العدد 10 - الملف | ||||||||||||||
أيّ نوع من التعبير الذي يحمله المهمّشون في عصر العولمة والتحولات الصاخبة التي تعصف بالمجتمعات الكبرى والصغرى، وأي نوع تحمله وسائل التعبير التي يختارها الشباب لإيصال رسائلهم في مجتمع لا يصغي إليهم ومنابر لا تلفت إلى إبداعاتهم وصرخاتهم؟ في عمان ثمة ظاهرة تتمثل بالموسيقى للتعبير عن تمردها وخروجها عن السائد، غير أن ما اختارته وسيلة للتعبير زاد في إقصائها، فظلت تراوح في مكانها، وتعرضت فوق ذلك لاتهامات، ودارت حولها الشائعات. تجلت هذه المحاولات في تشكيل عدد من فرق «الراب» التي تقدم عروضها في الشوارع والحارات والمنازل والحفلات المحدودة للأصدقاء، لتظل على هامش الحراك الفني والثقافي، على الأقل حتى الآن. لكن أبرز النشاطات التي تحققت لفرق «الراب» في الأردن هي مشاركتها في حفل نظمته السفارة الأميركية في مركز الحسين الثقافي. الجهة المنظمة، دعت فرقة أميركية تحمل اسم «هافيكور» من هيوسن ضمن احتفالاتها بإحياء تاريخ الأميركيين من أصل أفريقي، واستطاعت أن تضمن لفرقة «الراب» الأردنية التي تطلق على نفسها اسم «شارع 962» تقديم فقراتها في مكان لم يكن ليتاح لها من قبل حتى لو طلبت ذلك. عدا عن ذلك، فإن غالبية الحفلات التي تقيمها الفرق تقام في الشوارع والساحات العامة أو «الكافي شوب»، وأحياناً المنازل، وباستناءات فقد أقيم حفل في «مسرح البلد» الذي ينتهج خطاً داعماً للنشاطات التي؛ يصفها بـ«المستقلة». المنتقدون ينظرون إلى مثل هذا اللون من الغناء بعدم البراءة بوصفه مجرد غناء مراهقين مضللين بأفكار تسعى إلى «التحلل». وتفسر الكاتبة سارة القضاة «هامشية» مثل هذا اللون من الغناء بقولها: «إن الراب عالمياً لا يعد لوناً محترماً؛ فهو نتاج الحارات والشوارع، وغالبية القائمين عليه في أميركا من أصحاب السوابق»، ولكن سارة لا تقدم أي دليل على هذا الموقف الذي تطلقه كاتهام، أكثر من كونه تحليلاً موضوعياً للظاهرة. إياس زهير وهو طبيب ويرأس «باند» موسيقي كلاسيكي، ينفي الاتهامات التي توجه إلى فرق «الراب» رغم أنه يصرح بأنه لا «يستسيغ» هذه الموسيقى، ويقول إنها «شائعات ربما من معارضي التغيير»، مستدركاً أن «هذه التهم كانت وجهت قبل ذلك لموسيقى الجاز والروك والبلوز مع أن الأخيرة نبتت في حاضنة الغناء الديني». ومع أن زهير يرد التهم التي تقال حول الفرق، إلا أنه لا يستطيع وصف «الراب» بأنه «لون موسيقي»، وذلك لأنه متخصص في الموسيقى الكلاسيكية. أعضاء «فرقة جنود البلدة القديمة» المقدسية الذين شاركوا ضمن مسابقة نظمتها إذاعة مونتي كارلو بعمان قبل نحو عامين، قالوا إنهم اختاروا «الراب» لأنه «وسيلة يدافعون بها عن وجودهم». يقول عضو الفرقة رائد بسام في تصريح للصحافة «إن الفنون هي وسائل يمكن اللجوء إليها للدفاع والتعبير عن قضية فلسطين». فالمسرح والسينما، لهما دور كبير في كشف حقيقة ما يجري، والوصول إلى مناطق كثيرة من العالم، لتوضيح من هو المستعمِر ومن هو المستعمَر...و«الراب»، هو «فن المهمشين والمضطهَدين وأحد هذه الوسائل». يشاركهم في الرأي، محمد يونس، طالب جامعي، الذي يعتقد أن «الراب» نوع من الموسيقى التي تعبر عن الحرية في الكلام وحركة الجسد، لا نريد «الموسيقى التي «تنوم». وبالنسبة لمحمد فإن «الراب» هي موسيقى العصر، إذ نمت في عالم «يركض بسرعة الصاروخ». الأثير مليء بموسيقى الحب والحرب، والشباب يعيشون اليوم بالإضافة إلى المشاكل الوطنية الكبرى هموماً يومية مثل ارتفاع الأسعار والمواصلات، وهذا كله لا يعالج بالطرق التقليدية حسب محمد يونس بل «بالصراخ والجنون». وهذا ما يراه لورانس باركر أحد نجوم «الراب» بإشارته إلى أن هذا الفن «يتجاوز الترفيه إلى سلوك ووعي ومنظور لرؤية العالم». يوكد أعضاء «فرقة جنود البلدة القديمة» أن «الراب» بالذات، وجد مع السود الأميركيين، واختاروه كأداة يدافعون بها عن حريتهم، وهو ليس ببعيد عن تجربتهم. ومنه «نستطيع التعبير عن قضيتنا الفلسطينية وعن حريتنا، ما دام «الراب» خلق للدفاع عن النفس، ونحن «نعتز بالتراث» كما نعتز بالثقافة العربية والهوية العربية، ولا نرى تعارضاً بينها وبين موسيقى «الراب»؛ فـ«الراب» فن لكل العالم، ونحن نغني أحياناً بالإنجليزية لتوصيل رسالتنا على نطاق أوسع. لكن الاتهامات طالت فرق «الراب» من كل صوب، ولم تجد من يدافع عن حقها في الوجود، وعن حق الفنانين في التعبير عن أنفسهم بالشكل الذي يريدونه، وهو ما همش الظاهرة. يزن تحدث عن تجربته بأسى، حيث يعزو فشل تجربته في الاستمرار، هو وأصدقاؤه، إلى كثافة الهجوم و«الاتهامات الباطلة» التي تعرضوا لها. ويضيف يزن الذي أسس واحدة من فرق «الراب» في عمان قبل سنوات، أن الفرقة تعرضت «لهجوم واتهامات باطلة» حالت دون استمرارها، والأصدقاء «كل راح إلى سبيل حاله بالخيبة». «الراب»، الذي بدأ من الهامش وتمرد عليه، لم يستطع أن يخرج من شرنقته. |
|
|||||||||||||