العدد 11 - من حولنا | ||||||||||||||
مع أن الانتخابات تعدّ أمراً داخلياً في أي بلد، فإنها في حالات مثل العراق، السودان، إيران وفلسطين، ترتبط إلى حد كبير بالعامل الخارجي وتوقعاته وما يريد. وفي العراق، منذ بدأ التحضير للانتخابات البرلمانية وسؤال الإقليم وتأثيره في نتائجها وتأثيرها فيه قائم، فالانتخابات في هذا البلد تعكس تنافساً مريراً بين لاعِبين إقليميين وغير إقليميين، أكثر من كونها عملية تجري بمشاركة قوى سياسية عراقية. المفارقة أن الحديث عمّا جرى ترسيخه منذ العام 2003 حول ضرورة التركيز على الهوية العراقية وتجنب البعدَين المذهبي والقومي، كان في الحقيقة بلا فائدة على المستوى السياسي. بل إن الدعوة إلى تجنب البعد المذهبي مثلاً انطوت على تذكير غير مباشر بهذا الجانب. لذلك تضمنت عملية تنظيم القوائم نوعاً من الدمج والخلط في الأسماء، لتجاوز هذه المسألة. على المستوى الشعبي، ثمة يقين بأن مزاج الناخب يبدو أكثر ميلاًَ لتجاوز المذهبية والطائفية عندما يكون بعيداً عن الانتخابات، وكلما اقتربت العملية الانتخابية تم تذكيره بذلك المستوى من الولاءات التي يرى فيها السياسيون أداة لحشد الرأي العام والناخبين خلفهم. المستوى الآخر للنقاش، هو محاولة تجاوز الهوية الضيقة، المذهبية والقومية، عبر الحديث عن قوائم علمانية تركز على وحدة الجغرافيا واحترام حالة التنوع. هذا الجدل استهدف تطوير النقاش السياسي بحيث يتم تجاوز الهويات الضيقة إلى هوية أكبر يبدو أنها لم تترسخ بعد في العراق الذي تأسست دولته الحديثة أوائل القرن العشرين. ثمة مسألة أخرى، تكمن في استبعاد الهوية الدينية، في هذا التوجه نأيٌ عمّا يعتقد بعضهم في العراق وخارجه، أنه سبب للأزمة الراهنة في عراق ما بعد 2003. في هذا السياق، يشار إلى أن الحديث بخطاب علماني لا يَظهر متزناً، لأنه ينظر إلى الدين أو المذهب بوصفه عامل أزمة، دون النظر إلى أدوات العلمانية الأخرى المرافقة كالمساءلة والشفافية ودعم منظمات المجتمع المدني بصرف النظر عن العملية الانتخابية، وهي مسائل تبدو مؤثرة في التقليل من حدة الحالة المذهبية القومية والطائفية في العراق، وربما في مجتمعات أخرى في المنطقة. وفي الوقت الذي بدأت فيه نتائج الانتخابات العراقية بالظهور، ظهرت مقولة «إيران تفوز بـ234 مقعداً، والعرب يفوزون بـ91». هذا الاستنتاج يكشف بوضوح الانعكاس الإقليمي لتلك الانتخابات. الرقم 234 ينطبق على جميع القوائم الشيعية والكردية التي تعدّ قريبة من إيران، مثل ائتلاف القانون برئاسة رئيس الوزراء نوري المالكي، والمجلس الأعلى برئاسة عمار الحكيم، والقائمة الصدرية التي تستمد قوتها من الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، إضافة إلى كيانات سياسية شيعية أخرى، وحزب التحالف الكردستاني. أما الرقم 91 فيمثّل القائمة العراقية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، التي تعدّ القائمة الممثلة للعرب السنّة. وفي هذا السياق، يأتي الحديث عن التنافس العربي الإيراني، بخاصة السعودي الإيراني. البلدان الجاران للعراق اللذان لا تسير العلاقة بينهما بشكل طبيعي، فهناك مستويات من الاختلاف، من بينها المسألة العراقية. وهناك موضوع العالم النووي الإيراني الذي اختفى في السعودية أثناء أدائه العمرة، والذي ظهر مؤخراً في الولايات المتحدة الأميركية. وهناك موضوع إنتاج النفظ، وعدم الرضا الإيراني عن مستويات الإنتاج السعودية، وتنظر إليه طهران بوصفه جزءاً من الحرب عليها لإرضاء الولايات المتحدة. الحديث عن الانعكاسات الإقليمية والفوز والخسارة في الانتخابات العراقية، يستلزم الإشارة إلى أن هناك جملة من الإجراءات التي اتخذتها هيئة المساءلة المشرفة على الانتخابات، التي اتبعت منهجية مجلس صيانة الدستور في إيران من خلال منع ترشُّح مجموعة من المرشحين الذي كانوا ضمن القائمة العراقية بحجة أنهم يروجون لحزب البعث الذي أصبح محظوراً بعد العام 2003. هذا الإجراء فُهم منه أنه محاولة للتأثير في تشكيلة البرلمان، وبالتالي إبقاء قائمة ائتلاف القانون التي يرأسها المالكي في وضع الأفضلية، بحيث تصبح هي المؤهلة لتشكيل حكومة عراقية. هذا التصور لدى القائمة العراقية ومؤيديها ربما دفعَ بحشد أكبر خلف القائمة، فأعطى نتيجة عكسية ولو بفارق بسيط. وقد فُسّر ذلك عراقياً وإقليمياً، على أنه حضور إيراني مبكّر في المشهد الانتخابي العراقي، الأمر الذي رفضته طهران، مؤكدةً أن موقفها من جميع التكتلات السياسية واحد، وأنها تقف على مسافة واحدة من تلك القوى. النشاط السياسي الذي قامت به الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات، يُظهر بوضوح صحة الحضور الإقليمي في الانتخابات وما بعدها، ففي الوقت الذي دعت فيه طهران زعماء القوائم العراقية الفائزة لزيارتها للتباحث، استقبلت الرياض الرئيس العراقي جلال طالباني ونائب الرئيس طارق الهاشمي ورئيس المجلس الشيعي الأعلى عمار الحكيم. هذا النشاط يكشف أن الكتل السياسية ترى حتمية التشاور مع هذين اللاعبين لضمان نجاح تشكيل الحكومة. في الأثناء يبدو واضحاً أن الرياض لا ترغب في عودة المالكي رئيساً للوزراء، كما أن طهران تبدو كأنها لا ترغب في أن يستمر ما تسميه القوى العراقية غير الشيعية «إقصاء للسنّة والعرب». وربما يعود ذلك إلى رغبة إيران في الحفاظ على صورتها في الشرق الأوسط، والنأي بنفسها عن أن تكون دولة طائفية. ولهذا الموقف تفسير مرتبط بما حدث قبل الانتخابات، هو أن طهران كانت تأمل أن ترى كل الأحزاب الشيعية في كتلة واحدة كما كان الأمر في الانتخابات البرلمانية الأولى، لكن المالكي لم يكن متشجعاً للفكرة بسبب علاقاته المتوترة مع الصدريين ومع المجلس الأعلى. كما أن تلك الأحزاب تبدو غير متحمسة للعمل من جديد مع المالكي. هذه التطورات التي أدت إلى تفرّق الصوت الشيعي بشكل أساسي، ربما تفسر تحقيق القائمة العراقية أغلبية بسيطة في مقاعد البرلمان الجديد، تؤهل رئيسها لتشكيل الحكومة وفق الدستور العراقي، المادة 76 جزئية 1، فإن أخفق، فإن الرئيس العراقي سيبحث عن شخصية أخرى قادرة على ذلك. نتائج الانتخابات لا تكمن معضلتها في تشكيل الحكومة التي يدور جلّ الحديث حول أن تكون حكومة شراكة وطنية، وكأن الكتل الفائزة الأساسية (ائتلاف القانون، العراقية والتحالف الكردي) ترى في مثل هذا الخيار فرصة للخروج من هذا النفق، فعيون زعماء «العراقية» و«ائتلاف القانون» مصوّبة على منصب رئيس الوزراء. الجانب الذي لا يقل أهمية في هذه المسألة هو معضلة اختيار الرئيس العراقي، فالبرلمان الجديد مكلف بعقد جلسة بعد أداء أعضائه القسم لغاية اختيار رئيس الجمهورية. الجزئية 1 من المادة 70 في الدستور العراقي، تشير بوضوح إلى أن مجلس النواب ينتخب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية، بأغلبية ثلثي عدد أعضائه. هذا يعني أن هناك حاجة أيضاً إلى توافق على الرئيس، بخاصة بعد تصريحات واضحة لنائب الرئيس طارق الهاشمي، حول ضرورة أن يكون الرئيس عربياً، ما يشير بوضوح إلى رغبته في الترشح. حصول التوافق على مثل هذا الموضوع يتطلب توافقات إقليمية يبدو أن الطريق غير معبّدة أمامها. الانعكاسات الإقليمية ترتبط هي الأخرى بقلق الجيران العرب من تبعات الانسحاب الأميركي المقرر في العام 2011، وإمكانية تحول العراق إلى دولة فاشلة تنشط فيها منظمات تستهدف أمنها، أو وجود حكومة ضعيفة تديرها طهران. هذا ما يفسر الجهد الدؤوب للتأثير في اختيار رئيس الوزراء والحكومة العراقية للأعوام المقبلة. من جهة أخرى، هناك حسابات إيرانية متعلقة بتطورات البرنامج النووي، بخاصة ما هو متعلق بإقرار عقوبات جديدة. طهران ربما تكون حريصة على أن لا يحقق أوباما مشروعه بالانسحاب من العراق كما هو مقرر، وذلك لإبقاء العراق مصدرَ استنزاف سياسي وعسكري لواشنطن، مع ترسخ قناعة طهران أن إدارة أوباما لا تختلف سياسياً عن إدارة بوش عندما يتعلق الأمر ببرنامجها النووي. التطورات البطيئة المتعلقة باختيار رئيس الوزراء العراقي -داخلياً وإقليمياً- تعطي انطباعاً بأنه حتى في حالة اختيار شخصية لتولي المنصب، فإن العراق ربما يبقى في المربع نفسه لسنوات أربع مقبلة، حيث ستبقى أصوات كثيرة في معسكر المعارضة وتبادل الاتهامات مع الحكومة المشكّلة، بما يؤثر حتماً على كفاءة الحكومة في مواجهة التحديات الأساسية المتعلقة بتوفير الخدمات والأمن. ويتعزز القلق من تبعات هذا السيناريو في حال انسحبت القوات الأميركية أو بالأحرى أعادت انتشارها، مما سيزيد من أعباء الحكومة العراقية في ما يتعلق بالمحافظة على الأمن. |
|
|||||||||||||