العدد 10 - الملف
 

تهتم الصحافة بما يقوله الوزير، ولكن لم لا يهتم أحد بما يقوله الآذن في الوزارة، وبائع الطوابع في ممراتها، و كاتب الاستدعاءات على أبوابها؟

التساؤل السابق طرحته افتتاحية العدد الأول من مجلة المستور، وهو يلخص الهدف الأساسي الذي حددّته المجلة لنفسها، في أن تكون صوتاً للفقراء المهمشين وعيناً عليهم.

في المستور، تقرأ قصص نابشي الحاويات، عمّال المراحيض العامة في عمان، لقّاطات البندورة في الأغوار، ما تبقى من مربي ماشية في الرويشد، المتاجرين بالبضائع السورية في الرمثا، والباعة من الأطفال على شاطئ العقبة.

لكن مجرد الكلام عن الفقراء، لم يكن هو الثغرة التي حاولت المستور أن تسدها بوصفها أول مطبوعة «متخصصة» في قضاياهم في الأردن والعالم العربي، ذلك أن الكلام عنهم في الإعلام كثير، كما يقول ناشر المجلة ورئيس تحريرها الكاتب الساخر أحمد أبو خليل، «ما تحاول المجلة فعله هو تغيير طريقة هذا الكلام».

الفقراء كما يقول أبو خليل، يحْضرون في قصص الإعلام غالباً بوصفهم منكسرين ومثيرين للشفقة، أو كسالى ينتظرون المعونة، أو يكونون على هامش الاحتفاء بإنجاز مسؤول أو منظمة أهلية، أو دليلاً على مصداقية فعالية إحسان رعتها مؤسسة تجارية.

فقراء المستور ليسوا كذلك، إنهم ديناميكيون، يمتلكون عيوناً لاقطة، ويبتكرون الطرق التي تساعدهم على التعايش مع إمكاناتهم شديدة الشّح، ودون مساعدة رسمية، ومثال عليهم: نساء شرق عمان اللواتي يحفرن الكوسا ويقطفن الملوخية ويبعنها لنساء غرب عمان المقتدرات؛ الرجال والأطفال الذين يبيعون الكرتون كي يستخدمه، بديلاً عن سجادة الصلاة، مصلو يوم الجمعة في المسجد الحسيني، وسط العاصمة، الذين لا يجدون مكاناً لهم داخل المسجد، فيفترشون ساحته. وهم أيضاً سكان المناطق السياحية الذين لم تفسح لهم السلطات مكاناً في إستراتيجية لتطوير السياحة، فطوّروا بأدواتهم البسيطة إستراتيجياتهم «غير الرسمية»، القائمة على ترويج سلعهم المكونة من ثمار أراضيهم، وسلال القش، وحتى استخدام دواب الحراثة لأخذ السياح في نزهة.

فقراء المستور لا يبتكرون فقط حيلاً لمواجهة فقرهم، بل يفعلون ذلك غالباً في مواجهة سياسات رسمية تعمل ضدهم، ومنهم مربو الماشية الذين «دمرت» سياسة رفع الدعم عن الأعلاف مهنتهم، فتحوّلوا إلى صندوق المعونة الوطنية، وبائعو البسطات الملاحقون من البلديات، والنساء اللواتي يجمعن في المواسم أعشاب الخبيزة والحميض وغيرها، فتصادر بضائعهن، ويُوجَّهن في أحسن الحالات إلى جمعيات «تعزيز الإنتاجية» لتسوّق إنتاجهن، التي تتقاسم معهن أرباحهن الهزيلة.

المجلة التي تتكون هيئتها الاستشارية من متخصصين في الأنثروبولوجيا، اعتمدت منهجاً في كتابة القصص، دمجت فيه أدوات هذا العلم القائمة على الملاحظة والمشاركة، بقواعد التحقيق الصحفي، فكانت النتيجة «قصصاً غنية بالتفاصيل الحيّة، مكتوبة بلغة صحفية جذابة، وتتمتع فوق ذلك بمصداقية علمية وجدية في التحليل»، بحسب ما يراه الكاتب في المستور، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة آل البيت، عبد العزيز محمود.

هذه المعايشة الحيّة للواقع، هي ما جعل المجلة تخلق «منظاراً جديداً» في التعاطي مع قضية الفقر و«مستوراته التي لم تعد مستورة» كما يقول أستاذ علم اجتماع التنمية في جامعة مؤتة حسين محادين، فالمجلة كسرت الاحتكار الرسمي للرواية عن الفقر، و«عرّت إخفاق الكثير من خطط مكافحته».

المجلة التي تدخل في حزيران/ يونيو 2010، عامها السادس، كانت خلال مسيرتها، كما الفقراء الذين تتحدث عنهم، تتعثر ثم تنهض. فقد شهدت عدة انقطاعات، كما أنها بدأت شهرية ثم تحوّلت إلى فصلية وهو أمر سبَبُه، إضافة إلى شح التمويل، كما يقول أبو خليل، صعوبة توفير مادة علمية متخصصة تكون ضمن المستوى المطلوب، وتكفي للصدور شهرياً.

شح التمويل يظل هو التحدي الأكبر الذي يواجه المجلة القائمة بشكل أساسي على التطوع، ويهددها حاليّاً بالتوقف عن الصدور، رغم أن الميزانية السنوية اللازمة لإصدارها لا تتعدى الخمسة آلاف دينار.

محادين يرى أنه من الطبيعي أن لا تحظى المجلة بدعم من القطاع العام لأنها تكشف إخفاقاته، ولا من القطاع الخاص لأنها تكشف عدم تحمّله لمسؤولياته الاجتماعية لقاء ما يحققه من أرباح، لكن المفارقة، بحسب رأيه، هي أن لا تدعمها منظمات المجتمع المدني التي تسعى معها «ظاهرياً» إلى تحقيق الأهداف نفسها.

المستور مجلة الفقراء المهشمين التي تشبههم
 
01-Apr-2010
 
العدد 10