العدد 10 - الملف | ||||||||||||||
تعقد من أجلهم مؤتمرات وورش عمل. لديهم مجلس أعلى لرعاية شؤونهم، وقسم لتشغيلهم في وزارة التنمية الاجتماعية وإستراتيجية وطنية لتحسين أوضاعهم. لديهم، أيضا، قانون خاص كفل لهم منذ العام 1993 العديد من الحقوق، وحلّ محله العام 2007، قانون آخر وسّع دائرة الحقوق هذه. لكن ما سبق لا ينفي واقعاً مفاده أن فئة المعاقين هي واحدة من أكثر فئات المجتمع تهميشاً، وأنهم يعانون من تعقيدات كبيرة تتعلق بممارستهم لحقوقهم الأساسية في العمل والتنقل، والزواج، بل وتمتد هذه المعاناة إلى تفاصيل صغيرة في حياتهم اليومية، فتتحوّل حاجة أساسية وبسيطة مثل «قضاء الحاجة» إلى كابوس للمعاق الذي يخرج إلى جامعته أو مدرسته أو المؤسسة التي يعمل فيها، في ظل عدم توافر دورات مياه مصممة لذوي الاحتياجات الخاصة في الأغلبية الساحقة من هذه الأماكن، والأعين التي ترصدهم بفضول في الأماكن العامة. رغم كل الكلام الكثير عنهم، لا يبدو أدل على حقيقة تهميشهم، من أنه لا أحد يعرف على وجه الدقة عددهم في الأردن، فهناك أرقام، كما يقول محمد حرز الله، مسؤول التشغيل في وزارة التنمية الاجتماعية، ولكنها أرقام متضاربة، فدائرة الإحصاءات حددت نسبتهم وفق تعداد السكان للعام 2004 بـ1.2 في المئة، والمجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين يقول إن نسبتهم هي 4 في المئة، أما نسبة البنك الدولي فهي بين 4 إلى 6 في المئة. المعاقون، كما يقول محمود السعود 37 عاما، هم ضحايا لمجتمع ما زالت قاعدته العريضة «تنتقص من آدمية» المعاق، وهو انتقاص يتخذ كما يرى شكلين هما الاستعلاء أو الشفقة، وهذا ما يقول إنه يتضح من نظرات الناس إلى المعاقين في الأماكن العامة، وهي النظرات التي يحاول هو دائما أن يتجاهلها. لكن السعود الذي يعمل مأمور مقسم في أمانة عمان الكبرى، يرى أن الشفقة التي يبديها المجتمع للمعاقين «زائفة» وأنها تتسم بـ«الأنانية» لأنها لا تترافق مع عملية دمج حقيقية من قبل هذا المجتمع، فالناس كما يقول يقدمون للمعاق المساعدة في قطع الشارع، مثلاً، إن كان مكفوفاً، وفي مناولته سلعة عن رف السوبر ماركت إن كان مقعداً ولكن «كم واحداً سيتقبل ببساطة فكرة أن يزوّجك ابنته حتى لو كانت إعاقتك هي مجرد العرج؟» بل وحتى لو اقتصر الأمر على المساعدات البسيطة السابقة «كم واحداً سيواصل تقديمها لك إن اضطر إلى ذلك؟». طلاب في جامعات أردنية يلفتون النظر إلى ما يقولون إنه «ظاهرة» ربما تؤكد على «انتقاص الآدمية» التي أشار إليها السعود. عمرو محمود الذي تخرّج قبل سنتين في كلية الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك يقول إن كثيراً من الطالبات اللواتي لم يكنّ يختلطن مع زملائهن الذكور، إما لأنهن يتبنين فكرة الفصل بين الجنسين أو لأنها مفروضة عليهن من قبل عائلاتهن المحافظة، كنّ، كما يقول، يختلطن بزملائهن من المعاقين، ويقدمن لهم المساعدة. محمود يعلّق بأن الأهل المحافظين سيغضبون إن تعاملت ابنتهم مع «شاب»، ولكنهم سيتسامحون، أو على الأقل ستكون ردّة فعلهم أقل عنفاً إن تعاملت مع معاق. التفسير الظاهري سيكون هو الشفقة والرغبة في مدّ يد العون، ولكن التحليل العميق قد يذهب باتجاه التأكيد على فكرة مفادها أن المعاق هو «أقل رجولة»، لهذا يلين معه هذا الموقف المتصلب ضد الاختلاط. ما يؤكد ذلك هو ما قالته أماني طوالبة، الطالبة في جامعة اليرموك، والتي تؤكد أن الأمر يشكل ظاهرة، طوالبة تقول إن الفتيات لا «يتخوّفن» من الشاب المعاق كما يتخوّفن من «الصحيح». قصة هيام 27 سنة، الطالبة في الجامعة الأردنية، هي تأكيد آخر على ذلك، فقد رسم لها زوجها عند دخولها الجامعة حدود علاقاتها بزملائها التي «يجب أن لا تتعدى بأي حال تبادل التحية»، ولكنه تغاضى عن ارتباطها بصداقة مع زميل لها مقعد، وتقبل فكرة أن زميلها هذا كان أحياناً يتصل بها ليستفسر منها عن أمور تتعلق بالدراسة، وتعزو ذلك إلى أن زوجها لا يرى أن شخصاً معاقاً يمكن أن «يشكّل خطرا». هذا النمط من التفكير يقول محمد الوقفي 25 سنة، ويعمل موظفاً في مكتبة، إنه يمثل قطاعاً كبيراً من الناس، وهو السبب كما يقول في أن الزواج هو واحد من أكثر المجالات التي يجد فيها المعاقون أنفسهم مهمشين، فهم، بحسبه، يعرفون أن مساحة الاختيار أمامهم «شديدة الضيق». الوقفي، الذي أصيب بالشلل إثر تعرّضه قبل ثلاث سنوات إلى حادث سيارة أصيب فيه نخاعه الشوكي، يقول إنه يفهم مع ذلك عندما تكون الإعاقة شديدة، فهنا يترتب على الزواج من معاق صعوبات ومسؤوليات إضافية يجد أشخاص مقبلون على الزواج أنهم لا يرغبون في تحمّلها «وهذا حقّهم». لكن السعود الذي لم يخض إلى الآن تجربة التقدم لخطبة فتاة، ولكنه كان شاهداً على الكثير من «خيبات» أصدقاء له معاقين، يقول إن تعنت الأهل يمتد ليشمل حتى حالات الإعاقة الخفيفة التي لا يترتب عليها أي احتياجات خاصة كالعرج مثلاً. إذا كان الزواج للمعاق الذكر يشكّل تحديّاً فوق العادة، فإن أرقام دائرة الإحصاءات العامة تثبت أن الأمر أكثر تعقيداً بالنسبة للفتاة المعاقة، فمقابل ما يقارب 12 ألف حالة زواج مسجلة لمعاقين ذكور، هناك 3500 حالة زواج من معاقات، وذلك وفق تعداد العام 2004. أفنان الشلة 22 عاماً، الطالبة في السنة النهائية في جامعة اليرموك، وتعاني من إعاقة حركية تجعلها تمشي باستخدام العكازات تقول إن الهاجس الأكبر بالنسبة للفتاة المعاقة هو أن ترتبط بشخص «يعايرها» فيما بعد بإعاقتها. بالنسبة لها فإن فكرة الزواج ليست في قائمة خططها المستقبلية «لا أفكر في شيء سوى العمل وإكمال دراستي العليا». ما سبق يؤكد أننا كمجتمع ما زلنا عاجزين عن «قبول الأشخاص المعاقين بوصفهم جزءاً من طبيعة التنوع البشري» كما تنص المادة 3 من قانون حقوق الأشخاص المعاقين للعام 2007، ولكن هذه المادة كما وكثير من مواد القانون هي كما يقول أخصائيا التربية الخاصة جميل الصمادي وإحسان الخالدي، في ورقة عمل قدّماها إلى المؤتمر الوطني الأول حول الإستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقات (2007-2015) ليست أكثر من «أمنيات وإشارات حسن نية، ولا ترقى لأن تكون قانوناً يجب أن يطبق». قانون رعاية الأشخاص المعاقين كفل للمعاقين حقوقاً منها الالتزام بكودات بناء مناسبة لأصحاب الإعاقات، وإلزام المؤسسات التي لا يقل عدد العاملين فيها عن 25 عاملا ولا يزيد على 50، تعيين صاحب إعاقة واحد على الأقل إن سمحت طبيعة عمل المؤسسة بذلك، كما ألزم القانون المؤسسات التي يزيد عدد العاملين فيها على 50 بتعيين ما نسبته 4 في المئة من نسبة العاملين، كما نص القانون على استيفاء غرامة من المؤسسات المخالفة. ورقة العمل التي قدّمها الصمادي والخالدي، قالت إنه باستثناء الإعفاءات الضريبية لأجهزة المعاقين التي يتم استيرادها، ووسائل النقل الخاصة بهم وباقي الإعفاءات المادية، فإن القانون غير مفعل بشكل حقيقي. المفارقة أن الحكومة نفسها لا تطبق القانون، فوفق تقرير أصدره في كانون الأول 2009، المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية تحت عنوان «الواقع التشغيلي للمعاقين في الأردن: طموحات كبيرة وواقع صعب»، فإن الحكومة تعين ما يقل عن 1 في المئة من المعاقين، في حين تنخفض عن ذلك في القطاع الخاص. تفعيل القانون يبدو هو بصيص الأمل الذي يتمسك به المعاقون، إذ إنه سيسهم بشكل إيجابي في تحسين فرص اندماجهم في المجتمع، وإعطائهم، من ثم، فرصة العمل التي ستغيّر من النظرة السلبية المسبقة تجاه إمكاناتهم، كما أن ملاءمة المرافق العامة وتحسين وسائل النقل سيزيد من فرص خروجهم إلى الحياة العامة، ويزيد بالتالي من احتكاكهم بالناس، ما يسهم في تكوين علاقات لا تكون فيها الإعاقة أساساً في الحكم عليهم. لكن حرز الله ينبه إلى أن أي خطط لتحسين أوضاعهم لا يمكن أن تتم دون أن يكون هناك إحصائيات دقيقة تمثل واقعهم في الأردن من حيث، أعدادهم وتوزيعهم جغرافياً وأنواع إعاقاتهم وشدتها ومؤهلاتهم العلمية ونسبة المشتغلين منهم، منوّهاً إلى أن «مسحاً وطنياً» قد بوشر به قبل ست سنوات تقريباً، كان من المفروض أن تصدر عنه قواعد بيانات توثّق ما سبق، ولكن المسح تعثر وأوقف دون أن تخرج نتائجه الشاملة، في حين أن نتائج أولية ظهرت لبعض المحافظات لم تعكس، كما يقول، واقع الإعاقات فيها، وهو يعزو السبب إلى الآلية الخاطئة التي اتبعت في تسجيل الإعاقات، حيث اقتصر التسجيل على من بادروا بالذهاب إلى المراكز. |
|
|||||||||||||