العدد 3 - سينما وتلفزيون
 

رغم التوقُّعات بتأثّر الإنتاج الدرامي العربي بالأزمة المالية العالمية، إلا أن أكثر من 70 مسلسلاً عربياً متنوعاً، معاصراً وتاريخياً وبدوياً، تُعرض في شهر رمضان هذا العام، على شاشات الفضائيات العربية الرسمية والخاصة.

وفي حين تنبأ مختصّون بأن تقصم الأزمة ظهر المنتجين الصغار غير المؤهلين للمنافسة، ممن لم يحققوا خلال فورة الأعوام الأخيرة، ملاءة مالية تحميهم أمام عاصفة عابرة، فإن آخرين رفضوا المبالغة بالتوقعات المتعلقة بالأزمة. وهؤلاء ليست لديهم مخاوف بأن يعود الفنانون المحليون تحديداً لمقاعد الانتظار، بلا أعمال ولا آمال، كما حدث مطلع تسعينيات القرن الماضي، إبان التباينات السياسية التي أضرّت بالإنتاج الدرامي العربي في نسخته المحلية، وقضى حينها معظم العاملين في قطاع الإنتاج الدرامي محلياً: ممثلين ومخرجين وتقنيين، سنواتٍ طويلة ينتظرون فرجاً لا يجيء.

الأثر الأكثر تجلّياً مما أمكن رصده، ومما سبّبته الأزمة وخلقته من إحجام عن المغامرة، أن معظم المسلسلات التي أُنتجت هذا العام وانتهت فعلياً عمليات تصويرها ومونتاجها، تم الاتفاق مع مشتريها قبل إنتاجها، بل إن بعضها أُنتج بناء على شروط «الفضائية» الراغبة بالشراء والعرض، وبناء على مواصفاتها، بما يلبّي متطلّبات الشرائح الاجتماعية المتوقَّع أن تتابعها.

وبعد صعودٍ وصل الذروة في العامين الأخيرين، بدأت الدراما السورية بالتراجع كمّاً، إذ يصعب الحديث عن التراجع النوعي قبل مشاهدة الأعمال السورية المنتجة هذا العام، وقبل مرور سنوات على تحقق التراجع على الصعيدين: الكمّي والنوعي.

وفي حين وصل عدد الأعمال السورية المنتَجة لرمضان في العام 2007 إلى 42 مسلسلاً، فإنها لن تزيد هذا العام على 15 عملاً.

وباستناده إلى إرثٍ بلغ ثلاثة أجزاء سابقة، يتأهّب مسلسل «باب الحارة» في جزئه الرابع إلى خطف مشاهدي رمضان، ربما بدافع الفضول عند كثيرين منهم للتعرف على ما تبقى في جعبة الفكرة وتناسلاتها، وما يمكن أن يقال ولم يُقل بعد عن الحارة الشامية وقيمها وعاداتها وصراعاتها وعلاقاتها مع المحيط. فضول آخر يدفع لمتابعة «باب الحارة» في نسخته الجديدة: كيف سيؤدي ممثلون جدد أدواراً أدّاها قبلهم ممثلون استقروا في وجدان المشاهدين العرب من المحيط إلى الخليج؟

أما المسلسل المصري «أبو ضحكة جنان»، فيستعيد حياة الفنان المصري إسماعيل ياسين الذي بدأ مطرباً في السويس، وتحول إلى الممثل الكوميدي الأول في مصر. وهو من بطولة: أشرف عبد الباقي، أحمد راتب، سمير غانم وعصام كفافي.

وهناك المسلسل السوري «صبايا 2009» الذي يناقش أفكاراً إشكالية، منها مفهوم «التحرر الملتزم». وهو من بطولة عدد من نجمات الدراما السورية وشاباتها الجميلات، منهن: ديما بياعة، مها المصري وجيني اسبر.

رغم أن الآراء المسبقة تعوزها الدقة، إلا أن التساؤل عن دوافع زجّ عدد من الممثلات متنوعات الجاذبية، في مسلسل واحد «صبايا 2009»، يحمل مشروعية ما، في ظل التنافس المحتدم عربياً بين المستثمرين في مجال الدراما التلفزيونية. وهل يهدف هذا الزج «المغري» لشرائح كبيرة من المشاهدين العرب، بخاصة في الشق الخليجي «الذكوري» من هذا الجمهور، إلى جذبهم بأي وسيلة؟

وفي قراءة عجولة للمسلسلات المصرية (22 مسلسلاً) والخليجية (15 مسلسلاً) والسورية (15 عملاً) والأردنية (10 أعمال يغلب عليها الطابع البدوي)، يُلاحَظ تراجع الأعمال التاريخية، وتلك المتعلقة بالإرهاب، لصالح المسلسلات المعاصرة ذات الطابع الاجتماعي.

من المسلسلات التاريخية: «ثورة عبد الجليل» من إنتاج المركز العربي للإنتاج الإعلامي، وإخراج أنور السعودي عن نص الكاتب محمود الزيودي لصالح الفضائية الليبية، ويتناول سيرة عبد الجليل سيف النصر، زعيم أول ثورة في المغرب العربي ضد الحكم التركي، في عمل يستوحي البيئة الاجتماعية الليبية الغنية بالتنوع. إضافة إلى مسلسل «بلقيس»، من بطولة نادرة عمران وصبا مبارك. والمسلسل المصري السوري المشترك «صدق وعده»، من إخراج الأردني محمد عزيزية عن نص الكاتب المصري عبد السلام أمين، وسيناريو وحوار عثمان جحا، وبطولة المصري خالد النبوي وعدد من نجوم الدراما في مصر وسورية، مثل: سوسن بدر، أيمن زيدان، جهاد سعد ومكسيم خليل وعبد الرحمن آل رشي. وجرى اختيار الممثلين المصريين من خيرة الممثلين الناطقين بالعربية الفصحى.

المسلسل الأخير أثار قبل عرضه ردودَ فعل متباينة، بخاصة بعد أن رفض تلفزيون الكويت عرضه. ونفى القائمون عليه أن يكون في محتواه أيّ إساءة للرسول محمد، وأكدوا أنهم حصلوا على مباركة «الأزهر» قبل إنتاج المسلسل.

وهناك مسلسل يتناول الإرهاب، هو الخليجي «طورا بورا» تأليف الكاتب الأردني وليد سيف، وإخراج وليد العوضي، ومسلسلات حول القضية الفلسطينية والنضال من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، مثل المسلسل السوري «سفر الحجارة». وأخرى بدوية وتراثية.

في الجانب الآخر، هناك نحو 50 مسلسلاً مصرياً وسورياً وخليجياً وأردنياً تتحرك في إطار العلاقات الاجتماعية السائدة في الزمن الراهن.

استثمار النجاح، وعصره بلا كلل أو ملل، سمة أخرى من سمات مسلسلات رمضان هذا العام، مع وجود أعمال كثيرة تقدَّم تحت ذريعة جزء ثانٍ لجزء أول لقي نجاحاً ما أو حظي بمتابعة معقولة رمضان الماضي (المسلسل السوري «أهل الراية» في جزئه الثاني، و«بيت جدي» و«الدوامة» و«زمن العار»، وجميعها سورية، و«العيادة» المصري). كما أن الأعمال العربية الكبرى التي حققت إبان عرضها للمرة الأولى انتشاراً لافتاً، مثل المسلسل المصري «أدهم الشرقاوي» وغيره، ما زالت تشكل عنصر إغراء لإعادة إنتاجها وعرضها في سوق رمضانية لا تشبع.

وهو ما حدث أيضاً في التجربة الدرامية المحلية، مع إعادة أعمال بدوية في العامين الماضيين عُرضت للمرة الأولى سبعينيات القرن الماضي، مثل: «نمر بن عدوان»، «وضحا وابن عجلان» و«راس غليص».

وسنوياً، ومنذ أعوام عدة، تتنافس شاشات التلفزة العربية، في سباق محموم لشد انتباه وأنظار الشارع العربي إلى أجندتها البرامجية، وما تبثه من أعمال درامية خلال رمضان، إذ يعكف المشاهد العربي في هذا الشهر، لمتابعة أهم الأعمال التلفزيونية، وبرامج المسابقات الترفيهية.

وتشهد الفضائيات العربية في كل عام تنوعاً في أجندتها البرامجية، فتتسابق للفوز بقصب السبق، وانتقاء أفضل الأعمال الدرامية وبثها حصرياً عبر أثيرها، واقتطاع نصيب أوفر من المتابعة الجماهيرية، وبالتالي تحقيق مردود كبير من الإعلانات التجارية، ومن الاتصالات التي تجريها شريحة واسعة من المشاهدين.

وللعام الثاني على التوالي، يزاحم السوريون الخصوصيةَ المحلية، بجنوحهم إلى أعمال بدوية. ففي العام 2008 عُرض «صراع على الرمال»، من تأليف هاني السعدي، وإخراج حاتم علي، وبطولة عدد من نجوم الدراما السورية والأردنية، وإنتاج إماراتي (الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم). وفي العام الجاري يُعرض مسلسل «فنجان الدم»، من إنتاج فضائية mbc، وإخراج الليث حجو، وتأليف عدنان عودة، وبطولة: جمال سليمان، غسان مسعود، نسرين طافش وباسم ياخور.

وفي سياق جذب الانتباه، ودفْع الجمهور للمتابعة، عمدَ بعض المنتجين لجمع نجوم مميزين في عمل واحد، كما في الجزء الثاني من المسلسل السوري «أهل الراية» الذي استقطب نجماً كبيراً آخر هو عباس النوري، إلى جوار نجومه الآخرين: كاريس بشار، تاج حيدر وقصي الخولي ورفيق السبيعي. وكان الفنان جمال سليمان اعتذر عن عدم المشاركة في الجزء الثاني من المسلسل لعدم اقتناعه بفكرة «استنساخ النجاح واستثماره بعيداً عن المسوغات الدرامية والقيمية والجمالية».

ويجتمع بسام كوسا وتيم حسن ومنى واصف معاً في مسلسل «زمن العار». وفي الجزء الثاني من «الدوامة» يجتمع سلوم حداد وأيمن زيدان، رغم أن كلاًّ منهما يرفض أن يكون له شريك في النجومية والبطولة الأولى.

ويسجَّل للشق المحلي من الإنتاج الدرامي العربي أنه وحده الذي ظل وفياً للدراما التاريخية، فأنتج عملين في هذا السياق، يُضاف ذلك إلى وفائه للدراما البدوية التي أصبحت ماركة مسجلة للإنتاج الدرامي الأردني.

تتقلب الفصول، وخلال 33 عاماً تقريباً يعود رمضان من حيث بدأ، وخلال دورته الطويلة جداً تلك، يمر بأشهر الصيف، وهو ما يحدث معه منذ ثلاثة أعوام ماضية، إذ كان ينطلق في الصيف وينتهي في الخريف، وهو هذا العام ينطلق في الصيف وينتهي فيه، ما يعني أن السهرات الرمضانية خارج أسوار البيوت ستكون السمةَ الأكثر انتشاراً، وما يعني أن الحدائق العامة والخيم الرمضانية غير المسقوفة والفضاءات المفتوحة بعامة ستكون الخيار الأفضل لصائمي الشهر الفضيل، بعد نهار طويل من الامتناع عن الطعام والشراب. هذا التحول الطبيعي في مناخ رمضان وطقسه اليومي الذي سيؤثّر بالضرورة في طقوس الناس وعاداتهم خلاله، هل وضعه منتجو الدراما العربية، المعتمدة أساساً على سوق رمضان، في حسبانهم؟

الدراما الرمضانية لهذا العام: انحسار التاريخي لصالح المعاصر واستعانة بالنجوم
 
01-Sep-2009
 
العدد 3