنها. أحداث الشونة تصاعدت وترافقت مع أعمال سلب ونهب، بعد مقتل شقيق المتوفي في المواجهات مع رجال الأمن. قبل هذه كله، سُجلت حالات عدة تسبب فيها العنف الزائد من عناصر الأمن العام في مقتل مواطنين أو التسبب لهم بإصابات بالغة، منهم صادم السعود، 27 عاماً، الذي توفي في تشرين الأول/أكتوبر 2009، واتَّهمت عائلته أفراد من مركز أمن الحسين بتعذيبه بعد توقيفه إثر مشاجرة. وهناك أيضاً فخري العناني، 50 عاماً، الذي قُتل تشرين الثاني/نوفمبر 2009، أثناء مطاردة قوات الأمن لمطلوبين في معان، وعاهد العلاونة، 25 عاماً، الذي اتهم أفراد شرطة بإلقائه من سيارة تابعة لمديرية الأمن العام، أثناء مشاركته في اعتصام عمال الميناء في تموز/يوليو 2009، وما زال يعالَج من إصاباته التي أقعدته عن العمل. تكرار التجاوزات وطابع العنف الذي اتسمت به، كرّس انطباعاً بأن الانتهاكات مثار الجدل هي «سياسة» يتبعها الجهاز، وليست «تصرفات فردية» لعناصره، كما يردد المسؤولون فيه، وهو أمر يؤكده التقرير الأخير للمركز الوطني لحقوق الإنسان، الذي يشير إلى أن نصيب الإدارات الأمنية من الشكاوى المتعلقة بانتهاكات هي دائماً الأعلى، إذ شكّلت ما نسبته 59 في المئة تقريباً من مجموع الشكاوى الواردة للمركز العام 2009، مقارنة بـ55 في المئة تقريباً في العام 2008. مع الأخذ في الحسبان أن الانتهاكات قد تكون أعلى من ذلك، فالتقرير يشير إلى أن كثيرين لا يتقدمون بشكاوى بسبب «خوفهم من انتقام رجال الشرطة»، أو لقناعتهم بـ«عدم جدوى» تقديم شكوى. العنف الزائد لم يكن الانتقاد الوحيد الموجَّه إلى أداء الجهاز، فقد وُجهت انتقادات أخرى إلى سياسة غير مسبوقة استنها الأمن العام وهي تقديم عطوات «أمنية» باسمه، عند ارتكاب أفراده تجاوزات، وذلك على غرار العطوات العشائرية، وقد بدأ هذا «التقليد» بعد حادثة تعذيب الشاب صادم السعود. الكاتب في صحيفة الغد جميل النمري الذي رأى في ذلك تكريساً لـ«أعراف نحتاج إلى تجاوزها»، كتب ساخراً أن الأمن العام الذي «يأخذ عطوة قد يقبل غداً الجلوة». الخطورة في مسألة العطوات الأمنية هذه، تكمن في تحويل الجهاز إلى طرف في النزاع بدلاً من كونه الفيصل فيه، الأمر الذي يضعف من مفهوم مبدأ سيادة القانون، ما يفسر بالتالي «الاجتراء» على أفراد الجهاز وعلى ممتلكاته، إذ تكررت حوادث الاعتداء على رجال شرطة، كما تكررت حوادث إحراق أكشاك أمنية ومركبات شرطة. تنامي «ظاهرة» العنف المجتمعي هو نتاج عوامل اجتماعية وسياسية واقتصادية، وليس من العدل تحميل جهاز الأمن العام الواقف في وجه المدفع مسؤولية هذا، ولكن مدير الأمن العام السابق الذي لا يتحمّل كما كتب رئيس تحرير الغد موسى برهومة «مسؤولية الظروف التي أنتجت مظاهر العنف الاجتماعي»، يتحمل «نتائج فقدان السيطرة الأمنية على بعض المواقف في كثير من الأحيان». من هنا يرى برهومة أن الفكرة التي يجب ان ترتكز عليها العلاقة بين المواطن ورجل الأمن في زمن المدير الجديد هي «الشراكة، لا الخصومة الافتراضية المسبقة التي كللت عهداً طويلاً من النظرة المشتركة بين الطرفين». المجالي الذي التقط الرسالة من التغيير، رفع وبعد أيام من تعيينه رسالة إلى الملك تعهّد فيها بمواصلة «التصدي للجريمة ومكافحتها للمضي قدماً في المحافظة على أمن الوطن والمواطن»، ولكنه أكّد على أن ذلك سيكون «مع مراعاة أخلاقيات وآداب الواجبات المهنية التي يضطلع بها الأمن العام، منطلقه الاحترام الكامل للمواطن والمحافظة على حقوقه، والالتزام المطلق بالشرعية وسيادة القانون بحزم دون غلظة». المؤشرات تقول إن الأمر يتعدى هذه المرة استبدال مسؤول بآخر، فرسالة المجالي التي تؤكد على أنه «لا قيمة لأمن تهون على منتسبيه معاييره الخلقية، ولا قدسية لرسالة لا تضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار»، تعني أن المقصود هو استبدال سياسة بأخرى. |
|
|||||||||||||