العدد 11 - حريات | ||||||||||||||
رغم مرور كثير من سيارات الأجرة الفارغة من أمامه، انتظر حسام مصلح ، في الشارع نحو ساعة، قبل أن تقف له سيارة تنقله من النزهة إلى جبل الحسين. لم يكن هذا حدثاً غريباً عنده، بل هو مشهد يتكرر يومياً، فحسام، 23 عاماً، المعاق حركيّاً، الذي يستخدم كرسياً متحركاً، قد ينتظر كما يقول ساعتين في البرد القارس أو تحت الشمس اللاهبة، قبل أن يوافق سائق تاكسي على التوقف له. السبب كما يرى، أن عملية ركوب المعاق في السيارة «صعبة»، فهو يحتاج إلى مساعدة السائق عند ركوب السيارة وعند الخروج منها أيضاً، وبالتالي فإن سائقي سيارات الأجرة يفضّلون في الغالب أشخاصاً «أصحّاء»، لا يسبّبون لهم «الغلبة». حسام العاطل عن العمل، نموذج على المعاناة التي يقاسيها المعاقون حركيّاً في تنقلاتهم، أولئك الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية باقتناء سيارة، حتى مع الإعفاء الجمركي الذي وفّرته الحكومة لسيارات المعاقين حركيّاً. تلك لم تكن شكواه وحده، فقد التقت ے سبعةَ أشخاص يعانون من إعاقات حركية مختلفة، يضطرون معها إلى استخدام الكرسيّ المتحرك، وقد أكّدوا جميعهم سوءَ تعاطي سائقي سيارات الأجرة معهم. سوسن العبادي، 28 عاماً، من سكان ماركا الشمالية، تعاني خللاً في الأعصاب يجعلها غير قادرة على السير دون الاستناد إلى شيء، وهي لا تستخدم الكرسيّ المتحرّك في المنزل لأنها كما تقول تستند إلى الجدران وقِطع الأثاث، لكنها عند خروجها من البيت، تضطر إلى استخدامه. تقول إن سائقي التاكسي «سيّئون» معها، فهم في الغالب يرفضون التوقف، ومن يتوقف منهم فإنه يفعل ذلك بتأفف. عماد عاصي، 38 عاماً، موظف في بنك الإسكان، تعرض قبل 12 عاماً إلى حادث سيارة تسبب في بتر ساقه، وإحداث كسور في ساقه الأخرى، وقد اضطر إلى استخدام الكرسيّ المتحرك ثلاثة أشهر قبل أن تتعافى ساقه المكسورة ويتم تركيب طرف اصطناعي للساق المبتورة. يقول إنه خلال تلك الفترة كانت تنقلاته تمثّل مأساة حقيقية. «كان من المألوف، مثلا، أن أؤشّر لتاكسي، فيتوقف، لكن للشخص الذي أشّار له بعدي، فقط لأنه يمشي على رجليه». عماد، عضو الهيئة العامة في نادي المستقبل للإعاقة الحركية، يروي مشهداً يتكرر معه بعد أن عاد للسير بشكل طبيعي. «أحياناً عندما يرغب أحد أعضاء النادي بالعودة إلى منزله أقف معه في الشارع لأساعده على إيقاف سيارة، ويحدث كثيراً أن يتوقف سائقون، وعندما يكتشفون أن الذي سيركب هو الجالس على الكرسي المتحرك وليس أنا، ينطلقون بسرعة». هنا عون، 38 عاماً، تسكن في الوحدات، وتصف جانباً آخر لمعاناة ركوب سيارات التاكسي، وهو «الشعور بالإهانة» بحسب تعبيرها. فقد يقف السائق، لكنه لا يكلّف نفسه النزول ومساعدتها في طيّ الكرسي ووضعه في الخلفية. «أنتظر قليلاً، وإذا لاحظت أنه لا ينوي النزول أطلب من أحد المارّة مساعدتي». سائقو سيارات الأجرة الذين التقتهم ے، لم يعترف أيٌّ منهم بأنه يرتكب مثل هذه الممارسات بحق المعاقين، بل أكدوا جميعهم أنهم يمنحون هذه الشريحة الأولوية في الركوب. فالمعاقون كما يصفهم أحد السائقين: «كمان خلْقِة الله». لكن عبد المنعم العدوان، 29 عاماً، وهو سائق تاكسي منذ خمس سنوات، قال من واقع تجربته واطلاعه على ما يقوم به زملاؤه في المهنة، إن كثيراً من السائقين يتصرف فعلاً بهذه الطريقة، والسبب بحسب ما يرى، هو «الجهد والوقت الذي يجد السائق نفسه مضطراً لبذلهما». ويوضح ذلك بقوله: «على السائق في هذه الحالة أن ينزل من السيارة، ويساعد المعاق على النزول من الكرسي، ثم طيّ الكرسي ووضعه في الخلفية، وعليه تكرار هذه العملية عند الوصول إلى المكان المقصود». ويكمل العدوان: «السائق يحسبها؛ لماذا عليه أن يفعل ذلك إذا كان بإمكانه أن يقلّ شخصاً آخر يركب وينزل وحده، خلال ثوان». العدوان ينبّه من ناحية ثانية، إلى أن لدى السائقين صورة نمطية عن المعاقين بأنهم «فقراء»، وأن الراكب قد يفاجئهم عند وصوله بأنه لا يحمل نقوداً، وهو أمر يقول إنه «يحدث أحياناً». وجهٌ آخر لمعاناة راكبي سيارات الأجرة من المعاقين، يتمثّل في كونها تشكّل عبئاً مادياً عليهم. حسين علي، 35 عاماً، يعمل في كشك لشحن البطاقات الإلكترونية المخصصة لركوب الحافلات، انتقل من عمله في ماركا إلى رغدان لأنه كان يدفع يومياً ثلاثة دنانير أجرة للسيارة التي كانت تنقله من جبل النصر إلى ماركا، من راتبه الذي لا يتعدى 160 ديناراً. هذا المبلغ لم يكن ليدفعه لو كان لديه إمكانية استخدام المواصلات العامة، فغير المعاقين يمكنهم أن يتنقلوا بتكلفة قليلة نسبياً، باستخدام شبكة المواصلات العامة، لكنه خيار لا يتوافر للمعاقين، ذلك أن وسائل النقل العام ليست مهيأة لحملهم في الغالب. حسام ذهب مرة من عمان إلى الزرقاء، واضطر يومها لركوب الباص. يقول واصفاً المشهد: «حمل الركاب الكرسي، وأنا صعدت إلى الباص زحفاً». ومع ذلك، فإن هناك من تدفعهم ظروفهم المادية إلى استخدام وسائل النقل هذه بشكل دائم، والغريب أنهم يجدون أنفسهم مضطرين للتعامل، لا مع وسائل نقل غير مهيأة لركوبهم فقط، بل مع سائقين يستغلونهم، أو يتعاملون معهم بجلافة. أحمد حطّاب، 21 عاماً، من سكان الرصيفة، قصدَ مجمع رغدان، في يوم ماطر، وعندما همّ بركوب باص الرصيفة منعه السائق لأن «الكرسي المرافق له مليء بالطين وسوف يوسّخ المقاعد». اضطر أحمد للانتظار تحت المطر والبرد حتى وصل الباص التالي الذي كان صاحبه أكثر «حناناً»، فسمح له بالركوب، ولكن بعد أن أشار إليه أن يضع الكرسي على المقعد الخلفي لباص الكوستر، وليدفع أحمد بالطبع أجرة أربعة مقاعد. إجبار المعاق على دفع أجرة إضافية، ممارسة اعتاد عليها السائقون كما يقول أحمد، فسائق السرفيس يأخذ أجرة راكب إضافي عن الكرسي عند وضعه في «الطبّون»، أو قد يتذرّع بأن بابه تالف أو بعدم وجود مكان للكرسي، ويجبر المعاق على أخذ السيارة «طلب». بل إن أحمد يقول إنه تعرّض لممارسات أبعد من ذلك، فبعض سائقي الباصات على خط الرصيفة-رغدان يرفضون السماح له بالركوب، رغم معرفتهم بأنه يدفع أجرة أربعة مقاعد. «أعتقد أنهم يحسبونها، فأنا سأحجز المقاعد الأربعة من المحطة إلى الرصيفة، ولو أن أشخاصاً آخرين ركبوا بدلاً مني، فإن هناك احتمالاً لأن ينزل بعضهم ليركب آخرون، ويتجدد بذلك دفع الأجرة». الشركة المتكاملة للنقل المتعدد، اتخذت قراراً جيداً، عندما زوّدت أسطولها بثلاثين حافلة مخصصة للمعاقين حركيّاً. هذه الحافلات تتميز بأن أرضيتها الشصي منخفضة، ومصممة بحيث تنخفض أكثر عند ركوب المعاق، ثم يتم رفعه دون أن يكون هناك حاجة لنزوله عن الكرسي، ومن ناحية أخرى فإن الباص مزوّد بمساحات فارغة لاصطفاف الكراسي المتحركة مزوّدة بأحزمة أمان لتثبيت هذه الكراسي. هذه الحافلات، بحسب المدير العام للشركة مؤيد الطراونة، تمّ توزيعها على الخطوط التي من المفترَض أنها تشهد إقبالاً من ذوي الإعاقات الحركية، مثل التي تخدم الجامعات والمراكز الصحية في المدينة الطبية وطبربور ومرج الحمام، ولها مراكز انطلاق من مجمعات الجنوب والمحطة والرصيفة والجبل الشمالي. لكن معاقين قالوا لـ ے إنهم لا يستخدمونها، فـ«ليس لها مواعيد ثابتة، والعثور على أحدها في المجمّع أو انتظاره في الشارع أمر خاضع للحظ والصدفة»، وبذلك فإنها تبدو «غير عملية». الطراونة لم ينفِ ذلك، ويقول إن متابعات الشركة في الميدان أفادت بأن استخدام المعاقين لها «يكاد يكون صفراً». وهو يرى أن خضوعها لنظام الدور العادي، وعدم وجود مواعيد محددة لها، يسببان قلّة استخدامها، مستدركاً أن هناك دراسة تجريها الشركة حالياً لمعرفة أوقات الذروة بالنسبة لهذه الفئة من المواطنين، لبرمجة المواعيد على أساسها. هذا الأمر يستغربه معاقون، ويقولون إنه عندما يتعلق الأمر بتنظيم أوقات سير الحافلات، لا يجب النظر إليهم بوصفهم «فئة»، فهم كما يقولون «أشخاص عاديون، موزعون في كل مكان»، لهم الحق في أن يجدوا وسيلة نقل مناسبة في أي مكان أو زمان، مثل أيّ شخص آخر. لكن هذا كما يرى الطراونة «أمر صعب للغاية»، فتكلفة الحافلة المخصصة للمعاقين تزيد تقريبا بعشرة آلاف دينار عن تكلفة الباص العادي، ومع أنها تتمتع بإعفاء جمركي، إلا أن هذا الإعفاء لا يغطي أكثر من 60 في المئة من الفارق، وإذا أضيف إلى ذلك أن الحافلة المهيأة للمعاقين تتسع لعدد أقل من المقاعد، فإن هناك خسارة يومية تتحملها الشركة. هيئة تنظيم قطاع النقل العام أطلقت بارقة أمل عندما طرحت في آذار/ مارس 2010 عطاءً لتشغيل مكاتب تاكسي في محافظات عدة، وتضمن العطاء للمرة الأولى دعوة لتشغيل سيارات تاكسي مخصصة للمعاقين. معاناة مع التاكسي والباص والسرفيس، ولكن هل في إصلاح وسائل النقل، إنهاء لهذه المعاناة بالضرورة؟ الجواب كما يقول عماد: «لا»، إذ ما فائدة أن تهيئ وسيلة النقل لهم إذا لم تهيئ لهم الشوارع والأرصفة التي عليهم أن يسيروا عليها للوصول إلى أماكن تجمّع أو مرور وسائل النقل هذه؟ لا يفوت عماد بالطبع أن يشير إلى إنجازات أمانة عمان الكبرى في ما يتعلّق بالشوارع الرئيسية في العاصمة، التي روعي في تنفيذها احتياجات المعاقين حركيّاً، ولكن هذا لم ينطبق على الشوارع الفرعية في الأحياء السكنية. وهذه قضية أخرى لا بد من معالجتها. |
|
|||||||||||||