العدد 10 - محلي
 

على الطريقة المحلية التقليدية في حل الخلافات، تدخلت «الجاهات» لوضع حد للمعركة التي اندلعت بين صحيفة الغد، بمساندة خجولة من الرأي، والمواقع الإلكترونية، بعد أن أشبع الطرفان الصحافة الأردنية بمفردات الشتم «والردح» وكيل الاتهامات المتبادلة.

نقابة الصحفيين التي كان نقيبها عبدالوهاب الزغيلات هدفاً لبعض المواقع، التي تدخلت «لصالح المهنية»، وبدا في بيانها أنها تساند الغد، استطاعت التوصل إلى اتفاق يتم بموجبه وقف التراشق الإعلامي الذي وصفته بـ«اللامهني» والخارج على تقاليد مهنة الصحافة وآدابها.

وتعهدت النقابة في بيان صدر عنها، 15 آذار/مارس 2010، بتعامل جاد مع الصحافة الإلكترونية «كإعلام يمثل روح المستقبل دون المساس بالحرية» التي تدافع عنها.

وكأساس للتنظيم، دعت النقابة المواقع الإلكترونية لمنع التعليقات العشوائية على المواد المنشورة عليها، ومنع النقل الآلي من الصحف إلا باتفاق مسبق معها، كما طلب مجلس النقابة من المواقع الإلكترونية التسجيل في سجل الشركات في وزارة الصناعة والتجارة، وتمسكت النقابة بحقها في محاسبة أي وسيلة إعلام أو مطبوعة أو شخص لا يلتزم بالقوانين أو ميثاق الشرف الصحفي حفاظاً على المهنة وآدابها.

بهذه الصيغة انتهت الحرب التي حملت فيها الغد، ومن الخلف الرأي، راية حرب قالت إنها خاضتها انتصاراً للمهنية الصحفية و«كي نتنفس هواءً نقياً» كما عنونَ رئيس تحرير الصحيفة موسى برهومة مقالة كتبها في نهاية تلك الحرب.

برهومة قال في مقالته في الغد، 15 آذار/مارس، إن المعركة جاءت «بعدما بلغ السيل الزبى»، وبعد أن «صرنا نشعر بالضيق من مساواتنا، كصحفيين، مع فئة غير مسؤولة أحالت الفضاء الإلكتروني إلى حيز للقرصنة والابتزاز».

إعلامي بارز، طلب عدم ذكر اسمه، أكد ما «باتت تشكله المواقع من تشويه للوجه الإعلامي الأردني من خلال افتقارها للمهنية الإعلامية»، لكنّه في الوقت ذاته يرى أنه «كان على الغد خوض المعركة بهدوء، ورويّة، وخطاب عال».

وفيما خاضت الغد المعركة بالإسناد الخجول من الرأي، خاضت المواقع الإلكترونية مجتمعةً هجوماً مضاداً ، متهمة الصحيفة بدخول حرب بالإنابة عن الحكومة التي عجزت عن النيل من تلك المواقع.

وبرزت مواقع سرايا، جراسيا نيوز، رم، المحرر نت، البلد نيوز وموقع كل الأردن في خط المواجهة الأول في الرد على هجوم الغد، فيما حافظت مواقع عمان نت، عمون، المدنية نيوز على اتزانها في الرد.

القرار القضائي الذي صدر في 12 كانون الثاني/يناير 2010، أخضع المواقع الإلكترونية التي يتجاوز عددها مئة موقع، لقانون المطبوعات والنشر. غير أن هذا القرار ما زال ينتظر إعداد «آلية مناسبة لتسهيل عمل المواقع ضمن إطار هذا القانون»، بحسب تصريحات وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة نبيل الشريف لوكالة الأنباء الفرنسية، في أعقاب صدور القرار القضائي.

وقبل أن ترى الآلية التي يعمل قانونيون على وضعها لتتناسب وعمل الصحافة الإلكترونية، بدأت الغد في 6 آذار/مارس الهجوم على المواقع، واصفة القائمين عليها بـ«المرتزقة، الفاشلين والمتكسبين». وقد التزمت الصحيفة خلال هجومها طوال المعركة بلفظ «بعض»، للإشارة إلى مواقع معينة، فقدت أبسط قواعد المهنية الصحفية حسب وصف الغد في هجومها.

غير أن لفظ «بعض» الذي بقي عائماً دون تحديد، دفع رؤساء تحرير المواقع الإلكترونية مجتمعين للوقوف صفاً واحداً في وجه الغد، وهو اصطفاف عبّروا عنه في الاجتماع الذي جمعهم في 8 آذار/مارس، وانتهى بمطالبتهم النائبَ العام باستدعاء رئيس تحرير الغد «لسماع إثباتاته بالأسماء والوقائع في ما يتعلق بالتهم الخطيرة التي أوردتها الصحيفة، وترقى إلى المسّ بأمن الدولة»، إضافة لاحتفاظ المواقع الإلكترونية، مجتمعة وفرادى، بحق مقاضاة الغد ورئيس تحريرها وإدارتها أمام القضاء الأردني وأمام نقابة الصحفيين.

اجتماع «المواقع» قوبل بتصعيد من «راصد» الغد، الذي رأى فيه اجتماعاً للدفاع عن المكتسبات التي باتت مهددة، بعد أن شعر «مشرفو المواقع الإلكترونية أن المواجهة معهم حقيقية».

الـ«راصد» التي يتناوب على كتابتها رئيس تحرير الغد ومجلس التحرير، قال في مقالة نشرتها الصحيفة في اليوم التالي للاجتماع، حملت عنوان «الغد تواصل معركة الدفاع عن الحرية والقيم والمهنية والأخلاقية»، إن هؤلاء «حفنة من الفاشلين الذين لم يسجَّل لأحد فيهم أي إنجاز صحفي أو حياتي، ونصرّ أن أغلبهم لا يجيد كتابة خمس كلمات من دون أن يكون فيها عشرة أخطاء!» وأضاف: «هؤلاء المتكسبون... ماتوا هلعاً حينما وقّعت حكومة سمير الرفاعي مدونة السلوك التي قطعت الطريق أمام الاسترضاء والاسترزاق والإعلانات التي تتصدر مواقعهم درءاً للابتزاز»، وتعهدت الغد بـ«ملاحقة هؤلاء ومحاصرتهم».

الألفاظ «المسيئة» التي استخدمتها الغد في حربها، هي التي أعطت المواقع الإلكترونية الضوء الأخضر لهجومٍ شخصي، استخدمت فيه ألفاظاً نابية ضد برهومة، بحسب رئيس تحرير موقع إلكتروني فضّل عدم نشر اسمه.

سياسي بارز ومتابع حثيث للصحافة المحلية والعربية والعالمية سجل على الغد استخدامها ألفاظاً «مسيئة» في معركتها مع المواقع الإلكترونية، وقال لـے مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: «إن الغد نزلت في خطابها خلال المعركة إلى مستوى متدن»، على الرغم من تفهمه للأسباب التي دفعتها لخوض المعركة.

ومن جملة ما استخدمت المواقع من ألفاظ نابية بحق الغد ورئيس تحريرها تذكير موقع سرايا الإلكتروني لبرهومة، «أستاذ اللغة العربية»، بقول الشاعر «عار عليك....»، ووصفه بحليق الشوارب، في إشارة إلى «جُبنه»، وقد دافع رئيس تحرير الموقع الإلكتروني، الذي فضّل عدم نشر اسمه، عن الألفاظ النابية بقوله: «التزمنا بـ 50 في المئة من المهنية في ردّنا، في وقت جافت فيه الغد أبسط قواعد المهنية».

الالتزام بـ50 في المئة من المهنية الإعلامية لم يمنع المواقع الإلكترونية من كيل الشتائم لبرهومة. سرايا عقدت مقارنة بينه وبين عبد الملك الحوثي في اليمن، فوفق مقالة نشرها الموقع في 15 آذار/مارس، مغفلة من اسم كاتبها، جرى تشبيه حرب برهومة على المواقع الإلكترونية بحرب الحوثي على اليمن، ورأت المقالة أن ما يجمع بين برهومة والحوثي هو الفشل.

أما موقع كل الأردن، فقد نشر في 9 آذار/مارس مقالة لرئيس تحريره علاء الفزاع هاجم فيه صحيفة الغد ورئيس تحريرها بألفاظ نابية، قال إنها تأتي في إطار الدفاع عن كرامة المواقع الإلكترونية أمام ما نشرته الصحيفة. ونشرت جراسيا نيوز في 11 آذار/مارس تحت عنوان «أسئلة إلى البلبل البرهومي» مقالة تتهم رئيس تحرير الغد بالمرتشي، وتصفه بـ«صاحب العلاقات المشبوهة».

وكان من الملفت دخول عمون، الموقع الأكثر رصانة المعركة، حسب رأي إعلامي بارز طلب عدم ذكر اسمه، قال «إنها ليست معركة عمون»، إذ هاجم مدير تحرير موقع عمون، باسل العكور، صحيفة الغد «ومن لفَّ لفَّها» واتهمها بـ«افتعال معركة يؤلبان فيها الحكومة والرأي العام على الإلكترونيات، وهي الأهداف التي عجزوا تماماً عن تحقيقها».

هذه الحرب سمحت للقارئ بالاطلاع على تعبيرات وألفاظ لم تشهدها الساحة الإعلامية بهذه الكثافة والنوعية من قبل، على غرار «فئران خرجت من جحورها»، «مدلّسون»، «كذَبة»، «مرتشون»، «حليقو الشوارب»، «جواسيس»، «أعداء الوطن».. وغيرها من عبارات يمكن استخدامها لوصف العمليات العسكرية! وبعد انتهاء الحرب سُحبت المواد التي تضمنت «ردحا وشتماً» من أرشيف مواقع صحيفة الغد وأرشيف المواقع الإلكترونية، استجابةً لمطلب نقابة الصحفيين.

الغد حاولت أن لا تبدو وحيدة في تلك الحرب، أمام اصطفاف المواقع الإلكترونية، فأكدت في مقالة الراصد أنها «لا تخوض معركتها وحيدة»، إنها تدافع عن «الأردن النظيف النقي الذي لا يلوثه هؤلاء الأشرار».

وفي الوقت الذي فضلت فيه الدستور أن تبقى خارج المعركة تماماً، دون إبداء رأي، فقد رشح من العرب اليوم رأيٌ، على لسان صحفي طلب عدم الكشف عن اسمه، عزى إحجام صحيفته عن الدخول في المعركة إلى «أن المعركة ليست معركتها».

الغد من جهتها كانت تؤكد دائماً أنها تخوضها نيابة عن الوسط الإعلامي وخاصة اليوميات، وشكّلَ دخول صحيفة الرأي إلى جانب الغد وميضاً لم يلبث أن انتهى سريعاً بعد أن تعرضت الرأي إلى هجوم منظم من المواقع، أقله وصف الحلف القائم بينها وبين الغد بـ«الظلامي»، وتصعيد الحملة لتشمل هجوماً شخصياً على رئيس تحرير الرأي الذي يشغل منصب نقيب الصحفيين، عبد الوهاب زغيلات، إضافة إلى التشكيك في مهنيتها، بقول موقع سرايا «أما الرأي فمعروف مهنيتها منذ أن تسلمها الكاتب الذي لا يشق له غبار»، واصفةً في مقال نشرته في 9 آذار/ مارس الزغيلات بـ«الأكاديمي اللامع الذي لم نقرأ له حرفاً منذ عقدين من الزمن».

وهكذا انتهت المعركة، بعد أن ضاعت، ولم تحقق شيئاً مما أريد منها، أي الارتقاء بالمهنة، لكنّها «تبقى محاولة أولية للتنديد بالمستوى الهابط للكثير من المواقع الإلكترونية؛ فهناك خيط رفيع بين تدني المهنية في معظم المواقع، وفضحها، وبين الرقابة عليها، وهو شيء غير مقبول إذا أردنا أن نعمّق الديمقراطية» حسب صاحب مطبوعة طلب عدم ذكر اسمه.

الغد قادت الهجوم، والرأي أسندته وانتهت المعركة بـ«بوسة لحى»
 
01-Apr-2010
 
العدد 10