العدد 10 - بورتريه
 

لها من اسمها نصيب، فهي «رابحة»، لأنها كما تقول «ربحتُ محبة الناس وثقة القائد»، وكانت أول سيدة تعين بمنصب محافظ في وزارة الداخلية، والأولى محافظاً لجرش.

تشرح رابحة الدباس، وهي أم لابنتين، لارا ولانا، أن ما أوصلها للمنصب هو مثابرتها وإصرارها وقوتها، ولو لم تكن كذلك «زمان رحت»، وتؤكد أنه لو عادت بها الحياة ستسير بالمثابرة ذاتها، وتعمل على الإنجاز نفسه، وفوق ذلك تطمح أن تكون أول رئيسة وزراء.

حلمت مذ كانت على مقاعد الدراسة في «مدرسة الراهبات» أن تتسلم منصباً مميزاً، أو أن تكون رائدة في أحد المجالات. وكانت تحب أن تصبح طبيبة، لكن حينما حصلت على منحة لدراسة الطب في سوريا، لم يوافق والدها.

كان أكثر من أدخل في نفسها حب دراسة الطب، مدرّس «الأحياء» فيكتور بيلا، وتبدي إعجابها بمديرة مدرستها، حينذاك، ميري برنارد حلو التي تصفها بالحزم والرقة، ما ترك في شخصية رابحة، التي تتواصل مع صديقات المدرسة باستمرار، آثاراً من قوة الإرادة.

رابحة التي جاءت في آخر العنقود من العائلة، بعد رباب وهاني وغازي ومنذر ومعاوية ومروان، درستِ الإدارة العامة والعلوم السياسية في «الأردنية»، وخلال دراستها، كانت تحلم أن تصبح سفيرة. غير أنها تزوجت في السنة الأخيرة، وأمست «سفيرة في منزل الزوجية»، بحسب تعبيرها.

تصف رابحة الإدارة بأنها فن، وهي تميل أحياناً لأن تكون «تاتشرية»، وأحياناً يتطلب الأمر أن تكون «غاندية».

تقول: «الإنسان الذي يدّعي إنه يعرف كل شيء يحكم على نفسه بالفشل، لأن الإنسان يقضي حياته وهو يتعلم». والديمقراطية عندها مشورة وسؤال. وعندما قيل إنها عينت محافظاً على «كوتا» المرأة، ردت: «لا، أنا لكل المجتمع، وأقف من الجميع على مسافة واحدة».

سافرتْ في السبعينيات إلى أميركا، وعملت في شركة تأمين، وعندما عادت، اشتغلت في وزارة العمل مديرة لدائرة المرأة، فطلبت من وزيرها آنذاك الموافقة على تأسيس حضانة، فكانت «العمل» أول وزارة تؤسس حضانة.

عملت في الثمانينيات في صندوق الأمم المتحدة السكاني واليونسكو، وتصف عملها بأنه كان ممتعاً وحيوياً لأنه يمس حياة المواطن. حفزها ذلك، لدراسة مبحث الدراسات السكانية ونيل درجة الماجستير.

عملها في مناصب متنوعة أغنى تجربتها. فقد أعدّت وقدمتْ للتلفزيون الأردني برنامج «من حياتنا اليومية» الاجتماعي. وهي طباخة ماهرة، تحضّر كل المناسبات بنفسها، وتتقن إعداد الأكلات العربية والأجنبية.

تعشق المطالعة، بالعربية والإنجليزية، وتلمّ بالفرنسية أيضاً. وأكثر كتاب أعجبها نساء النبي. وبين يديها هذه الأيام كتاب كامل العجلوني المرأة في الديانات. تقرأ الصحف لمتابعة الشأن العام، وتهوى الرياضة التي مارستها لاعبة «فولي بول» في المدرسة. وكانت أول من أسس نادياً نسائياً رياضياً في الأردن.

عن يوم تعيينها محافظةً لجرش في 31 كانون الثاني/يناير 2010، تقول «كنت أتمناه منذ كنت صغيرة. دخلت ميداناً يعد حكراً على الرجال، وحققت أمنيتي». كان أول المهنئين ابنتها لانا، وذكرت أنها شعرت بتهدج صوت أخيها منذر وهو يبارك لها. أهمية تعيين رابحة الدباس في هذا المنصب، يفسر قضاءها شهراً تستقبل المهنئين. وتبوح لنا ببعض مشاعرها: «لو كان والداي اللذان زرعا فيَّ الثقة في النفس، أحياء لفرحا لتعييني».

عندما تسلمت المهمة لم يكن لديها شك في قدرتها على النجاح، وأول عمل قامت به الاجتماع مع المجتمع المحلي. ومن وحي ردود أفعالهم، راودتها فكرة أنه ربما لا يتقبل بعضهم الموضوع. ولكن عندما بدأتِ الحديث تبدّدت هواجسهم. «قلت لهم أنا جرشية، وبدَعْمِكم تكون المدينة نموذجاً».

سعت رابحة منذ البداية إلى قلب نظرية العمل، من الاقتصار على القيام بالعمل الأمني وحل النزاعات، إلى القيام بدور تنموي. وهي ترى أن جرش كمدينة أثرية وسياحية تحتاج إلى توافر الخدمات والبنية التحتية والمظهر الجمالي. وستعمل في خططها المقبلة على تعزيز النشاطات الثقافية، والملتقيات، وإقامة مهرجان خاص بالمدينة في عيد الاستقلال.

تصف نفسها بأنها «عصبية» أحياناً، لكنها تستدرك «أحب الكمال، والالتزام»، وتضيف «لا يوجد في قاموسي مستحيل. أمارس دوري كأي محافظ، وأعمل كممثل لجلالة الملك».

في موقعها الجديد تشق طريقاً لكل النساء؛ تقول: عندما توفيت إحدى النساء، «ذهبت لشِقِّ الرجال معزية بصفتي الرسمية، ولبيتِ النساء كذلك». الدولة الحديثة هي الدولة التي يسود فيها القانون. رابحة لا تتوانى عن تطبيق القانون فوراً. وتضيف بحزم «من لا يمتثل للقانون أوقفه». وعندما يتعلق الأمر بالمشكلات ذات الطابع العشائري، تجيب بالحزم نفسه «آخذ عطوة».

بعد تسلمها المهمة بأسبوع، تساقطت الثلوج، ما اضطرها للمبيت والمتابعة الميدانية، والتنسيق مع السير والشرطة والدفاع المدني، وتصف نفسها «أنا محافظ ميداني، ولا أعمل من وراء مكتب».

تعتز رابحة بأنها لا تفرض خياراتها على بناتها. وابنتها لانا تصرح لها «أنتِ مثَلي الأعلى».

زيارة الملك الأخيرة لجرش واستقبالها له في المدينة، مثّلت بالنسبة لرابحة «مكرمة ورسالة».

رابحة الدباس.. لا يوجد في قاموسي مستحيل
 
01-Apr-2010
 
العدد 10