العدد 10 - محلي
 

أعاد تقرير منظمة global integrity، الذي منح الأردن تقدير «ضعيف جداً» في مجال النزاهة العامة، إلى الواجهة مجدداً، مشهد التعاطي الرسمي مع تقارير المنظمات الدولية، والذي يواجه الحقائق والأرقام بلغة انفعالية، وكلام عام.

فإزاء تقرير منظمة freedom house، الذي صدر في كانون الثاني/يناير 2010 وسجّلَ تراجع الأردن من بلد حرّ جزئياً إلى بلد غير حرّ، ردّت الحكومة بلسان ناطقها الرسمي نبيل الشريف بعبارة «إنهم لا يعرفون الأردن».

ورداً على تقرير منظمة human rights watch، الذي صدر في شباط/فبراير 2010، وانتقد عمليات سحب الجنسية من مواطنين أردنيين من أصل فلسطيني، دعا الشريف إلى مواجهته بـ«هبة».

والآن يأتي تقرير global integrity، الذي صدر في شباط/ فبراير 2010، ليعطي الأردن العلامة 55 من مئة، مسجّلاً تراجعاً مقداره 5 درجات عن العام 2008، و17 درجة عن العام 2007، الذي كان قد نال فيه الأردن علامة 72، بتقدير متوسط.

هنا أيضاً كان للشريف تصريح مثير للجدل، فقد قال لصحيفة الدستور، إن التقرير «انتقد قانون حق الوصول إلى المعلومات رغم أنه الأول في العالم العربي»، وعبّر عن استغرابه لأنه كان «من الأَولى بالتقرير أن يشيد بهذه الخطوة»، علماً بأن تقرير المنظمة لم ينتقد القانون المذكور، بل أشاد به ووصفه بأنه «خطوة إلى الأمام»، لكنه ذكر أنه غير مفعّل بشكل حقيقي، لأنه مقيّد بقانون آخر هو قانون حماية أسرار ووثائق الدولة لسنة 1971.

تصريح الشريف نموذج على الأسلوب الذي تواجه به الحكومة التقارير الدولية، وهو أسلوب كما يقول الكاتب في صحيفة الغد محمد أبو رمان، لا يقوم على مناقشة علمية لمضامينها، بل يعتمد على «الدعاية ومواجهة الحقائق والأرقام بادعاءات»، والأسوأ «التقاط مقولة من هنا، ومقولة من هناك».

اعتمد تقرير global integrity وهي منظمة أميركية غير حكومية وغير ربحية، تجمع وتنشر وتوثق معلومات تتعلق بالحكم واتجاهات الفساد في أرجاء العالم، في التقييم على 300 «مؤشر نزاهة» في ست مجموعات، هي: المجموعة الأولى تمثل المجتمع المدني والإعلام وإمكانية الوصول إلى المعلومات، وحصل الأردن فيها على تقدير ضعيف. المجموعة الثانية تتعلق بنزاهة الانتخابات والتصويت والمشاركة الشعبية فيها والتمويل السياسي؛ المجموعة الثالثة، تتناول مساءلة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإجراءات الموازنة؛ المجموعة الرابعة، تبحث في أنظمة الخدمة المدنية والإجراءات الوقائية من الكوارث والمشتريات والخصخصة؛ والمجموعة الخامسة تتعلق بالرقابة والتنظيم وتشمل ديوان المظالم وديوان المحاسبة، الضرائب والجمارك، المؤسسات التي تملكها الدولة، واستخراج التراخيص التجارية؛ وقد حصل الأردن فيها جميعها على تقدير «ضعيف جداً».

أما المفاجأة، فقد كانت حصوله على تقدير «قوي» في المجموعة السادسة والأخيرة والتي تشمل هيئة مكافحة الفساد وقانون مكافحة الفساد، وسيادة القانون وتطبيقه، حيث نال الأردن علامة 82 من مئة، وإن انتقدت المنظمة في هذا المحور الفجوة بين القانون الذي مُنح العلامة مئة، وبين تطبيقه الذي حصل على العلامة 72.

المفاجأة هنا تأتي من كون المنظمة قد نوّهت في مقدمة التقرير بهذا المحور تحديداً، وقالت إن «نتائج مختلطة» تمخّضت عن إعادة الهيكلة التي تمّت خلال السنوات الأخيرة لمؤسسات مكافحة الفساد في الأردن، ووصفت أداء هيئة مكافحة الفساد بأنه «بطيء»، مشيرة إلى التخوفات من «التدخلات السياسية»، التي استشهدت عليها بحادثة إقالة رئيس ديوان المحاسبة مصطفى البراري، الذي كان معروف البخيت قد أنهى خدماته في الأسبوع الأخير من عهد حكومته، ولكن رئيس الوزراء اللاحق نادر الذهبي أعاد تعيينه فوراً.

رئيس هيئة مكافحة الفساد عبد الشخانبة، رأى أن التقرير اشتمل على «تناقض»، وتساءل في تصريح لـے «كيف تحوز جهود مكافحة الفساد في الأردن على علامة 82 في المئة، ثم توصف بعد ذلك بأنها بطيئة وخائفة من التدخلات السياسية؟»، مشيراً إلى تقرير منظمة الشفافية العالمية الصادر قبل شهر من هذا التقرير، واحتل فيه الأردن المرتبة 48 من بين 180 دولة، وكان الخامس عربياً في مجال مكافحة الفساد.

الشخانبة انتقد من ناحية أخرى التغطيات الصحفية للتقرير التي لم تُشر إلى التقدير السابق، واكتفت بالإشارة إلى التنويهات التي وردت في مقدمة التقرير وتعلّقت بمكافحة الفساد وديوان المظالم وقانون الحق في الحصول على المعلومات، وهي تنويهات تكررت في الخبر الصحفي الذي أطلقته المنظمة للصحافة وأعلنت فيه عن صدور التقرير، الأمر الذي جعله يبدو وكأنه تقرير «يتعلق فقط بجهود مكافحة الفساد في الأردن، في حين أنه يتعلّق بالنزاهة العامة في مجمل مؤسسات الدولة».

«التناقض» الذي أشار إليه الشخانبة، عَدَّهُ رئيس جمعية الشفافية الأردنية باسم سكجها «ثغرة» في التقرير، ولكن ليس باتجاه التأكيد على جهود مكافحة الفساد كما ذهب الشخانبة، بل العكس، فهو يرى في تصريح لـے أن جهود مكافحة الفساد التي وصفها بـ«غير الجدّية» في الفترة التي رصدها التقرير، نالت تقديراً لا تستحقه، إضافة إلى «غرابة» أن ينال قانون مكافحة الفساد العلامة مئة، في حين أن فيه «العديد من الثغرات التي من أبرزها أن رئيس هيئة مكافحة الفساد موظف حكومة يُعَيَّن ويُقال من قِبَلها؟».

عدم تحديث البيانات في رأي سكجها ثغرة أخرى في التقرير، فالوقائع المدرَجة بوصفها انتهاكات للنزاهة العامة، تقف عند تموز/يوليو 2008، و«لا منطق في أن يخلو التقرير الذي يُفترض أن يكون خاصاً بالعام 2009 من وقائع تتعلق بهذه السنة»، ويشير في هذا السياق إلى حادثة عزل البراري الذي قال التقرير إنها تمّت «مؤخراً»، في حين أنها تعود إلى العام 2007. ولكنه يؤكد مع ذلك على أن التقرير وإن اشتمل على «أخطاء منهجية» إلاّ أن النتائج التي خرج بها صحيحة، فالأردن عاش في تلك الفترة «تراجعاً في مختلف المجالات».

مراسل لوكالة أنباء عالمية اشترك في إعداد أحد التقارير السابقة للمنظمة نفسها وفضّل عدم الكشف عن اسمه، حاول توضيح الصعوبات التي تعترض معدّي التقارير الدولية، وقال لـے إن إدراج منظمة دولية لوقائع فساد في تقرير لها يحتاج إلى وثائق ومعلومات أكيدة، وفي ظل «غياب الشفافية وضعف التعاون الرسمي»، يحدث كثيراً أن كل ما يكون متوافراً لمعدّي التقرير حول القضايا المثارة هو «إشاعات»، لا يمكن اعتمادها في تقرير دولي.

ولفت المراسل إلى أن قضايا كبرى كُشفت على العلن، مثل اختلاس وزارة الزراعة والمصفاة، أُعلن عنها بعد إنجاز تقرير العام 2009، الذي يسلَّم في العادة في آب/أغسطس أو أيلول/سبتمبر من السنة نفسها التي يغطيها، علماً أن معظم المقابلات التي أجرتها المنظمة مع كتّاب ومحامين وخبراء ونشطاء في العمل المدني كانت كما هو مثبت في التقرير خلال العام 2009.

اللافت في نتائج التقرير هو الإشارة المستمرة إلى الفجوة بين القوانين وتطبيقها، فإضافة إلى قانون مكافحة الفساد الذي نال العلامة مئة، ونال تطبيقه 72، هناك قانون حق الوصول إلى المعلومات الذي قال التقرير إنه موجود على مستوى «النظرية»، لكنه في الممارسة العملية مقيَّد بقانون حماية أسرار ووثائق الدولة لسنة 1971، وقانون المطبوعات والنشر، كما أن الكثير من المسؤولين بحسب التقرير، يمتنعون عن تقديم المعلومات بحجة أنها ستمثل «وصمة» على البلد.

وهناك قانون الانتخابات الذي نصّ على إجرائها وفق جدول زمني منتظم، في حين أنها أُجِّلَت أكثر من مرّة. كما نصّ القانون على سريّة الاقتراع، في حين يذكر التقرير أنه تمّ رصد مخالفات في 14 في المئة من مراكز الاقتراع، انتُهكت فيها إجراءات السرّية، أو تواجدَ في مركز الاقتراع عددٌ من الناخبين، أكبر من العدد المفترَض تواجده في مركز واحد، بحسب ما جاء في التقرير.

يُذكر أن العلامة التي حصل عليها بند نزاهة الانتخابات في التقرير كانت 10 من مئة.

وفي ما يتعلق بديوان المحاسبة، فقد نصّ القانون على أن الديوان «محميّ من التدخلات السياسية»، ومع ذلك فقد تمّت إقالة أحد رؤسائه كما سبق، وذلك بسبب «موقفه من الحكومة» كما ذكرَ التقرير، كما أن القانون نصَّ على أن من حق المواطنين الاطلاع على تقارير الديوان، لكنها في التطبيق العملي ليست متاحة للعموم، وإن كان بإمكان المواطنين طلب الاطلاع عليها وفقاً لقانون حق الحصول على المعلومات المقيَّد بدوره بقوانين أخرى. ووفقاً للتقرير، فإن الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني يمكنهم الحصول على هذه التقارير «ليس بوصفها حقّاً لهم، بل باستخدام صلاتهم الشخصية».

هذه الفجوات بين القوانين وتطبيقها، تؤكد كما يقول أبو رمان، انطباع الكثير من الدبلوماسيين في الخارج حول الأردن، عن كونه بلداً «يتكلم ولا يعمل»، وسبب ذلك أن «لدينا في الأردن الكثير من العناوين البرّاقة، كتلك المتعلقة بالإصلاح السياسي، والتنمية السياسية وتحسين بيئة الاستثمار ومكافحة الفساد، ولكن انعكاسها في الممارسة العملية ضعيف جداً».

أبو رمان يستشهد بجهود مكافحة الفساد، ويرى أنه رغم الكلام الكثير والمستمر لسنوات عنها، فإن الناس يمتلكون قناعة بأن الفساد في الأردن «متجذِّر»، وحتى عند فتح قضايا فساد مثل قضية المصفاة مؤخراً، فإنهم يعتقدون أنها تنطوي على قدر كبير من «التسييس والانتقائية»، والحلّ كما يقول لا يكون إلا بـ«قرار سياسي» يتعامل مع الملفات الشائكة بما يعيد الثقة إلى الناس، ويأتي في هذا السياق كما يقول أبو رمان ضرورة أن تطوّر الحكومة أداءها في التعامل مع المنظمات الدولية ومع تقاريرها التي قد يشوبها الخلل أحياناً بوصفها في النهاية «جهداً بشرياً»، ولكن على الحكومة الاعتراف بأن إجماع منظمات دولية مختلفة، كما حدث مؤخراً على أن الأردن يعيش تراجعاً في أدائه، «هو أمر مثير للقلق».

تقرير دولي ثالث خلال شهرين - الأردن «ضعيف جداً» في مجال النزاهة العامة
 
01-Apr-2010
 
العدد 10