العدد 10 - شأن اقتصادي
 

جاءت موازنة العام 2010، بمحاولة جادة لتخفيض الإنفاق بشكل أو بآخر، في حين تؤشر نتائج الأداء المالي للعام 2009 إلى تفاقم العجز، وارتفاع حجم المديونية العامة، نتيجة التوسع في الإنفاق بتأثير الأزمة المالية العالمية في جانب الإيرادات والمنح.

ولدى مراجعة البيانات المالية للعام 2009، تبين أن هناك مجموعة مطالبات مستحقة للشركات والمستثمرين والمواطنين، لم تُسدّد في العام نفسه، مع عدم رصد أي مخصصات لهذه المطالبات في موازنة العام 2010، فوجدت الإدارة المالية نفسها مضطرة لإصدار ملحق لموازنة العام 2009 بمبلغ 305 ملايين دينار، انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على حقوق المواطنين والشركات والمستثمرين، والتزاماً بمعايير الشفافية في أداء المالية العامة. كما أن عدم تسديد المستحقات المشار إليها كان سيؤدي إلى التأثير سلبياً على أوضاع المستحقين، ويهدد استمرار أعمالهم، ووفاءهم بالتزاماتهم.

كان لا بد من مراجعة موازنة العام 2010 بهدف التأكد من مدى مواءمة الفرضيات التي تم إعداد الموازنة بناءً عليها، وتجنباً لأي مستجدات لم تؤخذ في الحسبان. وقد أظهرت المراجعة أن أرقام الإيرادات العامة ستشهد نقصاً عن المقدر في الموازنة، ويأتي هذا النقص من جانبين؛ أولهما تراجع بعض الإيرادات المحلية، وثانيهما إدراج منح في الموازنة دون توافر ما يؤكد الحصول عليها.

وقد اتضح أن التراجع في الإيرادات المحلية سيكون بحدود 90 مليون دينار، ويعود للنقص المتوقع في إيرادات ضريبة الدخل، الناجم عن كونها تمثل حصيلة النشاط الاقتصادي في العام السابق، الذي شهد تباطؤاً شمل مختلف القطاعات الاقتصادية. أما المنح والمساعدات التي تم تقديرها في الموازنة بمبلغ 330 مليون دينار، فقد تبين أن المضمون منها لا يتجاوز 160 مليون دينار، ما يعني أن هناك 170 مليون دينار من المنح غير مؤكّدة.

وقد أظهرت المراجعة أن هناك مجموعة من النفقات الأساسية لم يرصد لها أي مخصصات، وهي تتركز في ستة بنود أساسية، منها دعم البلديات بمبلغ 85 مليون دينار، دعم المجلس الأعلى للمعاقين، الصندوق الوطني لدعم الحركة الشبابية، مستحقات توسعة المطار، ونفقات عامة أخرى. وتقدر القيمة الإجمالية لهذه البنود، عدا البلديات، بحوالي 75 مليون دينار.

وتمثل هذه النفقات ضرورة لقطاعات حيوية، رصدت لها هذه المخصصات بسبب إلغاء عدد من الضرائب والرسوم التي كانت تحصل لحسابها، نتيجة صدور قانون ضريبة الدخل الجديد، والقانون المعدل لقانون الضريبة العامة على المبيعات، اللذين صدرا بهدف تبسيط وتطوير النظام الضريبي، وزيادة القدرة التنافسية للمملكة في جذب الاستثمارات. كما أن الدستور الأردني لا يسمح بتمويل أي نفقات غير مدرجة في قانون الموازنة العامة، وقد أدت كل هذه المعطيات لإصدار ملحق لموازنة العام 2010 بمبلغ 160 مليون دينار، قيمة هذه النفقات.

في ضوء المعطيات المشار إليها، فان العجز المتوقع في موازنة العام 2010، سوف يرتفع من 685 مليوناً وفقاً للتقديرات السابقة إلى حوالي 1.1 مليار دينار، نتيجة للمراجعة العلمية الدقيقة التي تم إجراؤها بهدف إظهار الواقع الحقيقي للموازنة، دون اللجوء لعمليات محاسبية تظهر عدم قيام الحكومة بالواجبات والمسؤوليات المنوطة بها، أو تأجيل تسديد مستحقات، كان سيضر بمصالح المواطنين والشركات والمستثمرين.

إن وضع الأمور في نصابها بدقّة، يتطلب توقع الحجم الحقيقي للإيرادات والنفقات والعجز، ويفرض الانطلاق نحو اتخاذ خطوات فاعلة وإجراءات حازمة لإعادة المالية العامة إلى مسارها، وتحقيق الاستقرار المالي الذي يمثل إحدى أهم ركائز النمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات، وتوفير البيئة الملائمة لها.

وتأتي الإجراءات المطلوبة في جزأين؛ أولهما إجراءات تخدم السياسة المالية في المدى المتوسط، مثل الإصلاحات الضريبية التي أقرت مؤخراً بهدف جذب مزيد من الاستثمارات، والمرحلة الثانية من مشروع الإصلاح المالي الذي تم البدء به هذا العام بهدف تطوير الإدارة المالية بشكل عام، بما فيها الإدارة الضريبية، وإدارة الموازنة العامة. وثانيهما إجراءات تحقق نتائج في المدى القصير، مثل التخفيض في الإنفاق للعام 2010، وإجراءات مباشرة في النفقات والإيرادات، بحيث يتم مراعاة الأولويات وتجنب التأثير على مستوى حياة المواطنين قدر الإمكان.

وتدخل هنا إجراءات ضبط النفقات التي اتخذت، وتشمل تخفيض 20 في المئة من النفقات التشغيلية للوزارات والمؤسسات الحكومية، التوقف عن شراء الأثاث والسيارات، التوقف عن التعيين (باستثناء وزارتي التربية والصحة)، تنظيم استخدام السيارات، والتريث في تنفيذ المشاريع التي لا تحمل صفة الأولوية، ومن المؤمل أن تؤدي هذه الإجراءات خلال العام إلى تحسين أوضاع المالية العامة، والتأثير إيجابياً على سائر القطاعات الاقتصادية، وصولاً إلى استعادة ركائز النمو المستدام الذي يؤمن توزيعاً عادلاً لمكاسب التنمية على مختلف الفئات الاجتماعية، في مختلف المناطق.

هذا اليقين بتحسن أوضاع المالية العامة، تعززه التطورات على أرض الواقع، فخلال أول شهرين من العام 2010، تم تحقيق جانب كبير من أهداف السياسة المالية الرامية إلى خفض النفقات العامة وتحسين الإدارة الضريبية، ما أدى إلى تقليص الإنفاق بحوالي 160 مليون دينار، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، وحوالي ثلث هذا الانخفاض جاء من النفقات الجارية، التي لا تخفى صعوبة تخفيضها؛ إذ تمثل في معظمها فاتورة الرواتب والتقاعد وخدمة الدين، الأمر الذي أسهم في تحويل عجز الموازنة خلال هذين الشهرين إلى وفر واضح.

أداء الموازنة العامة خلال أول شهرين صحة وسلامة السياسة المالية ونجـاح الإجراءات المتخذة
 
01-Apr-2010
 
العدد 10