العدد 10 - محلي
 

زيد، يعمل والده فني أجهزة طبية، ووالدته معلمة في مدرسة خاصة. كان يذهب إلى مدرسته الخاصة في عمان في باص المدرسة. في مدرسته معلمون يحملون مؤهلات عالية، ثلاثة من معلمي الفيزياء على سبيل المثال مهندسو كهرباء، وأحدهم كان يستعد لنيل درجة الدكتوراه في الجامعة الأردنية.

في المدرسة مختبرات علمية بتجهيزات عالمية، وملاعب بقياسات دولية، وأندية لممارسة ألعاب السلة والطائرة والتايكوندو والموسيقى والرسم، إضافة إلى النشاط الكشفي الذي أتاح له زيارة مصر ولبنان، وقد تمكن زيد وزملاؤه من تمويل جزء من نفقات هذه الرحلات عبر بازارات يقيمونها كل سنة.

أسرة مكونة من اثني عشر فرداً، ابن لمزارع صغير في الأغوار الجنوبية، كان يسير على قدميه 2 كيلو متر كل يوم وفي الظروف الجوية المختلفة، لعدم توافر قيمة المواصلات التي لم تكن أصلاً منتظمة.. يصل إلى المدرسة في حالة إنهاك شديد، وغالباً ما يتعرض للتقريع بسبب وصوله متأخراً، تبلغ درجة الحرارة في الصف 45 درجة مئوية، هناك مروحة واحدة مهمتها توزيع الهواء الساخن على مساحة الغرفة البالغة ستة أمتار مربعة. يتوالى عليه معلمون شبان، يكونون في الغالب في سنتهم الأولى في المهنة، جاءوا هم أنفسهم من أماكن بعيدة. تعوزهم الخبرة الكافية لا في إيصال المعلومة فحسب، بل وفي إدارة الطلاب الذين يخرجون عن السيطرة في الحصص، فيعوض المعلمون نقص خبرتهم بالشتائم التي تكون في العادة بحسب عبد الله: «يا وسخ، حيوان، مش مربّى لا إنت ولا أهلك»، وبالضرب الذي يكون بالعصا أو «الشلاليت».

بعد انتهاء دوام المدرسة، يذهب عبد الله لمعاونة والده في البستان، حيث يظل إلى مغيب الشمس.

تلكما حالتان متباينتان تفسران إلى حد ما السبب في اكتساح مدارس التعليم الخاص المراكز الأولى في امتحان الثانوية العامة كل عام، لدرجة أن بعضها يسجل نسب نجاح تصل إلى 100 في المئة، في حين أن مدارس حكومية، وبالتحديد في المناطق النائية مثل الأغوار الجنوبية والغربية والبادية والجنوب، تسجل نسب رسوب تصل أيضاً إلى 100 في المئة، كما حدث العام الجاري في مدارس فيفا للذكور في الأغوار الجنوبية، وأبو بنا للذكور في الطفيلة، وبنات مجرا الثانوية في الكرك.

في العام الجاري، هناك خمس مدارس حكومية للذكور فقط في قائمة المدارس العشرين الأوائل على المملكة في الثانوية العامة، أربع منها مدارس لا تقبل أساساً إلا المتفوقين، إحداها اليوبيل، والثلاث الأخريات هي مدارس الملك عبد الله للتميز. أما المدرسة الحكومية «العادية» الوحيدة التي تمكنت من الوصول إلى هذه القائمة، فهي مدرسة تلعة الرز في محافظة جرش، إذ حصلت على نسبة نجاح 100 في المئة، وكان عدد المتقدمين لامتحان الثانوية العامة فيها طالبَين اثنين، نجح كلاهما.

في المقابل، هناك ثماني عشرة مدرسة حكومية للذكور في قائمة العشرين الأواخر، مقابل مدرسة واحدة خاصة وأخرى تابعة للثقافة العسكرية.

وضْع مدارس الإناث الحكومية يبدو أقل سوءاً، فهناك ست مدارس منها في قائمة العشرين الأوائل، مقابل تسع عشرة مدرسة في قائمة العشرين الأواخر.

محمد جمعة الوحش، الوزير الأسبق، والذي شغل منصب مدير التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم، يحذر من الوقوع في فخ التسليم الكامل بأن نتائج المدارس الخاصة كلها حقيقية، فهو يلفت النظر إلى ممارسات تلجأ إليها بعضها، عندما تقوم باستقطاب المتفوقين من المدارس الحكومية وتمنحهم بعثات لتسجل بعد ذلك نجاحاتهم على أنها إنجاز لها. لكنه مع ذلك يقول إن هذه ممارسات مقصورة على عدد من المدارس، وهي «معروفة الآن» بحسبه، مستدركاً أن أحداً لا ينكر أن هناك مدارس خاصة عريقة توفر لطلبتها ومعلميها تسهيلات لا تستطيع المدارس الحكومية توفيرها، ما ينعكس على سويّة نتائجها المدرسية.

«نحن مجرد ممر»، يقول سليمان النوايسة، ولي أمر طالب أنهى الثانوية العامة بمعدل 58.8، وكان مع طالب آخر الوحيدَين اللذين تمكّنا من النجاح من أصل 32 طالبَ توجيهي في مدرسة غور المزرعة الثانوية للذكور. النوايسة يشير إلى قضية عدم استقرار المعلمين، ففي كل عام يُعيَّن في مدارس المنطقة معلمون جدد دون أي خبرة، وبعد أن يكتسبوا بعض الخبرة، أو بعد مرور سنة على تعيينهم، يتم نقلهم.

عدم استقرار المعلمين بحسب «س»، وهو مشرف تربوي في وزارة التربية فضّل عدم الكشف عن اسمه، يسهم في تدني نسب النجاح في الثانوية العامة، أما عندما يُكلَّف بالتدريس معلمون جدد يفتقرون إلى المعرفة الكافية بالمادة، والقدرة على إيصال المعلومة. فذلك يشكل عاملاً رئيساً في ضعف التأسيس الذي يعاني منه الكثير من الطلبة، ويؤدي إلى «ظاهرة» تنامي عدد الطلبة الذين يصلون إلى صفوف متقدمة غير قادرين على القراءة والكتابة.

الخلل في رأي «س» يكمن في نظام ترفيع الطلبة، فالقانون حدد نسبة للرسوب منعَ تجاوزها، هي 5 في المئة للصفوف الثلاثة الأولى، و10 في المئة من الرابع إلى السادس، و15 في المئة من السادس إلى العاشر. كما منع القانون رسوبَ الطالب أكثر من مرتين من الصفوف بين الرابع والعاشر، ومن يستنفد سنتَي رسوبه فإنه ينجح بشكل تلقائي مهما بلغ ضعفه. «يعرف الطالب وقتها أنه سينجح حتى لو سلّم أوراق الامتحانات خالية حتى من اسمه».

القانون الذي يصفه المشرف بأنه جاء «لاعتبارات اقتصادية لا لاعتبارات تربوية»، ذو آثار كارثية على التعليم في الأردن، بخاصة مع غياب خطط حقيقية لتشخيص الضعف وعلاجه مبكراً لدى الطلبة، وما هو موجود منها على أرض الواقع ليس أكثر من «حبر على ورق».

«م»، معلم لغة عربية طلب عدم نشر اسمه، يؤكد ذلك، ويقول إن ستة طلاب من أصل 27 طالباً في صف التوجيهي الذي درّسه العام الفائت لم يكونوا يقرأون ويكتبون، ويضيف أن لديه طلبة من هذه النوعية في كل عام، في التوجيهي وغيره، معترفاً أنه لا يتخذ أي إجراء لمساعدتهم. «إذا أبلغتُ عنهم فإن النتيجة هي أنني سأُكلَّف بإعداد خطط للتشخيص وأخرى للعلاج، وإعطاء حصص إضافية، وتقديم تقارير، ورغم أن الجميع يعرف أن كل هذه الإجراءات شكلية، إلا أنها في النهاية عمل إضافي، وأنا عندي ما يكفيني من العمل».

تردّي أوضاع المعلمين في المدارس الحكومية، بحسب الوحش، عامل أساسي آخر في قلة الدافعية. «كيف نطلب من معلم يتقاضى راتباً هزيلاً ويعاني شظف العيش، أن ينجز ويبدع؟!».

عسبلي المغاصبة، معلم لغة عربية، مثال على ما يعانيه المعلمون من أوضاع اقتصادية صعبة. فالمغاصبة وبعد تسعة أعوام من الخدمة، لا يتجاوز ما يتسلمه من راتبه بعد خصومات الضمان الاجتماعي وسواها الثلاثمئة دينار، وهو يتلقى زيادة سنوية مقدارها 5 في المئة من راتبه الأساسي، وهذا مبلغ لا يتعدى الدينارين ونصف الدينار سنوياً. في المقابل، فإن معلماً جديداً دون خبرة، يُعيَّن في إحدى المدارس الخاصة معتدلة الأقساط، براتب 350 دينارا، وزيادة سنوية تصل إلى 70 ديناراً.

لكن الصورة ليست قاتمة بالضرورة، والنتائج التي تتحقق تُثبت أنه حتى في مدرسة حكومية وبتسهيلات محدودة يمكن القيام بالكثير إن توافرت الإرادة والدافعية.

مدرسة الجبيهة الثانوية للبنات تُحقق في كل عام نتائج متقدمة على مستوى المملكة، وخلال السنوات السبع الماضية لم تنخفض نسبة النجاح في التوجيهي فيها عن 96 في المئة، علماً أنها تخرّج زهاء مئة طالبة سنوياً.

العام الجاري مثلاً، نجحت في المدرسة 87 طالبة من أصل 88 تقدَّمن إلى الامتحان، بمتوسط معدلات 85 في المئة تقريباً. هذا المتوسط الذي تحققه الطالبات كل عام يُثبت أن عدد الناجحات ليس الإنجازَ الوحيد للمدرسة، إذ استطاعت مجموعة طالبات نيل مراكز متقدمة على مستوى المملكة في نتائج التوجيهي، أبرزهن وعد أبو سويلم التي نالت المرتبة الأولى على الفرع العلمي في البلاد قبل ثلاث سنوات. وعد تدرس الآن في كلية الطب بالجامعة الأردنية، وهي تلفت إلى أن «نظام المتابعة الفردية لكل طالبة» كان العامل الأهم في النجاح، فكل طالبة ابتداء من الصف السادس إلى التوجيهي «تتم مراقبة علاماتها أولاً بأول، ويتم استدعاء ولي الأمر إذا ما حدث تَدَنٍّ في مستواها».

مديرة المدرسة مريم اللوزي، تحمل درجة الدكتوراه في التربية. تقول إن إتقانها الإنجليزيةَ ساعدها على متابعة أحدث الأساليب التربوية في مصادرها الأصلية وتطبيقها. وهي ترى أن كلمة السرّ تكمن في «المنهج العلمي»، فلكل طالب «قدرة على التحصيل، يمكن باتباع القواعد العلمية اكتشاف حدودها وحفزها إلى مداها الأقصى».

روان البطوش، تُعَدّ إحدى قصص النجاح التي حققتها المدرسة. روان التي انتقلت مع أسرتها من الهاشمي الجنوبي بعد إنهائها الصف العاشر، كانت طوال مسيرتها الدراسية تعاني من تدني مستوى تحصيلها العلمي، حتى إنها لم تتمكن أبداً من تحقيق معدل يتجاوز الستين في المئة، لكنها بعد سنتين فقط استطاعت التخرج بمعدل 78.8 في المئة، وهي تدرس الآن في الجامعة الأردنية.

اللوزي تغلّبت على شحّ الموارد عبر إنشاء علاقة متميزة مع المجتمع المحلّي، فقد استطاعت بالتواصل مع أولياء الأمور الحصول على تبرعات لطلاء المدرسة وإنجاز أعمال الصيانة وتوفير جزء من أثاثها. حتى أوراق العمل التي يتعذَر توفيرها بالكمية المطلوبة لـ700 طالبة، هو عدد طالبات المدرسة، يقوم أولياء الأمور بدفع كلفتها. والتعاون وفقاً للمديرة يتعدى الدعم المادي، فـ«أولياء أمور من أطباء وغيرهم، يأتون المدرسة لتقديم محاضرات إرشادية في تخصصاتهم، وحدث أكثر من مرة أن حلّت أمهاتُ طالبات محل معلمات اضطُررن إلى الغياب».

رغم أن طلبة «ثانوي» يعجزون عن القراءة والكتابة - قصص نجاح تحققها مدارس حكومية
 
01-Apr-2010
 
العدد 10