العدد 10 - الملف
 

ابتعاد البهائيين عن السياسة، جعل حديثهم عن معاناتهم أو تهميشهم منقوصاً، كما يُستشف من تصريح رندا، ابنة ممثلهم في الأردن عرفان روحي، التي أجابت لـے: «إحنا ما بنحكي بالسياسة، بس بأمور ديننا البهائي، وغير هيك ما بنحكي».

فالبهائي الذي يرزح تحت وطأة انتقاص حقوقه في مصر من عدم اعترافٍ بمذهبه وإقصاء وظيفي وعدم اعتراف بعقود زواج الطائفة، واعتقال وحبس في إيران، جعلته ينظر إلى واقعه المعاشي في الأردن «ببعض الامتنان» لكون الأردن يعترف بمذهبهم، ولوصول أحد رجالهم إلى موقع مرموق في الديوان الملكي.

الأردن يعترف بوثائق زواج البهائيين، ويقوم بتثبيت عقود الزواج في دائرة الأحوال المدنية، كما يؤكد مروان قطيشات مدير عام دائرة الأحوال المدنية والجوازات .

البهائيون في الأردن لا يشعرون بالتهميش، لكن يوجد غصة عند الكثيرين منهم؛ لعدم تثبيت ديانتهم على الهوية الشخصية ومعاملاتهم الرسمية، ورفع يافطات ولوحات على محافلهم وأماكن عبادتهم أسوة بالمسلمين والمسيحيين في الأردن، بوصف الأردن بلداً متسامحاً دينياً، وفق عرفان روحي أحد أبرز الشخصيات البهائية في الأردن.

البهائيون جاءوا إلى الأردن في نهايات القرن التاسع عشر في الفترة من العام 1890 وحتى العام 1900، وكان تواجدهم في منطقة العدسية انذاك.

يعدّون تعامل الدولة الأردنية معهم أفضل من تعامل الحكومة المصرية التي كانت تضع لأبناء الطائفة البهائية في خانة الدين على الهوية الشخصية أنهم مسلمون، حتى قضت المحكمة المصرية بضرورة وضع إشارة «---» مكان الدين.

يقترعون في الانتخابات البلدية والنيابية وانتخابات النقابات بمختلف هيئاتها، غير أنهم لا يترشحون لعضوية البلدية والنيابة. وتضحك تهاني حلمي، وهي من أبناء الديانة البهائية، وتعمل في المجال الإعلامي مراسلة لمجلة الصدى الإماراتية، وتسأل عبر ے هل «تحرضنا على المطالبة بكوتا للبهائيين»؟ «أتمنى ذلك»، لكنها تستطرد بقولها «نحن راضون بوضعنا».

السياسة عندهم من المحرمات، ويقول عرفان روحي «السياسة الروحانية لا يمكن أن تلتقي مع السياسة المادية، ولا نفكر بالترشح للانتخابات النيابية، لكننا نصوت وننتخب بدون إعلان عن مرشحينا المفضلين».

وفيما يتعلق بالحديث في السياسة، يقول عرفان الذي يلقب بأبو علي «أرجوك نحن لا نتحدث بالسياسة فهي من الممنوعات في ديننا ما دام الإنسان مخلصاً مع ربه ومحباً للناس ووطنه، فلا داعي للحزبية والسياسة».

أبرز مطالبهم، الاعتراف بالدين البهائي كدين، ووضع الديانة للبهائيين في خانة الدين على البطاقة الشخصية، أسوة بالمسلمين والمسيحيين، وإنشاء محاكم للبهائيين تنظر بالأحوال الشخصية لأبناء الطائفة.

دائرة الأحوال المدنية والجوازات العامة، قالت، على لسان مصدر فضل عدم ذكر اسمه، لـے إن الدائرة تنفذ القانون ولا يوجد في القوانين الأردنية ما يشير إلى الديانة البهائية حتى يتم اعتمادها على البطاقة الشخصية وغيرها من المعاملات الرسمية، لكنه يشير إلى أن دائرة الأحوال المدنية والجوازات تصادق للبهائيين على عقود الزواج الصادرة عن المحفل البهائي، وتصادق على الوثائق المتعلقة باعتبارهم أردنيين.

ويضيف عرفان أنهم يواجهون أحياناً بعض المواقف المحرجة عند إبراز البطاقة الشخصية في البنوك والمؤسسات الرسمية بالسؤال عن الدين، فنجيب «بهائي».

المحفل يقوم بأعمال الطلاق والزواج والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة البهائية و«قضايانا الشخصية تحل ودياً وروحياً»، وحول وجود مواقع وأماكن لعبادة البهائيين في الأردن، قال «لا يوجد لنا مواقع عبادة في الأردن ولا يوجد صلاة جماعة أو طقوس جماعية دينية نقوم بها».

ثمة جرح مكتوم عند البهائي نابع من الربط بين البهائية والصهيونية التي استثمرت وجودهم في حيفا إبان الاحتلال الإسرائيلي وقبلها الانتداب البريطاني، رغم عدم وجود أي رابط من أي نوع.

لكن محاولة اسرائيل تجميل صورتها المتسامحة مع الأقليات، منحت البهائية حرية في الحركة والتعبير نتيجة لنأي البهائي عن السياسة كما قالت تعاليمهم، وهذا ما فتح المجال خصباً للربط، بحكم العلنية في النشاط وتغاضي سلطات الاحتلال أو سماحها لهم بحرية المعتقد؛ فهم أقلية صغيرة نسبياً، أسهمت طقوسهم في العبادة في تدعيم هذا الربط؛ فطريقة ممارستهم لطقوسهم الدينية، كما تقول رندا روحي حلمي، لا تشغل بالهم كثيراً لأنه لا يوجد لهم طقوس دينية جماعية كالصلاة، بل إنهم يمارسون صلاتهم على انفراد، حتى الزوج لا يرى زوجته وهي تصلي لأن هناك، خصوصية بين العبد وربه في القضايا الروحانية، بحسبها، والبهائيون ليسوا كالمسلمين والمسيحيين، ولا يوجد لديهم مساجد وكنائس.

لم يتعرض أحد من أبناء الطائفة البهائية في الأردن للاعتقال السياسي، فالسياسة والحزبية غير موجودة في معتقدهم الديني، لكن هذا لا يعني أن أبناء الطائفة لا يعملون في أجهزة الدولة السياسية والخدمية والاقتصادية، بحسب عرفان روحي الذي شغل موقع مساعد أمين عام وزارة الزراعة، وكان والده يعمل في الديوان الملكي، ومن كبار موظفيه في عهد الراحل الحسين بن طلال.

يرفضون مبدأ التبشير، ويرون أن العلاقة الروحانية بين الإنسان وربه أسمى من التبشير بأي دين، فالبهائية ترحب بأي شخص يريد اعتناق دينهم لكنهم لا يسعون إلى التبشير.

يتواجد البهائيون في الأردن في العدسية وعمان وإربد والزرقاء وغيرها من مدن المملكة، ولديهم محافل بهائية عالمية في إربد وعمان وأماكن للاجتماعات، لكن لا يوجد أيه يافطات تشير إلى هذه الأماكن، غير أن أبناء الطائفة البهائية يعرفونها جيداً.

إحصاءات الجامعة البهائية الأخيرة على موقعها الإلكتروني، تشير إلى أن عددهم تجاوز الخمسة ملايين نسمه في مختلف دول العالم، وأنهم يعانون من اضطهاد ديني في إيران، ويزج بهم في السجون والمعتقلات الإيرانية رغم اعتراف بعض الدول بمحفلهم.

«على المستوى الشعبي، يوجد قبول من المجتمع الأردني، واجتماعاتنا تقام ونقرأ الدعاء مع بعض البهائيين»، هذا ما أثنى عليه العديد من البهائيين في الأردن.

وحول كتابهم العالمي السلام العالمي وعد حق، قال عرفان عندما استلم جلالة الملك عبد الله الثاني الحكم وجرى فتح مكتبة الراحل الملك الحسين بن طلال، وجد فيها كتاب السلام العالمي وعد حق الذي قدم هدية من الجالية البهائية للحسين. وقبل الحسين كان هناك قبول لدى الملك المؤسس عبدالله الأول.

وحول موضوع الممتلكات، يوجد أراض للبهائيين في منطقة العدسية استملكتها سلطة وادي الأردن، ولم يتم منح البهائيين المستحقات المالية أو تعويض بدل الاستملاك، وحجة الحكومة أن الأرض مسجلة باسم المحفل البهائي ولا يوجد في الوثائق الرسمية ما يشير إلى ذلك، الأمر الذي أدى إلى بقاء هذه التعويضات منذ أكثر من عشرين سنة في خزينة الدولة ،حسب ما يذكره بهائي طلب عدم ذكر اسمه.

منذر حدادين مدير عام سلطة وادي الأردن عام 1982- 1987، وزير المياه الأسبق، من جهته، يقول لـے «إنه لم يتم مصادرة أية حقوق وإنما تم تطبيق القانون على المواطنين سواسية»، ويشير الحدادين إلى سياق إعادة هيكلة ملكيات الأراضي الزراعية والسكنية في الأغوار في تلك الفترة، مؤكداً «أن السلطة كانت وما زالت تعوض أصحاب الحقوق الناجمة عن إعادة توزيع الملكيات في الأراضي والمياه تعويضاً نقدياً كما ينص القانون»

البهائيون في العالم لا يعنيهم دينُ منْ يتزوج أولادهم وبناتهم، فالبهائي، ذكراً كان أم أنثى، قد يتزوج من مسلم أو مسيحي أو غير ذلك، كما أنهم يقرأون الدعاء لأي شعب منكوب، ويتبرعون بالمال لأي صاحب حاجة، دون توظيف هذا المال لجذب الناس للدخول في ديانتهم.

البهائيون قبول «بالمقسوم» السياسي
 
01-Apr-2010
 
العدد 10