العدد 11 - الملف
 

إدارة الحكومة لملف تعديل قانون الانتخاب تعيد المرء إلى لعبة «كمّستير» أو «طمّاية» التي يمارسها الأطفال في أنحاء البلاد.

فالطفل الذي يحرس «الكمستير» الذي قد يكون حائطاً أو شباكاً أو باباً، يسعى كل جهده للحيلولة دون وصول أقرانه إليه بعد أن يعطيهم فرصة الاختفاء في محيط المكان.

لقد تعاملت الحكومة مع المسألة كما لو أن أمر قانون الانتخاب يعنيها وحدها، فشكلت له لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة، وهي لجنة لا تخاطب الرأي العام بأكثر من تصريحات مجزوءة، تتكرر فيها العبارات التي باتت معروفة عن موعد الانتخابات في الربع الأخير من العام، وتحسين إجراءات العملية الانتخابية، وعن أوامر الملك عبد الله الثاني للحكومة بإجراء انتخابات تكون «أنموذجاً في النزاهة والحيادية والشفافية».

تعاطي الحكومة مع موضوع الانتخابات «ليس مفتوحاً، ولا يبدو أنه تشاركي بالدرجة المطلوبة»، بحسب وصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك محمد المومني الذي يضيف أن تعامل الحكومة في هذا الموضوع «محاط بدرجة من عدم الوضوح والضبابية».

اللجنة الوزارية لم تُشرك المجتمع المدني، وبخاصة الأحزاب السياسية، في استكشاف آفاق تطوير قانون الانتخاب باتجاهات توافقية، وتجاهلت دعوة ملتقى أحزاب المعارضة في أواسط شباط/فبراير 2010 إلى «إعادة تشكيل اللجنة الحكومية بإشراك ممثلي الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني للخروج بقانون انتخاب ديمقراطي»، ولا هي أدارت حواراً وطنياً مفتوحاً حول تعديل القانون للغاية نفسها.

فوق ذلك، لم تمارس لجنة قانون الانتخاب الحدَّ الأدنى من الشفافية في الإفصاح عن منطلقاتها وآلية عملها ومستوى التقدم الذي تحرزه، وقفزت فوراً إلى الإعلان عن الموعد الذي تتوقع أن تنتهي فيه من إعداد التعديلات على القانون، وهو «نهاية نيسان/إبريل»، كما جاء في حديث وزير الداخلية نايف القاضي لـے، المنشور في العدد التاسع؛ و«نهاية أيار/مايو» كما جاء على لسان وزير التنمية السياسية في تصريحاته الصحفية.

قانون موَجَّه بالنتائج

قدّمت حكومة الرفاعي نفسها بوصفها تسعى إلى تحقيق «إدارة موجهة بالنتائج». ومع أن البلاد استبشرت خيراً بهذا التوجه، إلا أنها اكتشفت أن الحكومة تفتقر إلى العمل بروحية هذه النظرية.

فالنزاهة التي وعدت الحكومة أن تلتزم بها، مسألة على جانب كبير من الأهمية، لأنه من دون نزاهة يبدو الأمر عملية تعيين وليس انتخابات. لكن النزاهة لا تتقرر على مستوى الادعاء اللفظي. وليس أدل على ذلك من أن الحكومة التي أشرفت على انتخابات 2007، لم تألُ جهداً في تأكيد أنها ستُجري انتخابات نزيهة وشفافة حينئذ، ومع ذلك، كانت انتخابات 2007 الأسوأ منذ العام 1989.

هذا يعني أن من يريد إجراء انتخابات نزيهة، عليه أن يثبت صدق نواياه من خلال ضمانات مؤسسية متفق عليها، فـ«الإدارة الموجهة بالنتائج» تعني هنا أن ترسم نزاهة الانتخاب المنشودة، معالم الإجراءات المتخذة وطبيعتها. فقد ملّ المواطنون أن يُفرض عليهم في كل مرة «شراء سمك في بحر».

هذا يفسر عدم ثقة المجتمع المدني وفي طليعته الأحزاب السياسية، بإدارة وزارة الداخلية للعملية الانتخابية. ولهذا تدعو أحزاب المعارضة إلى إصلاح إدارة العملية الانتخابية بـ«تشكيل لجنة وطنية عليا للانتخابات برئاسة كبار القضاة وعضوية مؤسسات المجتمع المدني ومشاركة ممثلين عن الأحزاب السياسية»، بحسب ما جاء في البيان الصادر في 17 شباط/فبراير 2010 عن ملتقى المعارضة.

أحزاب المعارضة لم تكتفِ بذلك، بل طالبت بـ«إشراك مؤسسات المجتمع المدني الدولية في مراقبة سير عملية الانتخاب»، في مطلع البيان الصادر عن ملتقاها المنعقد بعنوان «من أجل قانون انتخاب ديمقراطي».

ينص قانون الانتخاب «المؤقت» لسنة 2001 على تشكيل لجنة عليا خماسية للإشراف على الانتخابات برئاسة وزير الداخلية. لكن حتى هذه اللجنة الحكومية التي تتشكل من أمين عام وزارة الداخلية، ومدير دائرة الأحوال المدنية والجوازات، وقاضٍ من الدرجة العليا، ومدير مديرية الانتخاب في وزارة الداخلية، لا تمارس أيّ صلاحيات ذات شأن، لأن القانون نفسه يحيل إلى وزير الداخلية صلاحية تشكيل اللجان المركزية التي تشرف على الانتخابات في المحافظات برئاسة المحافظين، كما يتلقى الوزير منها نتائج الانتخابات ويعلنها دون العودة للجنة العليا.

جانب آخر تغفله لجنة قانون الانتخاب الوزارية، يتمثل في وظيفة القانون بتحقيق هدف جوهري هو «الإسهام في تطور العمل السياسي الحزبي»، بحسب ما نص عليه كتاب التكليف الملكي، وأكد عليه رئيس الوزراء المكلف في رده على كتاب التكليف.

إذن، إذا كانت اللجنة الوزارية جادّة في ترجمة كتاب التكليف ووعود رئيس الحكومة بهذا الخصوص، فليس أقل من أن تستشير الأحزاب، وتطلب منها تقديم مقترحات كفيلة بتطوير العمل الحزبي، وقديماً قال العرب: «أهل مكّة أدرى بشعابها».

في كل الأحوال، فإن قانون الصوت الواحد على النحو الذي طُبّق فيه منذ العام 1993، مثّلَ «وصفة سحرية» لـ«تخريب» العمل الحزبي. هذا أمر لا يختلف عليه اثنان في المجتمع المدني، وبالتالي فإن استمرار التبشير الحكومي بأن تعديلات قانون الانتخاب لن تتجاوز سقف الصوت الواحد، معناه الإمعان في إقفال الباب أمام تطوير العملية الحزبية.

لكن هذا المنحى في إدارة الظهر لمتطلبات الإصلاح السياسي، أصبح مقلقاً، ليس فقط لأنه يبدّد فرص النهوض بعمل الأحزاب، بل بسبب تأثيره السلبي اليوم على الحياة الاجتماعية بدرجة أكبر، وتشجيعه الناس للاستعاضة عن الاندماج الوطني على أُسس الانتماء للوطن، بالاندفاع أكثر فأكثر نحو الانتماءات الفرعية.

عبلة أبو علبة، عضوة المكتب السياسي لحزب الشعب الديمقراطي (حشد)، تتفق مع هذا التشخيص، وتشدّد في حديثها مع ے على أن قانون الصوت الواحد وما أفرزه من مجالس نيابية منذ العام 1993، «أسهم في تفتيت وحدة المجتمع الأردني»، مستشهدة على ذلك بما تشهده البلاد منذ فترة من «طوشات عائلية وعشائرية».

وتدقّ أبو علبة ناقوس الخطر أمام الحكومة كي تتحمل مسؤولياتها في إصلاح قانون الانتخاب، مؤكدة أن الحاجة إلى الإصلاح ليست ترفاً، بل هي «متطلَّب أساسي من متطلبات الأمن والاستقرار الاجتماعي»، على طريق استعادة هيبة الدولة وفرض سيادة القانون.

الطريق غير الشفافة التي تتعامل فيها الحكومة مع قانون الانتخاب، باتت توحي بأن ما ستجريه من تعديلات يشبه إلى حد بعيد ما جاءت به حكومة علي أبو الراغب ضمن قانونها «المؤقت» لسنة 2001 وتعديلاته، مقارنة مع قانون الانتخاب الأسبق لسنة 1986.

فمقابل تحسين إجراءات العملية الانتخابية، وزيادة عدد مقاعد المجلس، وإقرار كوتا نسائية من ستة مقاعد، أقدم القانون آنذاك على تفتيت الدوائر الانتخابية، أي أنه فاقمَ النتائج السلبية لقانون الصوت الواحد.

هذه المرة أيضاً، قد لا يكون في جعبة اللجنة الوزارية سوى ستة مقاعد إضافية للنساء، وزيادة إجمالية طفيفة على عدد مقاعد المجلس، مقابل تحسينات إجرائية في العملية الانتخابية، وربما مزيد من تفتيت الدوائر، حسب ما «يُشاع» هنا وهناك.

إذا كانت الحكومة غير جاهزة لاعتماد قانون أفضل من الصوت الواحد في هذه المرحلة، فلا أقلّ من أن تبتعد عن أي تفتيت إضافي للدوائر الانتخابية، فهذا مدمر للبلد، وهي مطالَبة بأن تنفتح في الوقت نفسه على المجتمع السياسي، وتقدم له حلاً انتقالياً يتضمن إعادة النظر بمنظومة العمل العام من قوانين الاجتماعات العامة والأحزاب والجمعيات والمطبوعات في اتجاه دمقرطتها، وسنّ «قانون ممارسة العمل السياسي»، بروحية التوصيات التي اقترحتها اللجنة التوجيهية الملكية للأجندة الوطنية، وهي لجنة عيّنها الملك عبد الله الثاني، ولم تأتِ محمولة على أكتاف الجماهير. في هذه الحالة، وفي مثل هذا المناخ الانفراجي، يمكن أن تترك الحكومة للمجتمع أن يتوافق على قانون الانتخاب الجديد في فترة ولاية مجلس النواب المقبل.

المومني، يتوقع أن ينحصر التعديل الفعلي على قانون الانتخاب، في رفع عدد مقاعد الكوتا النسائية، إلى 12 مقعداً. ويضيف أن هذا، وإن كان جيداً من حيث المبدأ، إلا أنه «ليس أولوية في هذه المرحلة أمام الحاجة إلى إعادة النظر في نظام الانتخاب وتقسيم الدوائر الانتخابية بما يستجيب لمطالبات قطاعات واسعة من الرأي العام، في اتجاه إصلاح القانون ودمقرطته».

من جهتها، ترى أبو علبة أن النظام الانتحابي المثالي هو نظام التمثيل النسبي الكامل، لكن إعمالاً لمبدأ التدرج في الإصلاح، هناك توافق وطني واسع على النظام المختلط، بما يتضمن «أن يكون للناخب صوتان؛ واحد لمرشح في دائرته الانتخابية، وآخر لقائمة نسبية برامجية على مستوى الوطن سواء كانت حزبية أو ائتلافية، على أن يتم توزيع المقاعد النيابية مناصفة بين الدوائر والقوائم».

النظام الانتخابي الذي تتبناه المعارضة بديلاً لقانون الصوت الواحد، يمثل إحدى صيغتين اقترحتهما الأجندة الوطنية 2006-2015 للنظام المختلط. هذه الصيغة تتقاطع مع المقترح الذي بلوره المركز الوطني لحقوق الإنسان أواخر العام 2009 نتيجة حوارات نظمها على امتداد البلاد، لكن صيغة المركز الوطني تختلف في أنها تقترح تشكيل القوائم النسبية البرامجية على مستوى المحافظة وليس على مستوى المملكة.

رغم أن لجنة قانون الانتخاب الوزارية، سعت إلى إيهام الرأي العام أنها ستدرس كل الخيارات لتعديل القانون، إلا أنها تجاهلت ما هو جوهري، وهو الانطلاق من المبادرات الوطنية ذات المنحى التوافقي، لبلورة الصيغة المنشودة، وفي مقدمتها تلك التي بلورتها الأجندة الوطنية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان، والأحزاب السياسية.

غير أن ما تنبغي الإشارة إليه، هو أن انحياز اللجنة الوزارية للصوت الواحد وجعله سقفاً لعملها، وفقاً للتقديرات المتداولة حتى الآن، هو انحياز للصيغة الأسوأ من بين ترجمات نظام الصوت الواحد، والأكثر تقييداً للحياة السياسية والحزبية، وليس أدل على ذلك من أن الأجندة الوطنية اقترحت أيضاً نظاماً انتخابياً مختلطاً يقوم على الصوت الواحد، بحيث يعطيه الناخب إما لمرشح في دائرته أو لقائمة نسبية حزبية أو ائتلافية، وهذه الصيغة معروفة جيداً لعضو اللجنة وزير التنمية السياسية موسى المعايطة، لأنه أجرى دراسة عليها مع فريق من الباحثين قبل أن يصبح وزيراً.

تعامل الحكومة مع قانون الانتخاب: كمّستير!
 
01-May-2010
 
العدد 11