العدد 12 - محلي | ||||||||||||||
تقييم قانون الانتخاب الجديد ليس منطلقه ما إذا كان أفضل قليلاً من سابقه أم لا، فالسؤال المطروح هو: هل قصد القانون تحقيق إنجاز ملموس في مجال تطوير الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية أم لا؟ والجواب هو لا. فالقانون الجديد، حتى لو لم يكن أسوأ من سابقه، فهو ليس بأحسن منه على أي حال. بسام حدادين، أحد أقدم أربعة نواب في المجلس النيابي المنحل، كان موفَّقاً في وصف المناخ الذي جاء فيه القانون الجديد بأنه استهدف «الحفاظ على قواعد اللعبة السياسية دون تغيير»، ويحاجج حدادين بأن الادعاء الحكومي بالحرص على برلمان مستقل وفاعل، يتطلب وضع قواعد للعملية الانتخابية تسهم في «تمثيل أكثر دقة لمكونات المجتمع، بما يفتح آفاقاً للتيارات السياسية والاجتماعية الصاعدة لتشق طريقها إلى سلطة الرقابة والتشريع». ويستخلص حدادين أن صياغة القانون الجديد على هذا النحو هو نتاج عقلية «لا تريد توسيع المشاركة والقاعدة الاجتماعية للحكم».
شفافية موؤودة ربما لم يرافق التحضير لأي انتخابات سابقة، ما رافق الانتخابات المزمع إجراؤها خريف العام الجاري من تأكيدات رسمية على الشفافية، إذ ندر أن كان هناك تصريح حكومي عن الانتخابات لم يقترن بهذه المفردة. لكن إذا نظر المرء إلى الأجواء التي جرى فيها إعداد قانون الانتخاب المؤقت الجديد، فإنها أبعد ما تكون عن الشفافية. ورغم كل تصريحات اللجنة الوزارية المعنية بقانون الانتخاب بشأن دراسة كل الاقتراحات والبدائل، فقد كانت اللجنة تدرك سقوفها سلفاً، وربما لهذا السبب لم تُدِرْ حواراً وطنياً حول قانون الانتخاب المنشود. وواصلت عملها في قنوات وغرف مغلقة، كأن القانون لا يعني الناس، حتى انتهت من إعداده. وزير التنمية السياسية موسى المعايطة، يقول إن اللجنة الوزارية المعنية بقانون الانتخاب «درست كل الصيغ والبدائل المقترحة، لكن كفّة التوجه لإقرار صيغة الدوائر الفرعية الافتراضية هي التي رجَحَت في نهاية المطاف». يبقى أن الأمر الأكثر مدعاة للغرابة أن الغالبية الساحقة من الصيغ التي كانت متداولة في البلاد لتطوير قانون الانتخاب وفي مقدمتها مبادرات اللجان الملكية؛ الأجندة الوطنية والأردن أولاً، وكذلك المقترحات التي بلورها المركز الوطني لحقوق الإنسان، ومقترحات الأغلبية الساحقة من الأحزاب السياسية، كانت تتطلع جميعها إلى إقرار نظام انتخاب مختلط، ومع ذلك ذهبت الحكومة في اتجاه آخر يستند إلى فكرة الدوائر الوهمية أو الافتراضية التي تسميها الحكومة فرعية، وهذا الاتجاه لم يكن يمثل أولوية بالنسبة للمجتمع المدني أو بالنسبة للرأي العام. حتى إن الكاتب الصحفي جميل النمري الذي دافع عن تصور لصيغة نظام مختلط بصوت واحد تستجيب لكل الاعتبارات الحكومية، فوجئ بصيغة «المقاعد الوهمية» التي وصفها بأنها «بدعة». وقال إن هذه الفكرة «لا تقدم أي تطوير في الحياة السياسية»، ولا تحل المشكلة المشخصة بـ«العشائرية، والفردية، والخدماتية، والواسطة، والمحسوبية»، معتبراً أن فكرة الدوائر الوهمية «مخرج شكلي إزاء تهمة عدم التساوي في عدد مقاعد الدوائر». نصائح مفيدة! لكن الحكومة إن كانت قد وجدت حلاًّ شكلياً لمشكلة عدم التساوي السابق في عدد مقاعد الدوائر، فإنها لم تنشغل بتحقيق المساواة بين الدوائر المختلفة في عدد ناخبيها، بوصفه المعيار الأساسي في نظام «مقعد لكل دائرة». وهذا ما وصفه المركز الوطني لحقوق الإنسان بأنه تقسيم للدوائر الفرعية على «أسس غير واضحة لم تراعِ ضمان المساواة النسبية بينها من حيث عدد السكان والمساحة الجغرافية والبعد عن العاصمة إضافة إلى البعد التنموي». هذا الحل الشكلي لتقسيم الدوائر، سوف يخلق للمرشحين وجمهور الناخبين مشاكل لم تكن في الحسبان. ويأتي في مقدمة ذلك أن كل مرشح سيسعى لاختيار دائرة فرعية لا يكون فيها منافسون أقوياء له. في حين أن القانون لا يضع آلية تكشف لكل مرشح ما الدوائر الفرعية التي اختارها من سبقوه في الترشيح. وإذا لم تصدر تعليمات تلزم المحافظين بوصفهم رؤساء اللجان المركزية في المحافظات بتوضيح ذلك للمتقدمين بطلبات الترشيح، فإن ذلك سيتيح للمحافظين إعطاء «نصائح مفيدة» لبعض المرشحين تعزز فرصهم بالفوز. وزير التنمية السياسية، أوضح لـے أن إعلام كل متقدم بطلب ترشيح، بأسماء من سبقوه وأرقام الدوائر التي اختاروها، هو قيد البحث لإيجاد حل مناسب له. وحتى إن اختار كل مرشح الدائرة الفرعية التي تناسبه، فإننا قد نكتشف عندما تعلَن نتائج الانتخابات أن مرشحاً غير فائز في دائرة فرعية قد نال أصواتاً تفوق أصوات المرشح الفائز في دائرة فرعية أخرى، رغم أن الاثنين تنافسا على الجمهور نفسه في الدائرة الأصلية قبل تقسيمها إلى دوائر فرعية. النائب السابق حدادين، يتوقع مفاجآت أخرى بسبب ان القانون «أُعِدّ في غرف مغلقة، ولم تُتَح للناس مناقشته قبل إصداره» مثل إمكانية استحواذ المرشحات في الدوائر المخصصة للمسيحيين والشركس والشيشان والبدو على معظم مقاعد الكوتا النسائية، بسبب أن متوسط عدد المقترعين في هذه الدوائر «الفرعية» سيكون أقل من الدوائر الأخرى. لقد سعت الحكومة لإعطاء الانطباع في كل مفصل من مفاصل قانون الانتخاب أنها أقرت «تطويرات مهمة» لضمان نزاهة الانتخابات، وزيادة المشاركة الشعبية. صحيح أن القانون غلّظ العقوبات على جريمتَي الرشاوى الانتخابية والتصويت الأمّي لغير الأميين، لكنه لم يغلق منافذ التزوير، بل أبقاها مفتوحة، وهذا يعني أنه يمكن استخدامها في مصلحة متنفذين. ينطبق هذا الأمر على أمور مثل تصويت الأمّيين وإمكانية الاقتراع في مكان الإقامة أو الدائرة الأصلية. تصويت الأميين ففي شأن تصويت الأميين، كان القانون السابق يضع ضوابط متشددة لمنعه ومع ذلك كانت تُنتهك تلك الضوابط على نطاق واسع دون أي مساءلة، رغم أن كشوف المقترعين في كل الصناديق توثق اسم كل من اقترع كأميّ. التصويت الأمي ما زال معمولاً به في القانون الجديد، رغم أنه يتعارض مع سرية الاقتراع، ومع المادة 21 من القانون نفسه «يكون الاقتراع عاماً وسرياً ومباشراً». حل مشكلة التصويت الأمي غاية في البساطة، ولا يتطلب أكثر من استخدام ورقة اقتراع عليها صور المرشحين، ويقترع الناخب بوضع إشارة بالقلم أو ببصمة للإبهام أمام صورة مرشحه المفضّل. نقل الأصوات موضوع نقل قيود الناخبين من دائرة إلى أخرى، سجل في الانتخابات الماضية أحد أكبر منافذ العبث بالانتخابات وتزييف إرادة الناخبين. طاهر العدوان رئيس تحرير صحيفة العرب اليوم، وصف هذه العملية يوم 19 أيار/مايو 2010، بأنها مثّلت «واجهة فساد» خطيرة خلال العقدين الأخيرين، عادّاً أنها أصبحت جزءاً من نظام «مافيا مالية وانتخابية»، وأنها قادرة على «تزوير إرادة الناخبين وارتكاب الجرائم الانتخابية بالجملة من دون حسيب أو رقيب». بهذا إذا لم تتوافر إرادة سياسية لضمان نزاهة الانتخابات، فيمكن أن يتكرر الأمر نفسه في أي وقت. هذا في حين أن لهذه المشكلة حلاًّ إدارياً بسيطاً ينطوي على فوائد سياسية واجتماعية غاية في الأهمية. إن منح الناخب حق الاقتراع في دائرته الأصلية، يمكن أن يستفيد منه أي مرشح، لكن الذين يجنون الفائدة الأكبر في ميزان الفوز، هم المتنفذون إدارياً ومالياً الذين يحصلون على تسهيلات من الإدارة الانتخابية بنقل الأصوات. يكمن الحل لهذه المشكلة في قَصْر مكان الاقتراع على الدائرة التي يسكن فيها الناخب، وإلغاء الحق في الاقتراع في ما يسمى «الدائرة الأصلية» الذي يشكل غطاء لعمليات نقل الأصوات في القسم الأكبر من الحالات. وهذا من شأنه إعادة الاعتبار للمدينة بوصفها حاضنة لتنمية المجتمع المدني والمجال العام. فالمواطنون الأردنيون في حيّ ما في العاصمة مثلاً، لا يوحدهم دائماً الهم الانتخابي ذو الصلة بمنطقتهم، لأن جزءاً منهم مشغول بالهم الانتخابي في منطقة أخرى سيقترع فيها، ولنا أن نتصور أن عشرات الألوف من الناخبين يتنقلون يوم الاقتراع بين المدن والمحافظات في كل الاتجاهات. اللجنة العليا والقضاء أدخلت الحكومة تعديلاً على تركيبة اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات قياساً بالقانون السابق، يتمثل بتكليف عضو اللجنة، القاضي من الدرجة العليا، بمهمة نائب رئيس اللجنة، وإضافة عضو جديد للجنة من موظفي وزارة التنمية السياسية على أن لا تقل درجته عن الأولى. الحكومة رأت أن هذا التعديل «يعزز دور القضاء في الإشراف على الانتخابات»، لكن المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي رحّب بهذه الخطوة، ذكّر بالحاجة إلى «إنشاء هيئة وطنية عليا مستقلة ودائمة تتمتع بالحياد والنزاهة للإشراف على مراحل العملية الانتخابية وعلى أن يكون للسلطة القضائية الدور الأكبر في إدارتها». إن تكليف القاضي بمهمة نائب رئيس اللجنة، لا يمثل أي إضافة جوهرية في الحالة القائمة الآن، والسبب أن دور اللجنة نفسها شكلي، فهي من حيث التعريف مسؤولة عن الإشراف على الانتخابات، لكن من الزاوية العملية معنية بالبت في الأمور التي تعرضها عليها اللجان الانتخابية المركزية في المحافظات، هذا إذا كان لديها ما تعرضه عليها. بينما يستحوذ وزير الداخلية على كل الصلاحيات. فهو الذي يشكل اللجان المركزية على مستوى المحافظات، ولجان الدوائر الانتخابية، واللجنة الخاصة بالكوتا النسائية. حتى إن اللجان المركزية واللجنة الخاصة تقسم اليمين أمام الوزير وليس أمام اللجنة العليا. كذلك فإن القضايا الحساسة ذات الصلة المباشرة بنزاهة الانتخاب يُبت فيها بشكل قطعي على صعيد المحاكم أو مستويات إدارية أدنى. فمثلاً، محكمة البداية هي المعنيّة بالفصل في الطعون الخاصة بالجداول الانتخابية في مرحلتها الأخيرة، وكذلك البت باعتراضات المرشحين على قرار اللجان المركزية بعدم قبول ترشيحهم. كذلك تفصل محكمة الاستئناف المختصة في طعون الناخبين بقبول ترشيحات ما، وقرارها قطعي. وتبت لجنة الاقتراع والفرز في الاعتراضات التي تقدم إليها من المرشحين أثناء إجراء عملية فرز الأصوات وتُصدر القرار الذي تراه مناسباً ويكون قرارها قطعياً. علاوة على ذلك، فإن الوزير هو الذي يعتمد نموذج الاقتراع، ويقرر شكل صندوق الاقتراع، ويتسلم النتائج، ويعلنها، ويصدر الشهادات للفائزين، كل هذا بصفته الوزارية وليس بصفته رئيساً للجنة العليا. المركز الوطني لحقوق الإنسان، أصدر بياناً بيّن فيه ملاحظاته على قانون الانتخاب، منها أنه انتقد «الإبقاء على النص المتعلق بسن الرشد السياسي» كما كان في القانون السابق. والمقصود بذلك أن سن الاقتراع الذي يحدده القانون بـ18 سنة، يقترن باليوم الأول من السنة التي تجري فيها الانتخابات، ما يعنى أنه إذا أجريت الانتخابات في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري، فسيكون سن أصغر ناخب هو 18 سنة و10 أشهر، وهذا يحرم قرابة مئة الف من الاقتراع ممن يكونوا قد بلغوا سن الثامنة عشرة. المركز الوطني انتقد أيضاً عدم تحقيق المساواة بين المرشحات في المناطق الانتخابية المختلفة، موضحاً أن نسبة المفاضلة بينهن لتحديد الفائزات عبر الكوتا النسائية، «تُحتسب على أساس عدد الأصوات التي حصلت عليها المرشحة مقسوماً على عدد المقترعين في الدائرة الفرعية وليس على مستوى المحافظة». دلالة الفرق بين هاتين الطريقتين، أن تقسيم عدد الأصوات التي تحصل عليها المرشحة على عدد المقترعين في المحافظة، يعطي أساساً موحداً لاحتساب الفوز وبخاصة أن مقعد الكوتا مخصص للمحافظة، وهذه طريق عادلة لاحتساب الفوز، بينما الطريقة التي اعتمدها القانون لا تراعي الفروق الكبيرة بين أعداد المقترعين في الدوائر الفرعية ضمن المحافظة الواحدة، ما يعني أن فرص الفوز تكون أكبر في الدوائر الصغيرة بعدد المقترعين فيها. كذلك، انتقد المركز الوطني لحقوق الإنسان عدم تبني إجراءات إدارية تسمح للموقوفين إدارياً وقضائياً بممارسة حقهم في الانتخاب علماً أن عددهم يبلغ عشرات الآلاف، بالإضافة إلى حرمان الأردنيين الموجودين في الخارج من ممارسة حقهم في الانتخاب. المؤشرات المتاحة ترجّح حرص الحكومة على إجراء انتخابات بأقل تدخّلات ممكنة، أو بتدخّلات «ناعمة» لا تستثير شكوك الناس بعدم نزاهة الانتخابات، غير أن النتيجة المؤكدة أن القانون الجديد لن ينتج برلماناً مختلفاً عن سابقه، ذلك أن قواعد الفوز لم تتغير، ويلزمها نفوذ عشائري ومالي، وسوف تتحسن حصة الإخوان المسلمين كأهمّ قوة منظمة في البلاد، أما الفوز على أساس الجدارة والرؤية البرنامجية فسيكون الاستثناء. ومرة أخرى ستدفع البلاد ثمن التجاهل المتكرر لمتطلبات الإصلاح والتنمية السياسية. |
|
|||||||||||||