العدد 12 - قارئ/كاتب
 

رغم انتشار جوائز التميز بأنواعها وكثرة الاحتفالات، إلا أن ثقافة الجحود والنكران ما زالت السائدة بطرقها الخفية ووجوهها المتنوعة.

يقول تعالى: «لأن شكركم لأزيدنكم»، وكأنه تحذير قرآني من أنماط الجحود والزهو السائدة، وربما لم تجافِ الصوابَ مقولة: «اتقِ شر من أحسنت إليه»، فالكثير من الأحداث والظواهر التي نشاهدها اليوم في آفاق عالم السياسة والمجتمع تدل على تفشي الجحود والنكران في مجتمعاتنا، وتحولهما إلى آفة خطيرة متداخلة مع النفسية العربية التقليدية.

ولعل أخطر تبعات هذه الآفة تلازمها مع الزهو والغرور، وانتشارها بين فئة المتعلمين والمتخصصين. تعلَّمْنا من الغرب والشرق الكثير، لكننا ربما لم نتعلم سمة التواضع في السلوك والمظهر، ونحن نعلم أن منجزات حضارتنا الإنسانية القائمة تُعزى برمتها لسلوكيات التواضع والتقدير، ومن دونهما لن نجد الكثير من الإنجاز.

فالتواضع يدفعنا للمثابرة على تحقيق شيء ما في حياتنا وعملنا، والتقدير الصحيح يحافظ على شعلة الإنجاز ويجذب الآخرين للعمل والكد للوصول لأعلى المراتب.

وربما قلّدْنا الغرب في موضوع الجوائز، وأصبحنا نمنح العديد منها، لكننا ما زلنا أسرى طريقة التفكير العشائرية والأنانية التي تصر على نفي دور الآخرين وإنكاره، سواء كانوا قادة أو موجهين أو خبراء باحثين.

وهناك من يسطو على جهود الآخرين وإنجازاتهم، ينسبها لنفسه ويحقق بواسطتها الرفعة والطموح. في هذا الصدد يقول جاك ولش، القائد الأسطوري السابق لشركة جنرال إليكتريك: «يزرع القادة الثقة بإغداق المديح حيث ينبغي، ولا يسرقون أبداً أفكار موظفيهم وينسبونها إلى أنفسهم!».

نمط التفكير هذا، هو الذي دفع دول الغرب لأن تكون في العربات الأولى لقطار الحضارة المنطلق. بينما النمط التقليدي المبني على الجحود والنكران، والذي نعاني منه نحن العرب، ربما يكون هو المسؤول جزئياً عن أسباب بقائنا في العربات الخلفية لقطار الحضارة نفسه.

هذا التفكير البائد المبني على الإحساس المرَضي بتضخم الذات، وبالغرور الفارغ، هو الذي يقتل أوجه الإبداع والابتكار في حياتنا ومنجزاتنا، وهو قائم على المراوغة والكذب وإنكار الحقائق.

ثقافة الجحود والنكران
 
01-Jun-2010
 
العدد 12