العدد 10 - عين ثالثة
 

ارتكبت السلطة الفلسطينية وحركة فتح خطأ فادحاً عندما قررتا قبل أشهر إطلاق اسم دلال المغربي على ميدان عام في منطقة البيرة، المدينة المتاخمة لرام الله في الضفة الغربية، تكريماً لذكرى تلك المرأة الفلسطينية التي نفذت هجوماً لقوات فتح الخاصة من لبنان عام 1978، أدت إلى مقتل 35 مدنياً إسرائيلياً على الأقل، بينهم 13 طفلاً.

يظل أمر إحياء ذكرى الأشخاص الذين يضحّون بحياتهم في النضال الوطني بوصفهم أبطالاً وشهداء أمراً شائعاً في كل أنحاء العالم، حتى لو أن بعض مغامراتهم تتخطى حدود أعمال الحرب المشروعة بانتهاك الحظر المفروض على الهجمات التي تستهدف المدنيين. ولكن، في حالة دلال المغربي، فإن الإنجاز الوحيد الذي تُكَرَّم من أجله كان الهجوم الذي يدعوه الإسرائيليون «مجزرة الطريق الساحلية»، وتشير إليه «فتح» باسم «عملية الساحل».

كانت السلطة الفلسطينية قد «أجّلت» و«لأسباب فنية» حفل التدشين الرسمي الذي كان مقرراً في 11 آذار/مارس، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى هجوم العام 1978، في ما يبدو أنه حدث بسبب تقدم هذا التاريخ يوماً واحداً فقط عن موعد زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن لرام الله. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، تجمّعَ العشرات من نشطاء «فتح» مع ذلك في الميدان، الذي يقع تماماً خارج مقر مكتب الإرشاد السياسي التابع للسلطة الفلسطينية، لإقامة احتفال غير رسمي بالمناسبة.

وقد امتنع رئيس المكتب، الرائد عدنان الدميري عن المشاركة، لكنه أشار إلى هذا الفصل على أنه «جزء من ميراثنا الذي أوصَلَنا إلى عملية السلام والاتفاقيات» بين الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية. أما توفيق الطيراوي، المستشار الأمني لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والرئيس السابق لمخابرات السلطة الفلسطينية العامة في الضفة الغربية، فقد انضم فعلاً إلى الناشطين الشباب، ونُقل عنه قوله: «إننا جميعاً دلال المغربي».

إن الاعتذار بذريعة «التوقيت السيئ» والتأجيلات، إنما يعني تجنّب مواجهة القضايا الحقيقية، وهي في هذه الحالة الفلسطينية، فشل على أعلى المستويات في تقديم «إرشاد سياسي» يتضمن احترام جوهر التزام المحاربين بجوهر قوانين الحرب، سواء كانوا جزءاً من جيش وطني، أو حتى حركة مقاومة مسلحة، بأن لا يستهدفوا أو يهاجموا المدنيين من دون تمييز، وبأن يتخذوا كل الإجراءات الممكنة أثناء تنفيذهم العمليات العسكرية بغية تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين والممتلكات المدنية. والقضية لا تتعلق بما إذا كان يمكن للفلسطينيين، أو يجب عليهم اللجوء إلى الكفاح المسلح، وإنما كيف يضبطون سلوكهم أثناء قيامهم بذلك.

إن القبول الذي تَحظى به دلال المغربي، كبطلة، ينبع من دون شك في جزء منه من كونها امرأة، ومن شبابها، كانت في الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من عمرها وقت الهجوم في آذار/مارس 1978، وقد وقع الهجوم في وقت كان فيه الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن يجريان مباحثات خشي كثيرون من الفلسطينيين من أن تضر بمصالحهم.

بصرف النظر عن دوافع المغربي ونواياها الخاصة، فإنها قادت هجوماً بدأ بإطلاق النار حتى الموت على العديد من المدنيين الإسرائيليين (وامرأة أميركية واحدة زائرة)، ثم بأخذ حوالي 70 رهينة من ركاب حافلة، قُتل العديد منهم أيضاً. ووفقاً للناجين في ذلك الوقت، فإن الفلسطينيين أطلقوا النار على بعض الرهائن، فيما مات آخرون نتيجة للانفجارات والنيران التي نجمت عن القنابل التي ألقاها الفلسطينيون داخل الحافلة، عندما أجبرهم حاجز أمني أخيراً على الوقوف في شمال تل أبيب، واندلعت معركة بالبنادق طوال ساعة كاملة، وقد نقلت التقارير الإخبارية في ذلك الوقت أن الفلسطينيين قتلوا على الأقل 35 مدنياً ورجلَ شرطة واحداً؛ كما مات أيضاً 6 من أصل قوة الكوماندوز الفلسطينية المكونة من 11 إلى 12 شخصاً.

بعد إعلان السلطة الفلسطينية في كانون الثاني/يناير 2010 عن نيتها تكريم المغربي، أشار المعلّق الإسرائيلي غيرشون غورينبيرغ إلى أن مسؤولين إسرائيليين كانوا قد سمّوا في وقت سابق شارعاً في مدينة عكـا اليهوديـة/الفلسطينية المختلطة، باسم شلومو بن يوسف، الذي كان قد هاجم في العام 1938 مع اثنين من رفاقه في عصابة الآرغون، حافلة مليئة بالمدنيين العرب في طريق جبلية، بنية قتلهم. وقد أخفق هجوم بن يوسف؛ اعتقلته قوات الانتداب البريطانية، وحاكمته وشنقته، لكن الأهداف المقصودين كانوا مدنيين. وقد تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في أوائل آذار/مارس من العام الجاري في جلسة للكنيست في تكريم بن يوسف، من بين آخرين. وتبقى أفعاله مشينة بقدر ما هي تصرفات أولئك الناس الذين يكرّمون دلال المغربي، لكن تجاهل أحد طرفَي الصراع للحظر الأساسي لاستهداف المدنيين لا يمنح العذر لتجاهل مماثل من جهة الطرف الآخر.

إن حظر استهداف المدنيين ومهاجمتهم من دون تمييز هو أمر مطلق، ولا يمكن لقضية عادلة ولا الانتقام من هجمات الخصم أن تغير حقيقة أن هذا الاستهداف يشكل دائماً انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، والتي غالباً ما تشكل جرائم حرب. وفي العام 2010، في وقت تحتل فيه قضية مسؤولية القوات الإسرائيلية عن مثل هذه الانتهاكات في معارك غزة خلال كانون الأول/ديسمبر 2008 وكانون الثاني/يناير 2009، موضعاً بارزاً على الأجندة الدولية، فإن على السلطة الفلسطينية أن تتحلى بالفطنة بحيث تلغي، بدل أن تؤجل فقط، خططها لتخليد ذكرى دلال المغربي، وأن توضح بجلاءٍ نيتَها المضي قدماً في الاحتفاظ بهذه التكريمات العامة لأشخاص لا تنتهك أعمالهم القانون الدولي بشكل صارخ.

الشهيد الخطأ
 
01-Apr-2010
 
العدد 10