العدد 10 - احتباس حراري
 

لم تثر عودة الحكومة عن قرارها بإلغاء الإعفاءات الضريبية على السيارات الهجينة حفيظة ناشطين في مجال حماية البيئة فقط، رأوا أن القرار أضاع فرصة ثمينة كان يمكن استثمارها في المحافظة على البيئة، ولا محللين اقتصاديين قالوا إن ما أرادت الحكومة توفيره من عائدات الضرائب ستعود إلى دفع أضعافه تكلفةً لفاتورة الطاقة، بل أثارت أيضاً مواطنين اشتروا هذه السيارات مستفيدين من الإعفاءات عليها، مراهنين على أن رخص ثمنها سيعمل على انتشارها، ما يسهم بالتالي في توفير قطعها وتيسير صيانتها مرتفعة الثمن نسبياً، ولكنه أمر سيكون بعيداً الآن، كما يقول رئيس هيئة مستثمري المناطق الحرة نبيل رمان، لأن قرار إلغاء الإعفاء عن السيارات الهجينة خفّض بشدة الطلب عليها، وكان بالتالي قرار «إلغاء» لها.

قرار الحكومة الذي أعلنته في آذار/مارس 2010، وقضى بفرض ضريبة مقدارها 55 في المئة من قيمة السيارة، سوف يجهض الفكرة التي خرجت قبل عامين تقريباً من وزارة البيئة، وقامت على أساس فتح السوق أمام هذا النوع من السيارات التي تعمل وفق آلية متطورة، تزاوج بين محركين يعمل أحدهما على الكهرباء، فيما يعمل آخر على البنزين.

هذه آلية لا تعمل فقط على خفض الانبعاثات الضارة، بل وخفض استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 50 في المئة، لأن محرك الكهرباء الذي يأخذ طاقته من الحركة الدورانية لعجلات المركبة، يكون هو المحرك الوحيد العامل ما دامت المركبة تسير بسرعة تقل عن 80 كم في الساعة، وبعد هذه السرعة يبدأ محرك البنزين بالعمل.

الفكرة دخلت حيز التطبيق العام 2009، عندما أصدرت الحكومة قرارها بإعفاء هذا النوع من السيارات، ما ساهم في خفض أسعارها بنسبة تراوح بين 30 إلى 50 في المئة من أسعار السيارات العادية، ورفع بالتالي من الإقبال عليها، حيث بلغ عدد السيارات الهجينة التي دخلت السوق الأردنية منذ تطبيق قرار الإعفاء 8650 سيارة تقريباً.

أما آثار القرار الجديد فستكون كالآتي: السيارة الهجينة بسعة محرك 2400 سي سي، كانت مع الإعفاء تباع بـ 25 ألف دينار، في حين أنها ستباع ابتداء من 30 نيسان/أبريل 2010، بـ35 ألف دينار تقريباً.

الحكومة بررت قرارها الذي أبقى مع ذلك على نسبة إعفاء مقدارها 30 في المئة على السيارات الهجينة، مقارنة بالضريبة المفروضة على السيارات العادية وهي 81 في المئة تقريباً، بأنه جاء ليعالج «اختلالات» و«تشوهات» أحدثها قرار الإعفاء في سوق السيارات في المملكة.

وقالت في بيان على لسان وزير المالية محمد أبو حمور، إن قرار الإعفاء «استغل في غير الغايات المحددة» له وهي التخفيف من التلوث، وتخفيض استهلاك الوقود، حيث إن ما يزيد عن 60 في المئة من المركبات الهجينة التي تمّ إعفاؤها، كانت ذات سعة محرك يزيد عن 2500 سي سي، وهي سيارات لا تسهم في الحفاظ على البيئة، أو توفير الطاقة.

وزير البيئة حازم ملحس، أشار في تصريح إذاعي له إلى واحد من الاختلالات التي ذكرها البيان الحكومي، عندما وصف في برنامج «صوت الحياة» الذي بثّته إذاعة حياة إف إم، السيارات الهجينة التي تمّ تصديرها إلى الأردن بأنها «نفايات أميركية»، قائلا إنها «تزيد من التلوث البيئي».

في السياق نفسه، جواد عباسي، مدير عام مجموعة «المرشدون العرب» المتخصصة في دراسة أسواق الاتصالات العربية، يروي في مدونته، تجربته الشخصية هو وأفراد من عائلته مع تجّار أثناء سعيهم لشراء سيارات هجينة. وقال إنه من أصل ثماني سيارات تمّ فحصها، كانت هناك ست سيارات تمّ العبث بعداداتها، إضافة إلى أن التحري عنها أثبت أن بعضها تعرّض لحوادث كبرى. لكن تاجر السيارات هيثم شديفات الذي رفض «التعميم» في تصريحات ملحس، قال إن هناك تجاوزات من قبل بعض التجار لكنها، بحسبه، لم تكن القاعدة.

مع ذلك فقد حمّل رمان المسؤولية للحكومة، وقال إن ما سبّب هذه الاختلالات، هو قرار الإعفاء الذي أطلق العنان لاستيراد السيارات الهجينة بغض النظر عن سعة محركها وتاريخ تصنيعها، ومن هنا دخلت البلد، كما يقول، سيارات بسعة محرك وصل إلى 6 آلاف سي سي، وأخرى صنعت قبل سبع أو ثماني سنوات، لافتاً إلى أن «العمر الافتراضي لقطع السيارة الهجينة أقل من قطع السيارات العادية لأنها تعتمد تكنولوجيا متطورة، تكون أكثر حساسية وحاجة إلى الصيانة».

شديفات يوافق رمان على أن الحكومة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية. وقال إنها «تسرّعت» بإصدار قرار الإعفاء دون دراسة كافية لانعكاساته المتوقعة، وجعلت المستثمرين والمستهلكين «يدفعون ثمن خطئها». المستثمرون الذي تعاقدوا على شراء سيارات ستصل إلى الأردن بعد انتهاء المهلة الممنوحة لإنفاذ القرار، والعدد القليل نسبياً من السيارات التي دخلت إلى السوق الأردنية، قد لا يشجّع أي تاجر على توفير قطع غيار لهذه السيارات، أو توفير كوادر لصيانتها.

بعد إلغاء قرار الإعفاء، تعالت أصوات تطالب الحكومة بإلغاء الإعفاء عن السيارات الكبيرة، ومواصلة إعفاء السيارات الصغيرة التي تستخدمها قطاعات كبيرة من الناس، والتي تحقق هدفي الحفاظ على البيئة وتوفير الطاقة. لكن رمان يقول إن ذلك غير ممكن من الناحية العملية لأن الولايات المتحدة بوصفها دولة مانحة رئيسية والمصنّع الأكبر للسيارات الكبيرة، ستعتبر أن قراراً كهذا موجّه ضد سياراتها بالتحديد.

الحل إذاً هو «الإبقاء على الإعفاء مع تقييد عملية الاستيراد، بحيث يمنع استيراد السيارات التي يزيد عمرها عن 3 سنوات، أو تزيد سعة محركها على 2500 سي سي، دون تحديد بلد المنشأ»، يقترح رمّان.

أبو حمور كان أشار في تصريحات صحفية إلى أن إعفاء هذه السيارات فوّت على الخزينة ضرائب تقدربـ 96 مليون دينار. وفي هذا السياق يرى سلامة درعاوي، الكاتب في الشأن الاقتصادي في صحيفة العرب اليوم، أن الحكومة كان بإمكانها أن تدير ملف السيارات الهجينة بأسلوب أكثر حكمة. فهي هنا راعت البعد المالي في القضية، وأغفلت البعد الآخر المتعلق بالبيئة. وحتى في ما يتعلّق بالبعد المالي اعتمدت الحكومة، كما يقول، نظرة «قصيرة المدى»، لأن المبالغ المقدر لها أن ترفد الخزينة كضرائب على هذه السيارات، ستدفع الحكومة أضعافها في فاتورة الطاقة.

من هنا يقترح درعاوي الاستفادة من المركبات الهجينة في قطاع النقل العام، فتبقي الحكومة على الإعفاءات الضريبية والجمركية على السيارات الهجينة، وتقدم حوافز لمشغلي وسائط النقل العام لاستبدال مركباتهم وحافلاتهم بأخرى هجينة، وهو أمر سيعزز المحافظة على البيئة من ناحية، وسيخفض من تكلفة النقل العالية على المواطنين، ويزيد في الوقت نفسه من أرباح المشغلين.

المفارقة، في ما يمكن أن يعدّ دليلاً على «غياب التنسيق بين الجهات الرسمية» هو أن هيئة تنظيم قطاع النقل تقوم فعلاً بخطوات باتجاه توسيع استخدام المركبات الهجينة؛ فقطاع النقل في الأردن، كما يقول مدير هيئة تنظيم قطاع النقل جميل مجاهد، يستهلك 37 في المئة من فاتورة الطاقة في المملكة، يحتل النقل العام منها نسبة تتراوح بين 16 إلى 20 في المئة، الأمر الذي يجعل من استخدام المركبات الهجينة «ضرورة».

مجاهد يشير هنا إلى عطاء طرحته الهيئة مؤخراً لإنشاء خمسة مكاتب تاكسي في خمس محافظات أردنية، ويضم كل منها 50 سيارة. وقال إن الهيئة جعلت أفضلية الفوز بالعطاء للمشغّلين الذين يستخدمون السيارات الهجينة. «في هذا العطاء جعلنا استخدام السيارات الهجينة اختيارياً، لكننا في المستقبل وعند توافر البنية التحتية الملائمة نسعى بالتأكيد لجعله شرطاً للتشغيل»، يضيف مجاهد.

قرار إلغاء الإعفاء على السيارات الهجينة بعد أقل من 14 شهراً من إقراره، نموذج على التخبط والضبابية بامتياز، وعلى السياسات التي تعطي الأولوية إلى تحقيق «أهداف آنية» على حساب الإستراتيجية، لكن الأهم هو أنه ضربة موجعة للبيئة في الأردن.

إلغاء الإعفاء عن السيارات الهجينة ضربة موجعة للبيئة في الأردن
 
01-Apr-2010
 
العدد 10