العدد 11 - الملف
 

استمراراً لروحية ميثاق الشرف الحكومي الذي «ألزمت» الحكومة نفسها به منذ تشكيلها في 14 كانون الأول/ديسمبر 2009، أعلن رئيس الوزراء سمير الرفاعي تشكيل لجنة وزارية لاختيار المرشحين للتعيين في الوظائف العليا في الدولة في 6 كانون الثاني/يناير 2010.

الرفاعي أكد أن عملية ملء شواغر الوظائف العليا، ستتم وفق أعلى معايير الدقة والموضوعية «بعيداً عن أي اعتبارات شخصية أو ضغوط». وقال إن المواطنين الأردنيين «سواسية في التنافس للفوز بهذه الوظائف» شريطة توفر معايير الكفاءة والجدارة والخبرة.

قرار تشكيل اللجنة قوبل بفتور في أوساط الرأي العام، بسبب غياب تقاليد مختبرَة في هذا المجال لدى الحكومات المتعاقبة. غير أن كتّاباً وجهوا انتقادات صريحة لهذا القرار مشككين بجدواه.

إذ تساءل الكاتب مصطفى الواكد في مقالة نشرها موقع عمون الإخباري، عن عدد الوظائف العليا التي مُلئت قبل تشكيل اللجنة وبالتزامن مع تشكيلها، مؤكداً أنه لا بد من «وضع وصف وضيفي يحدد المهام المنوطة بشاغل الوظيفة العليا والاشتراطات الواجب توافرها فيه، من المؤهلات العلمية والخبرات العملية والسجل الوظيفي».

أما الكاتب فهد الخيطان، فقد ذكّر في مقالة له في العرب اليوم، 9 كانون الثاني/يناير 2010، بأن حكومة معروف البخيت شكلت لجنة مشابهة، وحكومات أخرى سبقت فعلت الأمر نفسه، غير أن تلك اللجان «لم تصمد طويلاً»، بحسب الخيطان الذي عزا ذلك لخضوع عملية التعيين «لضغوط الوساطات ومزاج رؤساء الحكومات وتدخلات الجهات الأخرى في الدولة».

مجلس الوزراء كان قد تأخر ثلاثة أسابيع حتى قرر تشكيل اللجنة، وعيّن قبل تشكيلها ثمانية من كبار الموظفين والمستشارين، وأنهى خدمات أو قبل استقالة ثلاثة من شاغلي وظائف عليا. علاوة على أن الحكومة أنهت خدمات وقبلت استقالة ثلاثة في اليوم نفسه الذي شُكّلت فيه اللجنة، وعينت ستة في مناصب حيوية شملت: مدير عام المؤسسة الاستهلاكية المدنية، مدير عام بنك تنمية المدن والقرى، مدير عام صندوق التنمية والتشغيل، مستشار في وزارة الأشغال العامة، مدير عام المؤسسة التعاونية ونائب رئيس مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية.

في هذا السياق، يبدو واضحاً ما قصده الخيطان، حين أكد أن اجتماع مجلس الوزراء الذي اتخذ قرار تشكيل اللجنة «شكّل نكسة للّجنة الوزارية قبل أن تبدأ عملها»، بخاصة أن بعض التعيينات قد «خضع بالفعل لتدخل جهات عدة أوصت بفلان أو علان، فيما اتُّخذت قرارات أخرى على استعجال وعلى نحو مفاجئ ومن دون أي مبرر موضوعي معلوم للرأي العام».

في الفترة التالية، وقبل أن تنتهي اللجنة من وضع معايير وشروط تعيين كبار موظفي الدولة، حدثَ تسارع في ملء شواغر حساسة، شملت مدير عام شركة الكهرباء الوطنية، رئيس مجلس مفوضي هيئة المناطق التنموية، رئيس مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، مدير عام دائرة الأراضي والمساحة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، مدير عام مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بالوكالة. إضافة إلى سبعة من المحافظين في وزارة الداخلية.

استطلاع المئة يوم الذي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، كشف عن اهتزاز ثقة المواطن الأردني بمدى نجاح الحكومة في «تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والشفافية في التعيين والترقية في القطاع العام» بعد مئة يوم على تشكيلها. فقد بيّن الاستطلاع تراجع نسبة الذين أفادوا بأن الحكومة نجحت في معالجة موضوع «التعيين والترقية» من 52 في المئة إلى 45 في المئة في العينة الوطنية، فيما كانت نتيجة عينة قادة الرأي أكثر سوداوية، إذ كانت أصلاً دون 50 في المئة وهبطت إلى 40 في المئة.

وزير تطوير القطاع العام، وزير الدولة لشؤون المشاريع الكبرى عماد فاخوري، وخلال مؤتمر صحفي عقده في 21 شباط/فبراير 2010، لاستعراض خطط وزارته وبرامجها ومشاريعها، ردّ على سؤال حول مبررات تعيين القلاب رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون ومديراً عاماً لها بالوكالة، بقوله إن التعيين جاء بقرار من مجلس الوزراء «لظرف خاص»، معللاً ذلك بأن من صلاحية مجلس الوزراء تعيين من يراه مناسباً في الدرجات العليا والمراكز المتقدمة غير التابعة لديوان الخدمة المدنية، وذلك «دون تبرير القرار لأحد، وبعيداً عن سياسية الاسترضاء والضغط الشعبي» بحسب ما تناقلته مواقع إلكترونية.

من بين ردود الفعل على قرارات التعيينات التي قامت بها الحكومة في الفترة الأخيرة، تقدم المحامي فراس الروسان، وكيلاً عن المواطن رشدي الكراسنة، 22 نيسان/إبريل، بشكوى في حق رئيس الحكومة وأعضاء وزارته بتهمة «مخالفة الدستور وقانون الجنسية الأردني»، بسبب تعيين محمد صقر رئيساً لمجلس مفوضية العقبة الخاصة.

وقد قُدمت الشكوى لرئيس مجلس الأعيان بوصفه رئيس المجلس العالي لمحاكمة الوزراء. وتضمنت مجموعة من التهم منها: «إساءة استعمال السلطة، الإخلال بواجبات الوظيفة والحنث بالقسم الدستوري».

واستند الكراسنة في شكواه، إلى أن تعيين الصقر مخالف لقانون الجنسية الأردنية رقم 6 لسنة 1954 المادة 14، التي تنص على: «يُعتبر الشخص الذي اكتسب الجنسية الأردنية بالتجنس أردنياً من جميع الوجوه، إلا أنه لا يجوز له تولي المناصب السياسية والدبلوماسية والوظائف العامة أو أن يكون عضواً في مجلس الأمة إلا بعد مضي 10 سنوات على الأقل على اكتسابه الجنسية الأردنية».

وفي تعليقه على تشكيل اللجنة، أكد أستاذ الإعلام في جامعة اليرموك عزام عنانزة، أن المواطن فقدَ ثقته بمثل هذه اللجان لأسباب منها، أن ملء الشواغر العليا يتم على «قاعدة مختلّة التوازن»، مشدداً على أنه ليس المهم مَنْ هم أعضاء اللجنة، بل المهم هو الأسس والآلية التي تُعتمد لاختيار هذه الفئة من الموظفين «بما يكفل الإنصاف والعدالة».

لجنة الوظائف العليا تشكلت برئاسة رجائي المعشر، وعضوية كل من نايف القاضي وعماد فاخوري وجمال الشمايلة، جميعهم بصفاتهم الوظيفية، إضافة إلى الوزير المختص الذي لوزارته علاقة بالتعيينات المبحوثة.

اللجنة انتهت في 23 كانون الثاني/يناير، من وضع المعايير الخاصة بالوظائف العليا الشاغرة في الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية، سواء تلك الخاضعة لأحكام نظام الخدمة المدنية أو غير الخاضعة منها. وتضمنت المعايير المؤهلات العلمية والتخصص والخبرة العملية. غير أن الأهم من ذلك هو المنهجية والآلية التي سيتم بها التعريف بالوظائف وتعيين المرشحين.

على هذا الصعيد، أعلنت اللجنة أنه سيتم الإعلان عن الوظائف داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى الإعلانات الخارجية في صحيفتين يوميتين على مدار يومين، واستقبال طلبات التوظيف عبر البريد الإلكتروني والمقابلات الشخصية وصولاً إلى الامتحانات التنافسية.

لجنة الوظائف العليا: أربكت «شفافية» الحكومة بدلاً من إفادتها
 
01-May-2010
 
العدد 11