العدد 10 - الملف | ||||||||||||||
اثنان وعشرون «جيباً» ضمن تسع محافظات في المملكة، تعيش تهميشاً واضحاً بوصفها من مناطق جيوب الفقر، وفقاً لدراسة الفقر التي نفذتها دائرة الإحصاءات العامة بالتعاون مع البنك الدولي اعتماداً على بيانات مسح دخل ونفقات الأسرة العام 2006. هـــذه المنـــاطق الجغـــرافيـــة التي صنفت كجيوب فقر، أقضية تضم كل منها العديد من التجمعات السكانية، وتشهد ضيقاً في أحوال مـــواطنيها الاقتصاديـــة، وتدنيــاً في مستوى معيشتهم، في وقت يشهد فيه النمو السكاني تزايداً ملحوظاً. معلومات الهيئة التنسيقية للتكافل الاجتماعي في رئاسة الوزراء التي تأسست العام 2006، تؤكد أن جيوب الفقر تمثل المناطق التي تزيد نسبة الفقراء فيها عن 25 في المئة من السكان، وتبين أن مجموع عدد السكان في هذه المناطق بلغ 394.2 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 6.9 في المئة من إجمالي سكان المملكة. وتظهر بيانات الهيئة أن عدد الفقراء في تلك المناطق بلغ 144.1 ألف نسمة أو ما يعادل 19.4 في المئة من عدد الفقراء في المملكة للعام 2006. كما تظهر أن منطقة الرويشد في محافظة المفرق جاءت في المرتبة الأولى بوصفها الأشد فقراً في الأردن، حيث بلغت نسبة الفقر فيها 73.7 في المئة، تلتها منطقة وادي عربة بنسبة 62.5 في المئة، ثم غور الصافي بنسبة 52.8 في المئة، فيما حلّت منطقة أم الرصاص في محافظة العاصمة في المرتبة الأخيرة ضمن جيوب الفقر بنسبة 26.2 في المئة. وتكشف بيانات «التكافل الاجتماعي» أن تصنيف جيوب الفقر متحرك، فقد كانت هناك عشر مناطق مدرجة ضمن جيوب الفقر العام 2004، وخرجت منها في التصنيف اللاحق العام 2006، بعد تحسن الظروف الاقتصادية لسكانها. وتبين معلومات «التكافل الاجتماعي» أن 12 منطقة جديدة صنفت ضمن قائمة جيوب الفقر العام 2006، منها سبع مناطق في إقليم الشمال، هي: الشونة الشمالية، البادية الشمالية الغربية، بلعما، الخالدية، برما، كفرنجة، وعرجان؛ وخمس مناطق في إقليم الجنوب، هي: غور المزرعة، الموجب، القطرانة، بصيرا، والديسة. مصدر رفيع في دائرة الاحصاءات العامة، طلب عدم ذكر اسمه، لارتباطه المباشر في الموضوع، أشار إلى ثبات نسبة الفقر في المملكة حول مستوياتها السابقة مع زيادة طفيفة، بحسب النتائج التي خلصت إليها دراسة الفقر التي تعمل عليها الدائرة. وأضاف المصدر المشار إليه إلى إن الدراسة أظهرت أن نسبة الفقر في المملكة تقل عن 14 في المئة، مقابل 13 في المئة، كانت إحصاءات العام 2006 أظهرتها، لافتاً إلى أن نسبة الفقر بلغت 14.2 في المئة العام 2002. وبيّن أن ما نسبته 60 في المئة من الفقراء يتواجدون في عمان والزرقاء وإربد، فيما تشير الأرقام الرسمية إلى أن خط الفقر العام في الأردن يبلغ 556 ديناراً سنوياً، بمعدل 46 ديناراً شهرياً للفرد الواحد. وتعزو أدبيات التنمية استفحال الفقر في بعض مناطق المملكة إلى ضعف التنمية فيها، ما يحد من قدرتها على خلق فرص عمل جديدة، وتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان فيها. مدير دائرة الإحصاءات العامة حيدر فريحات، يذكر أن معدلات النمو السكاني في الأردن هي أعلى من المعدل العالمي لعدة عقود خلال القرن الماضي، مشيراً إلى أن عدد سكان المملكة ارتفع من 586.2 ألف نسمة العام 1952 إلى نحو ستة ملايين نسمة في نهاية العام 2009. في وادي عربة التي تحتل المرتبة الثانية الأشد فقراً، تخلت السيدة أم مراد عن دورها المعتاد كربة منزل، فطرقت أبواب العمل بدلاً من زوجها الذي فقد عمله بعد أن أصيب بإعاقة حركية أقعدته المنزل. ولم تجد أم مراد، 34 عاماً، غير وظيفة عاملة تنظيف في بيوت عمّان، لتعين أسرتها على تجاوز الفقر والعوز وأعباء واقعها الاجتماعي الصعب، ورغم أنها حامل في شهرها الأخير، تواصل العمل بكد وصمت. وتسكن أم مراد التي تقول «إن الشقاء هو نصيبي في الحياة» في غرفة من الصفيح أقيمت فوق أرض تعود ملكيتها للحكومة، ولا يتوافر فيها كهرباء أو ماء أو أثاث سوى فراش للنوم. أما ولداها اللذان لم يكملا المرحلة الأساسية، فقد أجبرهما والدهما على ترك مقاعد المدارس. سلمان راجي أحد أبناء منطقة وادي عربة أيضاً، ينتقد تقصير المقتدرين في مساعدة المحتاجين في منطقته التي يعاني أهلها من ظروف معيشية قاسية. ويرى أن ما يتطلع إليه الفقراء في المقام الأول هو تأمين فرص عمل لهم في مناطق سكناهم، لتوفير متطلبات حياتهم، بهذا فقط لا يعودون بحاجة إلى طلب العون. بدوره يرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا سالم ساري أن الفقر يعود إلى الاعتماد الكلي للأفراد على الدولة، للحصول على الرعاية الاجتماعية التي تقدمها مؤسساتها المختلفة. أمين عام الهيئة التنسيقية للتكافل الاجتماعي ممدوح السرور قال لـے إن الهيئة اكتشفت من خلال دراستها وتحليلها للبرامج والمشاريع المنفذة في جيوب الفقر، أن برامج الدعم النقدي المتكرر التي تنفذ من قبل مؤسسات رسمية لا تغطي جميع الأسر الأشد فقراً، إذ تبين أن هناك نسبة مرتفعة من الأسر الفقيرة لا تستفيد من هذا الدعم. للفقر أسباب وحول أسباب الفقر في هذه المناطق، أوضح السرور أن ملف جيوب الفقر كشف عن قلة دخول السكان الفقراء جراء محدودية فرص العمل المتاحة؛ وضعف مواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل، لافتاً إلى ضعف استفادة سكان بعض «جيوب الفقر» من مشاريع استغلال الموارد الطبيعية في مناطقهم. ويرى السرور أن قلة برامج الإقراض وتمويل المشاريع المولدة للدخل، أضعفت أداء الهيئات المحلية القائمة على تنفيذها في المناطق المستهدفة، وأدت إلى انخفاض سقف التمويل للمشاريع المتوسطة والصغيرة، فضلاً عن أن الجهات المانحة ترفض تقديم قروض إلى السكان في جيوب الفقر إلا من خلال وجود وسيط «شريك إستراتيجي» للمشاريع الإنتاجية التشاركية. وانتقد ضعف المتابعة التي تقوم بها المؤسسات الممولة وقلة انتظامها وتداخل وظيفتي التحصيل والمتابعة، حيث يُنظر إلى نجاح المشروع بسداد القرض، دون النظر إلى نجاح المشروع ومنتجاته وقدرته على البقاء والمنافسة، عدا عن صعوبة تسويق المنتفعين من المشاريع الإنتاجية لمنتجاتهم. ويرى السرور أن تواجد السكان في تجمعات صغيرة ومتناثــرة، لا يســـاعـــد على النمـــو الاقتصــــادي والاجتماعي، ولا يؤدي في النتيجة إلى توفير فرص استثمارية مجدية قادرة على استيعاب العمالة المتوافرة، مشيراً إلى ضعف قدرات المؤسسات المحلية في تلك المناطق، وتواضع دورها في التنمية المحلية. مدير عام الصندوق الهاشمي لتنمية البادية الأردنية عمر الرافعي أوضح أن نسبة كبيرة من جيوب الفقر تقع في البادية الأردنية التي تشكل ما نسبته 80 في المئة من مساحة المملكة. رئيس الديوان الملكي الأسبق جواد العناني، يرى أن البرامج الحكومية المواكبة للتغيرات الاقتصادية «لا تمس الكثير من المواطنين غير القادرين على الاستفادة من برامجها، وخاصة في الأماكن الريفية التي لا يزال دخل المواطنين الشهري فيها متدنياً». ويذكر أن بعض التحديات التي واجهها المواطنون في قطاعات الصحة والتعليم والتدريب وسوق العمل؛ أسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في زيادة الهجرة إلى المناطق الحضرية، وأوجدت بالتالي جيوب فقر. ولتقليص نسب الفقر، يدعو الخبير السكاني محمود الحبيس الرماضنة، جامعة البلقاء التطبيقية، إلى تضافر الجهود وتحسين مستوى الحياة وتنسيق الأهداف وتحسين الخدمات الاجتماعية وتفعيل برامج الحماية الاجتماعية الهادفة إلى مكافحة الفقر. ويضيف الرماضنة أسباباً أخرى لوجود جيوب الفقر، تتمثل في تشتت البرامج الوطنية ذات العلاقة بالفقر؛ إذ «لا يوجد هناك تنسيق على مستوى عالٍ بين البرامج الوطنية المقدمة، سواء من قبل الحكومة أو من قبل مؤسسات المجتمع المدني». ويعتقد أن العلاقة بين معالجة الفقر في «الجيوب» والتخفيف من حدته، وبين حجم الجهد المبذول «علاقة عكسية»، الأمر الذي يتطلب مراجعة للوقوف على السلبيات، خصوصاً ما يتعلق بالجهة المسؤولة عن متابعة البرامج المعنية بجيوب الفقر. وخلص إلى أهمية إيجاد جهة مندفعة لإحياء ملف الفقر التائه بين الوزارات وصولاً إلى توفير حياة فضلى للمواطنين ولإبعادهم عن خطر الفقر . يذكر أن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، تعمل على برنامج لتمكين الفقراء ومعالجة الفقر، يهدف إلى تجميع جهود كافة الجهات المعنية بالفقر في المملكة، لهذا تم العمل على صياغة إستراتيجية موحدة للحد من الفقر، وذلك ضمن أولويات البرنامج التنموي التنفيذي للأعوام 2010-2012، وذلك بطريقة تشاركية بين الجهات المتخصصة. وسينفذ هذا البرنامج بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية، والهيئة التنسيقية للتكافل الاجتماعي، بالإضافة إلى صندوق المعونة الوطنية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجموعة من الخبراء الدوليين في مجال الفقر. بهذا تكون الحكومة قد وضعت يدها على بداية الطريق في تنسيق جهود مختلف مؤسساتها الرامية إلى مكافحة الفقر وفي المقدمة معالجة جيوب الفقر وفقاً لرؤية تنموية واضحة تسهم في توفير الحياة الكريمة لكافة المواطنين. |
|
|||||||||||||