العدد 10 - الملف | ||||||||||||||
تعدّ الرويشد اليوم من أفقر مناطق المجتمع الأردني؛ ففي فترة قصيرة تراجعت أعداد السكان إلى أكثر من النصف، وتشير المعطيات الإحصائية إلى أن عدد سكان المنطقة الذي كان يبلغ 16 ألف نسمة العام 2003، انخفض إلى حوالي 7 آلاف نسمة العام 2008 بسبب الهجرة المعاكسة باتجاه المفرق وواحة الأزرق. لفترة قصيرة، كانت منطقة الرويشد من أكثر مناطق البادية استقطاباً للسكان من خارج الإقليم، لتوافر الموارد الاقتصادية فيها، لكنها تحولت إلى بيئة طاردة للسكان بسبب الفقر والبطالة وتدني الدخل وقلة فرص العمل وحالة الانتظار لتحسين الوضع. وانتهت الحالة بالهجرة من هامش فقير إلى جيوب فقر جديدة. استمدت بلدة الرويشد، مركز اللواء، اسمها من وادي الرويشد، بعد أن كانت تعرف باسم الإجفور H-4 وتعني «حيفا أربعة»، أي المحطة الرابعة على خط نفط كركوك- حيفا، وتسكنها عائلات من أهل الجبل وبني خالد والغياث والنعيم والرولة والوافدين من معان والرمثا وإربد وبئر السبع، وتعمل هذه العائلات في قطاع خدمات الطرق والتجارة والإسكان. بلغت نسبة الهجرة من بعض التجمعات السكانية 55 في المئة. وبعض التجمعات، أصبحت مهجورة تماماً مثل: فيضة بني خالد التي يرى المارة أبواب ونوافذ مساكنها التي شيدت من الإسمنت والطوب والطين مغلقة، وبعضها مشرّعة فارغة، فيما يخيّم السكون والخراب والخواء في المكان، كأن عاصفة صحراوية اجتاحته وشردت سكانه. وبسبب تراجع إنتاجية المراعي وغلاء الأعلاف، هبطت أعداد المواشي، حيث بلغت نسبة انخفاض الأغنام 43 في المئة في منطقة كان 73 في المئة من قواها البشرية يعملون في قطاع الزراعة وتربية الماشية. تشهد منطقة الرويشد تناقصاً كبيراً في أعداد الأغنام، نتيجة تكرار نوبات الجفاف، وتدهور المراعي بسبب الرعي الجائر. لذا أصبح مربو الأغنام يعتمدون بشكل أساسي على الأعلاف التي تخضع لإجراءات إدارية تراوح بين الدعم ورفع الدعم وتعويم الأسعار، مما ينعكس سلبياً على الإنتاج، حتى إنه شاع مصطلح «الغنم كَلَتْ بعضها» في أوساط البدو، كناية عن أن كل مئة رأس تستوجب بيع عشرة منها، لتوفير نقد لشراء علف يكفي بقية القطيع. وحين تستمر هذه العملية يتلاشى القطيع، ويتم التحول إلى الإنتاج المنزلي، حيث تدخر بعض العائلات لنفسها عدداً محدوداً من رؤوس الأغنام والماعز، تحشر في حيز المسكن وتعرف بـ«المنّوحة» لغايات تلبية حاجات الأسرة من منتوجاتها، وأحياناً تبيع الأسرة رأساً أو اثنين لتوفير نقد يسد رمقها. ومما فاقم المعاناة أن المنطقة تعاني من الفقر والبطالة، وبحسب الإحصاءات الرسمية الخاصة بالمنطقة، فقد بلغ متوسط دخل الأسرة 60 ديناراً شهرياً، وبعض الأسر لا يوجد لها أي مصدر دخل صريح. وهذا يشمل ما نسبته 57 من الأسر. ويوجد فقط 13 في المئة من الأسر يزيد دخلها عن 100 دينار شهرياً. ويشكل صندوق المعونة الوطنية أحد الحلول كمصدر دخل. وتفيد المؤشرات الخاصة بالمنطقة إلى أن نسبة الفقر بلغت 73 في المئة، بينما بلغ مؤشر البطالة ما نسبته 59 في المئة من حجم قوة العمل. ويتصف الفقر في المنطقة، بأنه من النوع العنيد الذي تصعب محاربته بسبب قلة أو انعدام فرص العمل والخلل الديموغرافي. هذه الأوضاع شجّعت بعض المغامرين في هذه المنطقة الحدودية على ممارسة التهريب والتجارة غير المشروعة بهدف الإثراء السريع، وكان لهذه الظاهرة انعكاسات سلبية على مجتمعات المنطقة. ومن مظاهر الفقر والتهميش تدني مستوى الخدمات، فالوضع التعليمي يعاني مشكلة التسرب المدرسي وبطء التحصيل، لدرجة أن بعض المدارس أغلقت تماماً. وفي بعض التجمعات مثل منشية الغياث وروضة البندان، تصل نسبة التسرب إلى 80 في المئة، بسبب الهجرة المعاكسة، والتنقل بالمواشي، وعدم انتظام المعلمين بدوامهم الرسمي لبعد المسافات. في حين أن الأمية بلغت نسبة 33 في المئة بين الشباب من سن عشرين فما فوق، مقابل 9 في المئة على المستوى الوطني. ويعاني الوضع الصحي في المنطقة من نقص الكوادر والتجهيزات الطبية، ومن مشكلات صحية وأمراض بيئية ناتجة عن نقص ونوعية المياه. ويزيد المشكلة تفاقماً، ظاهرة ما يعرف بـ«البدون»، وهم فئة من مواطني المنطقة لا يملكون وثائق شخصية وإدارية رسمية، وذلك بسبب الهجرة والحراك في المراعي للجماعات الرعوية، وبسبب تعدد الأصول البدوية وتنقلها في الأقاليم. هذه الفئة محرومة بشكل مضاعف؛ مرة لكونها فقيرة، ومرة أخرى لكونها لا تستطيع الاستفادة من الخدمات والمساعدات المتاحة لافتقارها إلى الوثائق الرسمية. بهذا يكون تضافر عدة عوامل، قد ساعد على إفقار وتهميش المنطقة، من هذه العوامل؛ تدهور المراعي، وفقدان الطريق الدولي باتجاه العراق لدوره الاقتصادي بسبب حصار واحتلال العراق. منطقة الرويشد، تحتاج إلى حلول على المدى القصير تتطلب تدخل مؤسسات الدولة وتقديم مساعدات طارئة عينية وغذائية وصحية. وعلى المدى الطويل، تحتاج إلى تحسين نوعية الحياة والمياه، تطوير الخدمات، زراعة الأعلاف، التدريب الحرفي، واستثمار التجارة الإقليمية وتنشيطها. |
|
|||||||||||||