العدد 11 - عين ثالثة
 

تتجه الحوارات الجارية في القاهرة هذه الأيام في أغلب الأحيان إلى موضوع اعتلال صحة الرئيس حسني مبارك، وإلى ظهور محمد البرادعي في المشهد السياسي. وفي ما يتعلق بموضوع البرادعي، ثمة كثيرون من المتشككين بين أولئك الذين التقيتُ بهم، لكن معظمهم يرحبون بالرياح الجديدة التي أثارتها دعوات الرئيس السابق لوكالة الطاقة النووية إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية، على نحو يشبه كثيراً تلك الطريقة التي رحبوا بها بنسمات الربيع التي حسّنت نوعية هواء القاهرة فترة وجيزة، ثم يرتفع فوق حالته الكئيبة المعتادة.

أما الأمر الذي لا يحظى بما يكفي من الاهتمام في حوارات القاهرة، فهو موضوع طرحه تقرير جديد، صدر في 11 نيسان/إبريل عن مركز «المبادرة المصرية من أجل حقوق الإنسان» الذي يتخذ من القاهرة مقراً له.

يقدم تقرير المركز، من بين أمور أخرى، تحديثاً فصلياً للمعلومات حول حوادث العنف الطائفي، أو العنف القائم على أسس دينية. ويعود إلى تفاصيل الحوادث الثلاث والخمسين التي جرى الإبلاغ عنها خلال السنتين الماضيتين (ما بين كانون الثاني/يناير 2008، وكانون الثاني/يناير 2010) بهدف تحليل مغزاها. وتبدو التفاصيل مرعبة: ذلك أن إيقاع وأنماط الحوادث والتوترات الطائفية الخطيرة تشكل تهديداً بالغاً للتماسك والتناغم الاجتماعي المصري، فيما يعود في جزء مهم منه إلى استجابة السلطات لتلك الأحداث بطرق كانت، حسب تعبير التقرير، «غير مناسبة، وعنيفة، وقصيرة النظر، وغير قانونية في معظم الحالات».

وقد شهدت خمس محافظات في أعالي مصر - بما فيها بني سويف، والمنيا، وأسيوط- أكثر حوادث العنف الطائفي تكراراً وطولاً، أعقبتها في ذلك محافظات الدلتا، مثل المنوفية والشرقية. لكن القاهرة والإسكندرية كانتا استثناءً إلى حد ما. وتبدو الأزمة قائمة على المستوى الوطني؛ فقد جرت حوادث عنف خطيرة في 18 من أصل محافظات مصر التسع والعشرين. وقد عكست الحوادث كافة تقريباً وجود توترات بين المسلمين والمسيحيين الأقباط.

تنطوي أكثر الحوادث تكراراً وخطورة على ممارسة الانتقام الجماعي، وتتضمن في كل الحالات تقريباً هجمات يشنها المسلمون، والشبان منهم في العادة، ضد المسيحيين. وعادة ما تكون إساءة مستفزة (أو ما تُرى على أنها كذلك) يمارسها مسيحي ضد المسلمين، هي الشرارة التي تشعل جذوة الأزمة.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2009، على سبيل المثال، وفي محافظة قِنا، اتهمت عائلة مسلمة شاباً مسيحياً من قرية مجاورة باغتصاب ابنتها الشابة. ومع أن الشرطة قامت باعتقال المشتبه به، إلا أن آلاف المسلمين في المنطقة شعروا بأنهم ملزَمون بنهب وحرق منازل ومحلات في عدد من قرى المنطقة، لأن مالكيها كانوا يتقاسمون الدين نفسه مع المغتصِب المزعوم.

يبدو الكثير من هذه الانفجارات العنيفة عشوائية وتلقائية، لكن شهود عيان أبلغوا في بعض الحالات عن وجود مهاجمين يتحركون بطريقة منظمة، حيث يقومون بإخراج المسيحيين من بيوتهم ثم يعمدون إلى تدمير وتخريب بعض الممتلكات فيها قبل الانتقال إلى البيوت المجاورة. وعادة ما تتقاسم الهجمات التي تستهدف أماكن العبادة، أو محاولات يقوم بها المسيحيون لإقامة صلاة جماعية أو طقس ديني في أحد المنازل، هذه الخاصية أيضاً. وكثيراً ما تصدر الشرطة أوامر بوقف أعمال ترميم أو بناء للأماكن التي قد تُستخدم للعبادة، ربما بسبب خشية تعرضها لهجمات المسلمين، لكنهم ينتهكون في السياق حق المسيحيين في حرية العبادة.

يتعلق أحد أهم عناصر تقرير «المبادرة المصرية من أجل حقوق الإنسان» وأكثرها إحباطاً برد فعل الحكومة. وقد أخبرني مدير المركز حسام بهجت أنه يخشى من احتمال أن تشهد مصر اندلاعاً لأعمال عنف واسعة النطاق يقوم بها الغوغاء، تشبه تلك التي شهدتها نيجيريا في السنوات الأخيرة.

وعادة ما تستجيب قوات الأمن متأخرة عندما تثور أعمال العنف الطائفي، ونادراً ما يقوم المدّعون العامون بالتحقيق في الهجمات، ونادراً ما يواجه المتسببون المحاكمة. وعندما يقوم الضباط بتنفيذ الاعتقالات، فإنهم عادة ما يختارون عدداً متساوياً من المسلمين والمسيحيين تقريباً، ويعمدون إلى احتجاز المعتلقين من أجل الضغط على الضحايا لسحب شكاواهم ومطالبهم بالتعويض، ولو أن القانون المصري يحظر فرض مثل هذه «المصالحة» عندما تنطوي القضية على جرائم جنائية. وبهذا، يكون الإفلات من العقاب على جرائم العنف الطائفي هو العرف السائد.

في 28 شباط/فبراير، وفي خطابه السنوي بمناسبة المولد النبوي الشريف، دعا الرئيس مبارك رجال الدين، والمربّين، والإعلام والمجتمع المدني إلى «مواجهة مخاطر الانقسام، والتطرف والتحريض الطائفي»، مضيفاً: «إننا في مصر مدركون تماماً لهذه الأخطار». وفي وقت سابق، بعد وقوع أحداث نجع حمادي في كانون الثاني/يناير، كان مبارك قد تحدث عن الحاجة إلى «مواجهة النزعات الطائفية البغيضة التي تهدد وحدة مجتمعنا وتماسك شعبنا». لكنه يتوجب على المسؤولين ترجمة هذه الاعترافات المتأخرة بخطورة الأزمة، إلى نهج شامل يعالج مشكلات العنف الطائفي في سياق حماية حرية الدين والمعتقد للمواطنين كافة، وتعزيز سيادة القانون بطريقة لا يخالطها أي تمييز.

الأزمة الطائفية في مصر: المطلوب تعزيز سيادة القانون
 
01-May-2010
 
العدد 11