العدد 10 - الملف
 

لم يشهد الأردن منذ تأسيس الإمارة جدلاً مذهبياً بين السنة والشيعة يصل إلى حد الاشتباك اللفظي والضغط على الحكومة من قبل أشخاص نسبوا أنفسهم ممثلين عن الأغلبية السنية لسلب الحقوق المدنية للأقلية الشيعية كما هو حاصل الآن.

فلم يكن هناك وجود شيعي ككتلة سكانية تتوزع جغرافياً في الأردن بشكل واضح، ومنذ ثمانينات القرن الماضي، بدءاً بالحرب الإيرانية العراقية والتداعيات السياسية التي تلتها، مروراً باحتلال العراق للكويت وانتفاضات الشيعة في جنوب العراق، ثم الاحتلال الأميركي للعراق، كلّ ذلك فجر الخلاف الطائفي محلياً وعربياً وعالمياً.

وخرجت الفتنة الطائفية بين المذهبين في الإقليم عن عقالها، واحتلت مساحات واسعة في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وكان أكثره تأثيراً الإعلام الإلكتروني الذي يفتقد للضوابط التي من الممكن أن تمنع الجدل الطائفي من التحول إلى فتنة.

في الأردن كان الخطاب الإعلامي، مدفوعاً بمواقف رسمية، موجهاً ضد المذهب الشيعي، وتبنى كثير من الأردنيين موقفاً طائفياً تمييزياً دون أن يعيروا أدنى انتباه للأذى الذي يلحق بـ2000 إلى 3000 شيعي أردني يتمركزون شمال البلاد، وتحديداً، في منطقة الرمثا، بحسب ما أكده لـے عميد الطائفة الشيعية عقيل بيضون.

الموقف غير الإيجابي ضد الشيعة كان قائماً على فعل ورد فعل متبادل شعبياً ورسمياً، وكان أبرز مثال على ذلك مداخلة النائبة السابقة ناريمان الروسان النارية في مجلس النواب الرابع عشر، بدايات العام 2005 ، والتي طالبت فيها الحكومة آنذاك ورئيس وزرائها علي أبو الراغب توضيحاً، حول ما تردد إعلامياً وشعبياً من سماحٍ ببناء «حسينية» في الأردن لأبناء الطائفة الشيعية.

المداخلة التي حظيت بتأييد غالبية النواب الذين كانوا متواجدين في الجلسة، وبدعم «شعبي بالغٍ» بحسب الروسان، جاءت بعد ورود تقارير إخبارية حول إعطاء حكومة علي أبو الراغب الضوء الأخضر لمجموعة من رجال الأعمال العراقيين لبناء حسينية في منطقة عبدون.

اليوم وبعد مرور خمس سنوات، تؤكد الروسان أن موقفها من هذا الأمر ثابت حتى الآن، وهو في جوهره موقف قائم على التمييز الطائفي، وهي تؤكد أنها لا تفرق بين الشيعي الأردني أو الشيعي من أي جنسية أخرى. وتخلص إلى أنه لا يجوز بناء حسينيات خاصة بهم؛ لأن المذهب الرسمي للأردن هو المذهب السني»، ولأن المذهب الشيعي «بالنسبة لنا غير مقبول».

في الوقت الذي لا ترى فيه النائبة السابقة الروسان أي مشكلة في مبدأ التسامح مع المسيحيين، إلا أنها تجد صعوبة في تطبيق هذا المبدأ مع المذهب الشيعي، وهي التي تحسب نفسها على التيار العربي القومي في مسيرتها السياسية وتبرر موقفها من المذهب الشيعي بالقول إن الأردن لا يحتمل الإثارة الطائفية بين أفراد مجتمعة، وبخاصة إذا كانت تلبي «أغراضاً سياسية خارجية».

يلتقي هذا الموقف مع تصريحات سابقة لمصدر أمني لـے، شدّد على عدم ذكر اسمه، بشأن الموقف الرسمي الأردني إزاء موضوع التشيع، إذ يعزوه إلى «التحول الذي طرأ على المذهب الشيعي، وقيام إيران بتسييسه خدمةً لمصالحها في المنطقة»، ويتابع: «الناس هنا كانوا متسامحين مع المذهب الشيعي النابع من حبهم لآل البيت إلا أنهم شعروا بهذا التحول بعد الثورة الإسلامية الإيرانية العام 1979، وترسّخَ الحذرُ بسبب الموقف المزدوج لحزب الله تجاه ما يحدث في العراق، فخطابه الذي ركز على محاربة إسرائيل لم يُدِن فعلياً ما تمارسه أميركا في العراق، والتي سمحت بشكل واضح بحدوث فتنة طائفية هناك»، إلا أن المصدر نفسه لم يفسر الصمت الرسمي الأردني للجهد الأمريكي العسكري والسياسي في العراق.

القول إنه لم يكن هناك موقف تجاه الشيعة، وإنه لم تثر أي ضغائن ضدهم تاريخياً، ليس نتيجة وعي سياسي وثقافي بالتسامح وقبول الآخر، لكنه يعود إلى أن نحو 97 في المئة من سكان الأردن، هم من السنة بمن فيهم الأقلية الشركسية والقوقازية التي نزحت إلى البلاد مطلع القرن الماضي، كما أن الهجرات الفلسطينية ذات الغالبية السنية التي شهدها الأردن خلال العقود الماضية لم تؤثر على «التركيبة الطائفية» في البلاد.

إلا أن شمال الأردن، يشهد تواجداً مبكراً لأتباع هذا المذهب الإسلامي، أتى مع بعض المهاجرين الشيعة من الجنوب اللبناني، الذين كانت هجرتهم على دفعتين إلى الأردن، بحسب عميد الطائفة الشيعية في الأردن، عقيل بيضون.

وحتى مع ظهور نزاع طائفي بين المذهبين السني والشيعي منذ أكثر من عقدين، إلا أن الأردن لم يتأثر بانعكاسات التوترات الطائفية إلى الحد الذي يتأثر به هذه الأيام، ففي تسعينيات القرن الماضي تم تشييد مسجد كبير في مدينة المزار الجنوبي عند مقام الصحابي جعفر بن أبي طالب، وتم تشييد المسجد بتمويل من الحكومة الإيرانية، في فترة شهدت فيها السياحة الدينية الشيعية إلى الأردن ازدهاراً، حيث لم يكن بمقدور الزوّار الإيرانيين زيارة المراقد المقدسة في النجف وكربلاء خلال العقد الأخير من فترة حكم النظام العراقي السابق.

ومن أسباب هذا التسامح انفتاح العائلة المالكة في الأردن، بحكم نسبها إلى آل البيت باحتضان عدد من المؤسسات التي أسهمت في إبراز مفكرين شيعة وأكاديميين إيرانيين وعراقيين، وكانت جامعة «آل البيت» أول جامعة أردنية تدرس مساقات عن الفكر الشيعي كأحد المذاهب الإسلامية.

من الملاحظ أن الموقف الرسمي المعلن منذ عشر سنوات تقريباً تجاه المد الشيعي، والخوف من التسييس الإيراني للمذهب، وتبريراته الأمنية، توسع ليطال المشهد الاجتماعي في الأردن، ولا يرغب كثيرون بالخوض فيما إذا كان ذلك بالصدفة أو بشكل مخطط له.

إلا أن الثابت أن الشيعة في الأردن، أحسوا بتبدل واضح تجاه مذهبهم، ويشعر غالبيتهم بتمييز ضدهم وإحساس بموقف عدائي لم يسبق لهم أن جربوه، بحسب ما يؤكد عقيل بيضون لـے «أن غالبية الشيعة في الأردن يتخوفون من إعلان انتمائهم للمذهب إثر ما يحصل في العراق من نزاع بين المذهبين أدى إلى تشكل موقف رافض للمذهب الشيعي في الأردن».

ويؤكد بيضون أن كثيرين فقدوا وظائفهم بسبب انتمائهم لهذا المذهب وهو أحدهم إذ إنه يحمل رتبة متقدمة في سلاح الجو الملكي، ولكنه شعر أنه أجبر على تركه بسبب إعلانه لمذهبه، مضيفاً أن أحد أبناء عمومته اجتاز امتحانات وظيفة بنجاح، لكن الأمر انتهى بعدم تعيينه لأنه شيعي، كما يقول.

واستمر تأثير أحداث الإقليم وتدني مستوى الوعي السياسي والثقافي بالعمل على تفاقم الخلاف والتطرف بين بعض أوساط السنة ضد الشيعة والإسهام في خلق بيئة غير متسامحة.

ويتابع بيضون: «صحيح أنه لا مشكلة في الزواج بين السنة والشيعة في الأردن»، واصفاً إياه بغير المستهجن، دون أن يحدد نسبة له، لكنه يقول إن «الواقع اختلف بعد إعدام صدام حسين»، ويستذكر توزيع بيانات في مدينة الرمثا، آنذاك، تبيح سبي نساء الشيعة واستباحة أموالهم وإيذاءهم، والغضب العارم في الجنوب الذي منع شيعة عراقيين من زيارة مقام جعفر الطيار بعد ذلك.

ولدى سؤال ے عن سبب صمت الشيعة الأردنيين عن مثل هذا الموقف التمييزي ضدهم، يؤكد بيضون أنه «يعود للخوف من تفاقم هذا الموقف تجاههم».

وهذا الصمت يمكن تفهمه عند استذكار تصريحات النائب الإسلامي السابق تيسير الفتياني تشرين أول 2006 لصحيفة شيحان معبراً «عن قلقه إزاء ما أسماه بوجود نشاط شيعي خطير في الأردن «مضيفاً أنّ السنتين الأخيرتين شهدتا انتشاراً لما يسمّى «بالحسينيّات» تحظى بدعم من شخصيات عراقيّة شيعيّة كبيرة مقيمة في الأردن»، مشيراً إلى أنّ «هذه المراكز يتم فيها بثّ الفكر والعقيدة الشيعيّة المتطرفة».

ورغم مرور سنوات على هذه الأحداث، لكن الموقف الاجتماعي في الأردن ما زال في جوهرة طائفياً تجاه الشيعية، وزاد من عمقه الجدل الإعلامي والفقهي المتبادل من أبناء الطائفتين، الذي وصل إلى أبعد مدى من الشتم والتخوين والتكفير، الأمر الذي دفع أردنيين كثر لتبني موقف طائفي من الشيعة بشكل انعكس على سلوكياتهم تجاه الشيعة الأردنيين، فالأربعيني أبو خالد من سكان العاصمة يعبر عن دهشته ويقول «لم أكن أعلم أن هناك أردنيين شيعة» مبدياً عدم تقبله لذلك، ويؤكد أنه لا يشعر «أنه من الممكن أن أتعامل مع أحدهم بحياد، فما يحدث بالعراق ليس بقليل».

ويضيف: أننا اطلعنا في الأردن خلال السنوات الأخيرة عن قرب على ماهية المذهب الشيعي ومعتقدات الشيعة وموقفهم من السنّة، وأنه أصبح هناك كتب متداولة توضح ذلك، ولا يخفي أبو خالد دور الفضائيات في التأثير على مشاعره، وختم بالقول «بصراحة لا أشعر بالراحة تجاههم حتى لو كانوا أردنيين».

المدرسة الجامعية «س»، شيعية عراقية متزوجة من شاب سني أردني، رفضت الحديث عن هذا الموضوع لأنه «مستفز بالنسبة لها»، وتفضل أن لا تفصح عن مذهبها، وتقول إنها لا تمنع نفسها من الرد بغضب عند طرح الموضوع للنقاش، فالنظرة للشيعة «غريبة ومستفزة جداً في الأردن حتى على النطاق الاجتماعي».

مراسل موقع الجزيرة نت محمد النجار، الذي أعد تقارير إخبارية عديدة عن أتباع المذهب الشيعي منذ سنوات، كان شخصياً زار ما اصطلح على تسميته «فيلا عبدون» خلف السفارة الأميركية العام 2005، وقال إنها «فعلياً حسينية كان أتباع المذهب من العراقيين يمارسون فيها شعائرهم قبل أن يتم إغلاقها وبيعها نهائياً نتيجة ضغوط اجتماعية وإعلامية».

وبذلك تكون الحكومة فعلياً تبنت موقفاً تمييزياً تجاه الشيعة، و تراجعت عن تقديمها الضمانات لمواطنيها في ممارسة حقوقهم المدنية.

واستمر الموقف الرسمي الرافض للاعتراف بالوجود الشيعي، وتمثل هذا الاستمرار بعدم السماح لعدد من أتباع المذهب الشيعي العام 2006 من الحصول على موافقة لتأسيس جمعية تمثل أنشطتهم تحت اسم «جمعية الإمام الحسين».

الصحفي محمد النجار يرى وجاهة في الموقف الرسمي الذي تبرره هواجس أمنية تجاه المذهب الشيعي في الأردن، للأسباب السياسية المعروفة، لكنه يتحفظ على أي تهميش رسمي أو اجتماعي تجاه الشيعة الأردنيين، الأمر الذي لمسه شخصياً وبخاصة على الصعيد الاجتماعي، مؤكداً أنه أصبح لدى الشيعة الأردنيين تخوف من الاعتراف بأنهم يتبعون هذا المذهب، مضيفاً أنه التقى مع 10 أردنيين من مخيم البقعة ثابت له شخصياً اتباعهم للمذهب الشيعي، «لكنهم أنكروا ذلك».

وينقل النجار عن أحدهم قوله «كل من يمجد تاريخ الإمام علي يتهم بأنه شيعي وهذا أمر غير مقبول من قبل الأكثرية».

ويؤكد النجار من متابعته لهذا الملف أنه رسمياً أو قانونياً لم يتم أي إجراء بحقهم، مؤكداً «استدعاء عشرات منهم لجهات أمنية للتحقيق معهم، لكنه تم الإفراج عنهم وهم يمارسون عملهم بشكل طبيعي».

هذا ما يؤكده أيضاً مواطن شيعي فضل عدم نشر اسمه من عشيرة المثاولة، وهو ما اصطلح على تسمية عوائل الشيعة في الرمثا، حيث التواجد الشيعي الأردني الأبرز، ويقول «خلال السنوات السابقة تذكرنا أننا شيعة، لم نكن نشعر ولا نشعر الآن بأي تمييز ضدنا، على الأقل في محيطنا الاجتماعي في مدينة الرمثا، من حيث الوظائف وحقوق المواطنة».

ويتابع «قد يكون التمييز حصل تجاه الشيعة القادمين من العراق ولكننا كأردنيين لا نشعر بهذا الأمر».

الموقف الرسمي تجاه المذهب الشيعي وأتباعه عاد حالياً ليشهد بعض الانفراج، وذلك بعد طي ملف «قضية التشيع» مطلع هذا العام، بعد أن قضت محكمة أمن الدولة بعدم مسؤولية الأشخاص الستة في القضية التي وُجهت إليهم فيها تهمة «إثارة النعرات المذهبية عن طريق ترويج المذهب الشيعي».

لكن، ما زال مبكراً الحديث عن طي الملف نهائياً على الصعيد الرسمي؛ خاصة بعد خروجه من الغرف المغلقة، إذ أصبح الحوار والتراشق علنياً، كما أن كتباً توزع على نطاق واسع، تقول إنها تكشف «مواطن الخلل» في المذهب الشيعي.

إلا أن صمت مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب تجاه ردة الفعل المبالغ فيها تجاه الشيعة كان واضحاً ومثيراً للانتباه، فلم تكن هذه القضية على أجندة أي من هذه المؤسسات.

الأقلية الشيعية: الكلُّ ملام والأسباب خارجية
 
01-Apr-2010
 
العدد 10