العدد 11 - نبض البلد | ||||||||||||||
تبدأ الأغلال منذ لحظة الولادة، تتشعب وتتكاثر، ليجد المرء نفسه محاصَراً بها، غير قادر على الانفكاك منها، والانعتاق في فضاء حر. هذه هي الثيمة التي تتناولها مسرحية «سجون»، من تأليف مفلح العدوان وإخراج مجد القصص، مشرعةً الكوى على دلالات السجن وتجلياته، سواء على صعيد علاقة الفرد بذاته، أو علاقته بمحيطه، عبر استثمار فيزيائية الجسد التي شكلت لوحات درامية مبهرة في العرض. المسرحية التي افتتحت عروضها في 16 نيسان/إبريل 2010 برعاية أمين عام وزارة الثقافة جريس سماوي مندوباً عن الأميرة ريم علي، على المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي، استُهلت بلوحة تمثل الولادة، والمحاولة الأولى للانعتاق من رحم الأم، إذ يتململ الجسد ضاغطاً على الجدران وضارباً الأغلفة ليشق طريقه عبر بصيص الضوء، وهنا يبدأ الجسد حياته القسرية على الأرض. بعدها، تتوالى اللوحات المشهدية، وتتوالى معها السجون، بالإيقاع نفسه: سجن السياسية، وسجن الاحتلال الذي يمارس سطوته فيقهر الشعوب الضعيفة ويسحق أحلامها، سجن الأسرة والعلاقة المرتبكة بين أفرادها، سجن المدرسة والقمع الذي يمارسه الأستاذ على الطالب، سجن الأنوثة الذي تشيده السلطة الذكورية... ثم يبدأ السجان (أدى الدور أديب الدرهلي) رواية تفاصيل سجنه، كاشفاً أنه الوحيد الذي يملك المفاتيح التي تحرر الآخرين من سجونهم، ومحرّضاً الجميع على البوح الذي هو الطريق الوحيدة للخلاص، وكسر جدران الصمت. في تلك اللحظات، يتململ الجميع ويحاول كل منهم العثور على مفتاحه بالحديث عن معاناته، وتقديم اعترافاته، فيلتقي الطفل والشاب والشيخ، ساعين لشق الجدار وتمزيق الأغلال، كي يجد النور طريقه إليهم. الراوي هنا لا يحتكر الحقيقة، بل يتيح للجميع أن يتقاسموها، لذا تتوزع الحوارات بين الممثلين، شهوداً وضحايا، يرسم كلٌّ منهم صورة لعلاقته بالسجون المختلفة التي يعزز أحدها الآخر، ما جعل أحاديثهم جزءاً لا يتجزأ من البناء الفني للعرض. وإذ استهلت المسرحية بمشهد الولادة، أول مواجهة للسجن يقوم بها الإنسان، فإنها تنتهي بمشهد موت الراوي وغيابه في سجن القبر. عند ذلك تتعالى الأصوات وتتمرد على سجونها من أجل خلق حياة حرة خالية من السجون التي شارك كل واحد في صناعتها وإحكام أقفالها. تقول المخرجة في حديث لـے: «على كلٍّ منا أن يبدأ بالأسئلة؛ ما هي سجوني، وكيف أتخلص منها؟ فالحل يكمن بيد كل فرد منا»، وتوضح أن هذا العمل ينتمي للمسرح التجريبي، إذ يقوم على تفكيك الحوارات وتشظيتها وتوزيعها على الشخصيات، واستثمار تقنيات وحركات الجسد عبر الباليه والرقص المعاصر والحركات اليومية الممسرحة بالإضافة إلى الحركات التجريدية، مع التركيز على مفردة المشي التي تم تقديمها بأشكال متنوعة. وبهدف وضع المشاهد في أجواء السجن، استخدمت القصص مفردة الإيقاع، التي هي «لغة التخاطب في السجون؛ فالطرقة الواحدة مثلاً تعني حرف الألف، والطرقتان حرف الباء..»، كما استخدمت أيقونة المرآة التي سببت للحضور انزعاجاً غير خافٍ، وهو «أمر مقصود»، بحسب ما ترى المخرجة، مضيفةً: «أردت أن يعيش المشاهد، ولو للحظات، معاناة المساجين الذين يتعرضون لضوء الكشافات الباهر الذي يُفقدهم القدرة على الإبصار». أدى أدوار المسرحية التي أنتجتها وزارة الثقافة بالتعاون مع أمانة عمان الكبرى وفرقة المسرح الحديث: أديب الدرهلي، لارا صوالحة، أحمد الصمادي، أريج الجبور، سارة الحاج، عبير عواد، محمد عوض، موسى السطري ونبيل سمور. التأليف الموسيقي لوسام قطاونة، والكرويغرافيا لدينا أبو حمدان. |
|
|||||||||||||