تعاقبت عليها القرون والعقود، مخلفةً حضارةً محفورةً في وجدانها، ومزينةً عروقها، تلك المدينة الممتدة على الحدود الشرقية للعاصمة عمان، التي يتخلل جسدها بقايا نهر كان سبباً في تسميتها «الزرقاء».

من عصر الأكّاديين تبدأ حكاية المدينة، فمنهم نالت الاسم، حيث تعني كلمة «الزرقاء»: «منطقة المياه» في اللغة الأكادية، مروراً بالأشوريين والفرس واليونانيين والرومان والعرب والمسلمين. ولا شك في أن كل هذه الحضارات قد خلفت موروثاً ثقافياً واجتماعياً أعان أهل المدينة وساكنيها على إكمال المسيرة نحو الجميل والأصيل، ومتابعة الحلم والأمل بمستقبلٍ أنجح.

تأخذك هذه المدينة العريقة من زمن لآخر، ومن قصة لأخرى، وأنت تتجول في أرجائها، فمن قصر شبيب والحلابات والعديد من الآثار التي تعدّ دليلاً على الحضارات المتوالية عليها، إلى الخط الحديدي الحجازي الذي أكسبها سمةً خاصة، وأتاح لها فرصة التواصل مع الشام والحجاز مما عكس عليها تطوراً اقتصادياً تجارياً واجتماعياً ثقافياً أيضاً، مروراً ببلدية الزرقاء وسعيها الملحوظ لتطوير مناحي حياتها، والمؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات.

وهناك المؤسسات الحكومية المتعددة والمتناثرة في أنحائها، ومؤسسات الجيش التي أسهمت في التقدم الحضاري، وكانت سبباً في زيادة عدد السكان من خلال انتقال عائلات الجنود للعيش فيها، إلى النوادي الثقافية والاجتماعية التي تحتضن الكثير من العقول النيرة والإبداعات الوفيرة التي كان لها الأثر الكبير في تطور المدينة ثقافياً، ومن أبرز الأمثلة على ذلك رابطة الكتاب الأردنيين، ونادي أسرة القلم، ومنتدى الزرقاء للثقافة والفنون، ومركز الملك عبد الله الثاني للثقافة والفنون، والنوادي الرياضية المتعددة، والجمعيات المتنوعة، ولا ننسى هيئة شباب «كلنا الأردن» لما قامت به من نشاط واسع داخل المدينة.

هذه هي الزرقاء، ما زالت تنجب شباباً بعمر الياسمين، يغرسون ويحصدون ويمسحون ندى جباههم بيد الأمل، يقبضون على الأرض بسواعدهم الشديدة، يتمسكون بها لتتمسك بهم، وينهضون بها لتنهض بهم، وتسمو حيث السماك، وتعلو لتتبوأ أعلى المراتب بفضل عشقهم اللامتناهي وحبهم المنقطع النظير.

ولأنها مدينة عريقة طموحة شابة هدفها التطور والتحديث، أُعلنت مدينة للثقافة الأردنية للعام 2010 ، وهي بلا شك تستحق هذا التكريم، وبلدنا العزيز يستحق منها كل الجد والمثابرة لجعل هذا العام قنديلاً تستهدي به للأجمل، وحدثاً لامعاً يُحكى عنه في المستقبل.