العدد 11 - الملف
 

جاءت حكومة سمير الرفاعي، حاملة معها مشروعاً لـ«إصلاح الإعلام» بحسب رؤيتها.

المشروع الذي طُرح بشكل فضفاض عشية إعلان تشكيل الحكومة في 14 كانون الأول/ديسمبر 2009، تُرجم سريعاً على أرض الواقع، إذ لم تمر سوى أيام معدودة حتى ظهرت «مدونة السلوك» التي أقرها مجلس الوزراء في 23 كانون الأول/ديسمبر 2009.

المدونة التي انقسم حيالها الجسم الإعلامي بين مؤيد ومعارض، جاءت في سبعة بنود ركزت على تنظيم العلاقة بين الحكومة والإعلام، حيث أعادت النظر في توزيع الإعلانات والاشتراكات الحكومية على الصحف، من خلال ربطها بـ«معايير مهنية» يحددها وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال نبيل الشريف، وذلك بـ«حجّة» القضاء على ممارسات الاسترضاء والمهادنة التي يحركها الخوف من الابتزاز أو السعي وراء الشهرة. كما أقرت عدم تعيين أي صحفي أو أي شخص عامل في أي وسيلة إعلامية في أي دائرة حكومية أو مؤسسة رسمية أو عامة أو بلدية، وذلك حفاظاً على استقلالية وسائل الإعلام بما يمكّنها من أداء دورها، ومنعاً لأي تضارب في المصالح.

ولإضفاء «المصداقية»، طبقت الحكومة شرط التفرغ على الكاتب في صحيفة الغد سميح المعايطة عندما عُين مستشاراً سياسياً لرئيس الوزراء، والكاتب في صحيفة الرأي عبد الله أبو رمان الذي عُين مستشاراً إعلامياً للرئيس.

قرار تفرُّغ المستشارين الذي رحّب به كتّاب وصحفيون عبر مقالات وتقارير في منابر إعلامية مختلفة، قوبل بنقدٍ ممن تضررت مصالحهم الشخصية، كما فعل عبد الهادي راجي المجالي الذي شنّ هجوماً على قرار «قطع الأرزاق»، متهماً وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال بالوقوف وراء القرار، وقد نشأ خلاف بين المجالي والشريف ارتفع منسوبه إلى حد مقاضاة الشريف للمجالي.

المجالي الذي عمل مستشاراً لأمين عمان، وحظي بامتيازات هذا المنصب لسنوات، جنّد الموقع الذي يملكه، وكالة أجبد الإخبارية، للتهكّم على الشريف، وفتح باب التعليقات التي حملت أنفاساً إقليمية، واكتظت بالتعابير التي تخرج عن إطار المهنية.

حظيت المدونة بترحيب من صحيفة الرأي التي تملك الحكومة عبر الضمان الاجتماعي 55 في المئة من أسهمها، إذ عدّت المدونةَ، بعد إقرارها بيوم واحد من مجلس الوزراء، «الحل الأمثل للقضاء على الممارسات التي لم تعد مقبولة». وجاء في زاوية «رأينا» التي حملت عنوان «مدونة السلوك الإعلامي.. تسمية الأشياء بأسمائها»، امتداحاً للمدوّنة بوصفها «الكفالة» لإعلام حر ومستقل.

واتفقت معها في وجهة النظر صحيفة الدستور التي يملك الضمان 30 في المئة من أسهمها، والتي انتقل الشريف من رئاسة تحريرها إلى حكومة نادر الذهبي وزير دولة لشؤون الإعلام والاتصال، قبل أن يعود مع الحكومة الحالية بالموقع نفسه. إذ هاجمت الصحيفة من اتهمتهم بمحاولة إفشال تجربة المدونة، وأعادت مقالة لمحرر الشؤون المحلية في الصحيفة نُشرت في 4 نيسان/إبريل 2010 بعد مئة يوم على حكومة الرفاعي، التأكيد على ما تتضمنه المدونة من شفافية في التعامل مع الإعلام.

من الناحية الأخرى، هناك من لم يرحّبوا بالمدونة، منهم مدير تحرير صحيفة العرب اليوم فهد الخيطان، الذي قال في اتصال هاتفي مع ے، إن المدونة «لم تُضف أي شيء إلى الإعلام، ولم تنعكس على واقع تطوير الإعلام وقدرته على الحصول على المعلومات».

وكان الخيطان قد انتقد في مقالته، 30 كانون الأول /ديسمبر 2009، قيام المدونة بوضع الصحافة الأردنية في «سلّة واحدة»، من خلال شمول الصحف اليومية بقرار إلغاء الاشتراكات، والمعايير الجديدة بنشر الإعلانات. وبحسبه، فإن الإجراءات التي أقرتها المدونة أسست لأسلوب جديد من الابتزاز من طرف المسؤولين ضد الصحف.

هذا الموقف من المدونة يتقاطع مع ما ذهب إليه رئيس مركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور الذي قال لـے إن الحكومة في تعاملها مع الإعلام «بدأت بالسلّم بشكل عكسي».

وفي الوقت الذي يؤكد فيه منصور «المضامين الجيدة» التي طرحتها المدونة، يرى أنه «كان الأجدر بالحكومة تغليب الأولويات في التعامل مع ملف الإعلام، من خلال التركيز على الحريات واستقلال الإعلام قبل الحديث عن الاشتراكات والإعلانات والمستشارين الحكوميين».

الحكومة التي أقرت المدونة للدفاع عن صحافة حرة وفقاً لرؤيتها الخاصة، اصطدمت مع إعلام لم تألف التعامل معه، حيث وجدت نفسها مكشوفة أمام هجوم الصحافة الإلكترونية، غير الخاضعة للرقابة والتي لا تطبّق المعايير المهنية، ما استدعى «تدخل» الحكومة، الذي وصفه الخيطان بـ«غير الموفّق»، لأنه كما يرى، لم يكن بهدف تصويب المسار بقدر ما هو لِلَجم قدرة المواقع على نقد الحكومة.

الحكومة وجدت في قرار محكمة التمييز الصادر في 12 كانون الثاني/يناير 2010، فرصة مواتية لإحكام قبضتها على الإعلام الإلكتروني. كان القرار قضى بإخضاع المواقع الإلكترونية المحلية التي يتجاوز عددها مئة موقع، إلى قانون المطبوعات والنشر.

منصور يقول إن الحكومة «سعدت بقرار محكمة التمييز»، لكنها وجدت نفسها أمام مشكلة تحويل القرار إلى قانون يتناسب والمواقع في ظل وجود إشكالات قانونية في القضايا التي تُرفع على الصحافة الإلكترونية. هذا ما دفع الحكومة بحسب منصور، إلى الضغط كي تقوم المواقع بعملية «تنظيم ذاتي»، من خلال مدونات سلوك خاصة بعملها، في انتظار إيجاد آلية مناسبة لتسهيل عمل المواقع ضمن قانون المطبوعات.

الحكومة التي بدت «جادة» في معالجة ملف الإعلام الخاص، مُنيت بحالة من «الخذلان» بعد أن عجزت أدواتها الإعلامية من تلفزيون وإذاعة ووكالة أنباء، عن تحويل ملف فساد توسعة مصفاة البترول للقضاء، إلى «نصر حكومي»، فبحسب استطلاع المئة يوم على تشكيل حكومة سمير الرفاعي الذي أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية، 15 آذار/مارس، فإن 50 في المئة فقط ممن شملهم الاستطلاع كانوا على معرفة بإجراء الحكومة المتعلق بملف توسعة المصفاة.

تراجع دور الإعلام الرسمي تؤكده دعوة وزير الإعلام الأسبق إبراهيم عز الدين إلى مزيد من الاهتمام بهذا الإعلام الذي ما زال أمامه «الكثير» بحسب تعبيره، مضيفاً أن الإذاعة والتلفزيون الرسميَّين «يحتاجان إلى تطوير منهجي».

إعلامي شغل مناصب رسمية عدّة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، يرى أن القائمين على الإعلام الرسمي ينتمون إلى عقلية «الدفاع عن الأردن وأمنه أولوية»، دون إيمانهم بأهمية تفعيل «إعلام الدولة»، الأمر الذي انعكس سلباً عند معالجة إعلام الدولة لقضية إضرابات المعلمين، عندما وصف الناطق الرسمي باسم الحكومة نبيل الشريف، 21 آذار/مارس، المضربين بأنهم يخدمون «أجندات سياسية ضيقة» تهدف إلى تشويه سمعة الأردن. وكذلك الغياب التام للإعلام الرسمي، التلفزيون بخاصة، عن تغطية أحداث العنف المجتمعي، وأبرزها ما جرى في السلط منتصف نيسان/إبريل 2010.

الإعلام الرسمي يفتقر كذلك إلى الرؤية الإستراتيجية المعاصرة، في وقتٍ برزت فيه على السطح خلافات شخصية بين بعض رموزه، زادت من تدني مستوى الأداء المهني، بخاصة ما يجري في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون. فثمة خلاف حاد بحسب صحفي في الإذاعة والتلفزيون طلب عدم نشر اسمه، بين رئيس مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون صالح القلاب والناطق الإعلامي باسم الحكومة. وهو خلاف يلخصه الصحفي بوصفه «خلاف رؤوس»، استعمل فيه القلاب سلطته وأدواته لتهميش الناطق الإعلامي والتضييق عليه في ما يتعلق ببثّ مؤتمراته ولقاءاته الصحفية، على شاشة التلفزيون.

ووفق مصدر تنفيذي في التلفزيون الأردني طلب عدم نشر اسمه أيضاً، فإن القلاب يدير المؤسسة بـ«فردية مطلقة ومنفّرة»، و«يجب أن تمرّ من أمامه كل أسماء الذين سيَظهرون على الشاشة، وهو الذي يحرر الأخبار»، ولديه قائمة طويلة لأسماء شخصيات يُمنع ظهورهم على الشاشة لأنه «لا يحبّهم». وينهي هذا المصدر كلامه بقوله إن القلاب جيء به «لإنقاذ المؤسسة»، لكنه في ما يبدو «خلّص عليها».

وبحسب متابع للشأن الإعلامي ومدرِّب فضّل عدم نشر اسمه، فإن البرنامج الإعلامي الذي يشكل جزءاً من خطة عمل حكومية للرفاعي، بدا «مراهقاً» في تعامله مع الإعلام عبر مدونة السلوك، و«عاجزاً» أمام المواقع الإلكترونية، وغير قادر حتى على نقل وجهة نظر الحكومة والتأطير من أجل دعم برامجها. لكن هذا البرنامج ظهر أكثر «جدّية» في الالتفات إلى هموم العمل الصحفي عندما تم إلحاق دائرة المطبوعات والنشر بوزارة الثقافة في 16 شباط/فبراير 2010، لتتحول الدائرة بذلك من نطاق الرقابة، إلى مؤسسة تعمل على إشاعة حريات النشر.

قرار إلحاق «المطبوعات» عدّه عز الدين انتصاراً لحرية الإعلام، مؤكداً ضرورة مواصلة الجهود لإجراء تعديلات على قانون العقوبات لإلغاء عقوبة الحبس عن جميع قضايا الرأي. ورغم التوتر الذي شاب علاقة الإعلام مع الدولة، يبدي عز الدين تفاؤلاً بمستقبل التفاعل بين الحكومة والإعلام، معتقداً أن الصحف اليومية باتت «تتمتع بمساحة جيدة من الحرية، وتستطيع معالجة القضايا الحكومية بكثير من المهنية». ويقول لـے: «الصحافة المكتوبة قطعت شوطاً مهماً، لكن يبقى أمامها بعض الخطوات لتنتقل إلى مصاف الصحافة الحرة».

رغم أن الحكومة حملت على عاتقها إصلاحه - الإعلام الرسمي يراوح في مربّعه الأول
 
01-May-2010
 
العدد 11