العدد 10 - محلي | ||||||||||||||
ملامحه تدل على شخصية هادئة بسيطة، بعيدة عن الضجيج والصخب، مشبعة بخجل «متوارث» من البادية. يصفه نائب سابق بـ«النشمي» و«صاحب الأخلاق البدوية»، وبأنه يمتلك جَلَداً على التنقل الدائم، والمتابعة الحثيثة والزيارات المفاجئة للأقسام والدوائر والمؤسسات التابعة لوزارته مترامية الأطراف، وهو كما يرى النائب، «أفضل من يُطلق الوعود التي تبعث على الأمل والتفاؤل بتحسين واقع الخدمات الصحية»، فيما يرى الناطق الإعلامي لوزارة الصحة حاتم الأزرعي، أن الوزير يصرّ على ترك «بصمة» خاصة على الوزارة قبل أن يغادرها. الفايز القادم إلى الوزارة بعد تجربة نيابية في مجلس النواب الرابع عشر، نائباً عن دائرة بدو الوسط، نقل معه تجربة «النائب الخدمي» الذي لا يكلّ من طرق أبواب المسؤولين وفي جعبته مطالب لا تنتهي، بعضها يتحقق وبعضها الآخر يبقى معلّقاً. حتى إن نائباً مقرّباً منه في المجلس الرابع عشر وصفه في حديث لـ ے، بـ «اللحوح». قُرْبُه من الناس يتضح أثناء دخوله مبنى الوزارة، حيث يختلط بالمراجعين للاستفسار عن حاجاتهم، بحسب الأزرعي الذي يؤكد أن لدى الوزير «قدرة عالية على الاستماع لشكاوى الناس». الفايز، الذي دخل الحكومة وزيراً للصحة على إثر التعديل الذي أجراه رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي على حكومته في 23 شباط/ فبراير 2009، ما إن جلس على مقعده حتى بدأ رحلته المكوكية على المؤسسات الطبية المختلفة، وهي رحلة أبدى فيها الطبيب الذي يحمل درجة الدكتوراه في جراحة الدماغ والأعصاب من جامعة كولون ومنستر في ألمانيا الغربية العام 1985، «غيرة» منقطعة النظير على المهنة. «الوزير الميداني»، صفة أطلقتها الصحافة على الفايز، الذي وصل به الأمر إلى مداهمة مستشفى جميل التوتنجي في سحاب عند منتصف الليل، ليتفقد الأوضاع فيه. الوزير أتبع زياراته بوعيد للمقصّرين، ووعود بتلبية النواقص البشرية والفنية التي تحتاجها المؤسسات الطبية. موظف إداري في الوزارة، رافقَ الفايز في عدد من جولاته، قال لـ ے، إن الوزير كان «غاضباً» من واقع الخدمات الطبية التي تقدمها المؤسسات التابعة للوزراة. غضب الوزير وعدم رضاه، وصلا به خلال زيارة تفقدية لمستشفى الأميرة سلمى في ذيبان، إلى «التلويح» بوسادة وُضعت على أحد الأسرّة دون غطاء قبل أن يرميها جانباً، كما ظهر في الصور التي التقطها مصور الوزارة عيسى السلمان. لكن الموظف الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، عاد ليصف الوزير بـ«المتحمس»، لكنه استدرك: «الجولات التي حققت للوزير شعبية كبيرة، ورّطته بعد أن بدا عاجزاً عن إيجاد حلول للواقع». الفايز يؤكد من جهته، أهمية الجولات الميدانية، في الاطلاع على واقع الخدمات الصحية وتلمس احتياجات المستشفيات والمراكز الصحية، والاستماع إلى هموم المواطنين. وبحسب رده على أسئلة مكتوبة وجّهتها ے إليه، فإن «الجولات الميدانية وبخاصة الفجائية، أسهمت في تحقيق نتائج إيجابية على صعيد مستوى الجاهزية، فضلاً عن إدراك المسؤول في الميدان بأن هناك رقابة مباشرة صارمة». لكن صحفياً يعمل في صحيفة أسبوعية، تربطه بالوزير «علاقة طيبة» على حد تعبيره، قال إن الجولات «لم تَنتج عنها خطة شمولية أو إستراتيجية للإصلاح، على عكس ما كانت توحي به»، ويضيف لـ ے: «لم تكن تلك الجولات إلا فزعة، حصد الوزير شعبيةً مؤقتة ثمناً لها». الوزير لم يكد يلتقط أنفاسه بعد عدد كبير من جولاته، حتى داهمته مسؤولية التصدي لجائحة إنفلونزا الخنازير التي ضربت العالم ووصلت الأردن في أيار/مايو 2009. الصحفي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، يرى أن انشغال «الصحة» بمواجهة إنفلونزا الخنازير، «أنقذ الوزير من الحرج الذي كان سيقع به لعدم قدرته على وضع إستراتيجية لإصلاح الواقع الصحي الذي اطّلع عليه خلال جولاته الميدانية». أيام قليلة بعد اكتشاف أول حالة اشتباه بالإصابة بالمرض كانت كافية، ليصبح الوزير الشخصية الأهمّ من بين مسؤولي الحكومة، وتصبح كلماته التي يرددها الأكثر استماعاً لدى الشرائح الاجتماعية المختلفة. فهو الواعظ الذي يدعو: «الله يحمي البلد»، وعالِم الاجتماع الذي ينتقد سلوكيات التقبيل وطرق تناول المنسف والقهوة، ويدعو لتغييرها، وهو «الحكيم» الذي يوجّه النصائح للمواطنين، مثل دعوتهم لإلغاء الرحلات، وتجنب المولات والأماكن المزدحمة. جهود الوزارة في التصدي لإنفلونزا الخنازير، شابتها حالةٌ من التخبط، بعد تسجيل أول إصابة لمسافرة قادمة من الولايات المتحدة، لم تستطع الماسحات الحرارية التي وضعتها الوزارة في مطار الملكة عالية من ضبطها، الأمر الذي قوبل بحملة نقد واسعة في وسائل إعلام محلية مختلفة. وانهارت أحجار «الدمينو» تباعاً، لتصبح الوزارة مصدراً لتعداد أرقام حالات الإصابة والشفاء عبر مؤتمر صحفي أسبوعي، يصفه الصحفي المتخصص في الشأن الصحي من صحيفة السبيل تامر الصمادي، بـ«الشفاف». ورغم «اقتحام» الصمادي لقسم العزل في مستشفى الأمير حمزة، وإعداده تقريراً نشرته صحيفته، انتقد فيه الإهمال واللامبالاة في التعامل مع المرض، إلا أنه يقول لـ ے، إن الوزارة تعاملت مع الجائحة «بشكل إيجابي وشفاف». الفايز، ورغم ازدياد وتيرة الإصابة بالمرض، لم يتوقف عن توجيه رسائله «التطمينية» التي بلغت ذروتها عندما خرج في مؤتمر صحفي على التلفزيون، 15 تموز/يوليو 2009، وهو يقف إلى جانب أول مصابة تتماثل للشفاء من المرض بعد تلقيها للعلاج في مستشفى الأمير حمزة. ومن المفارقة أن الوزير الذي انصبّت جهوده على بعث الطمأنينة في نفوس المواطنين، تغيّب عن إطلاق حملة التطعيم ضد إنفلونزا الخنازير، 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، بعد انتظار طويل لوصول المطاعيم إلى البلاد. الحملة انطلقت بتطعيم نقيب الأطباء، مدير الغذاء والدواء، مدراء مديريات وزارة الصحة، مدراء المستشفيات الرئيسية، نقيب الأطباء البيطريين، أعضاء اللجنة الوطنية للأوبئة والأنفلونزا، مديرية الخدمات الطبية الملَكية والصحفيين. غياب الوزير عن إطلاق الحملة، كان بسبب ارتباطه بموعد في الديوان الملكي، بحسب مدير مديرية الأمراض السارية في وزارة الصحة بسام الحجاوي، في حديث لراديو البلد، 20 تشرين الثاني/نوفمبر. حجاوي قال إن الوزير تلقّى المطعوم بعد يوم واحد من إطلاق الحملة في مكتبه، نافياً ما تردد عن أن الوزير رفض أخذ المطعوم خشيةَ الآثار الجانبية. لكن طبيباً يعمل في مستشفى حكومي شهدَ إطلاق الحملة، نفى كلام حجاوي، وأكد الطبيب الذي طلب عدم نشر اسمه، أن الوزير «لم يأخذ المطعوم». الوزير الذي عاد في التشكيلة الحكومية الجديدة، أعلن في 27 كانون الأول/ ديسمبر، خلوّ الأردن من المرض، مستنداً في ذلك إلى «عدم تسجيل أي إصابات جديدة». استتبع ذلك، إغلاق القسم المُعَدّ في مستشفى الأمير حمزة لاستقبال المصابين بإنفلونزا الخنازير. بإعلان الوزير، يكون الأردن أول دولة تعلن خلوَّها من المرض، في وقت سبقتها فيه دول إلى إعلانها عدم تسجيل إصابات جديدة، مع الإبقاء على درجة عالية من الحذر من معاودة ظهور إصابات. إغلاق ملف إنفلونزا الخنازير تلاه فتح ملفات كثيرة في «الوزارة»، ليس أقلها سرقة الدواء من وزارة الصحة. إذ ضبطت أجهزة المؤسسة العامة للغذاء والدواء مطلع كانون الثاني/ يناير 2010، أدوية مسروقة من وزارة الصحة ومستشفى الجامعة الأردنية ومركز الحسين للسرطان تباع في صيدليات خاصة. الوزير أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق في سرقة الأدوية، وقال: «دواء المواطن خط أحمر، وسرقته جريمة كبرى لن يفلت مرتكبها من العقاب»، وأكد الفايز لـ ے أن لدى الوزارة «إجراءات رقابية صارمة لضمان وصول الدواء إلى المرضى»، لكن «بعض ضعاف النفوس مدوا أيديهم إلى الدواء». الصحفي «المقرَّب» من الوزير على حد تعبيره، قال لـ ے، إن لجان التحقيق في وزراة الصحة أصبحت دليلاً على عدم الرغبة في الوصول إلى نتائج، مذكّراً بلجان تحقيق تشكلت في حالات وفاة ناتجة عن أخطاء طبية. وفي هذا السياق، يؤكد الصمادي أنه حاول مراراً الحصول على معلومات حول نتيجة التحقيق في سرقة الأدوية، إلا أنه لم يصل إلى نتيجة، مشيراً إلى أن «الانفتاح الذي كان عليه الوزير في حكومة الذهبي تراجعَ في حكومة الرفاعي». غير أن أكثر الملفات إثارة في وزراة الصحة، هو ذلك المتعلق بالتعيينات. نائب عن جبهة العمل الإسلامي في مجلس النواب المنحلّ، طلب عدم نشر اسمه، يقول: «لم يتخلَّ الفايز في انتقاله من النيابة إلى الوزارة عن الدور الخدمي». وبحسب النائب، فإن الفايز كان من أكثر الوزراء استجابة لمطالب النواب، في وقت يؤكد فيه الفايز أن التعيينات ليست من مهامه، قائلاً: «هناك جهة حكومية تتولى هذه المسألة، والوزير يرسم السياسات ويحدد الأهداف الإستراتيجية لوزارته»، ويتابع: «ينحصر دور الوزير في مجال التعيين بتحديد احتياجات وزارته من الكوادر وتلبيتها، عبر تعيين العدد الكافي المؤهل المدرب بالتنسيق مع الجهات المعنية». غير أن النائب الإسلامي، يؤكد أن الوزير قام بتعيين عدد كبير من الموظفين في الفئة الرابعة، بما يندرج ضمن صلاحياته. النائب يُرجع غالبية التعيينات إلى العلاقة المتميزة التي جمعت الوزير بمجلس النواب الخامس عشر المنحلّ، بخاصة أنه ضم عدداً كبيراً من النواب في المجلس السابق الذي كان فيه الوزير نائباً. ولا يخفي النائب أن المجلس المنحلّ «غَلَّبَ» الوزير بكثرة طلباته، وهو يختصر ما حدث بقوله: «زوّدناها عليه». آخر القضايا التي جعلت الوزير معرضاً لنقد الإعلام، قراره استيفاء 15 ديناراً من المواطنين بدل تكلفة وحدة الدم ومكوناتها، و40 ديناراً من غير الأردنيين، وتحويل المبالغ المستوفاة إلى إدارة التأمين الصحي في وزارة الصحة، لتغطية «التكاليف» المترتبة على الفحوصات المخبرية التي تخضع لها وحدة الدم. القرار حرّك جمعية المستشفيات الخاصة ونقابة الأطباء الأردنية للتحالف ضده، مدعومين بمنابر إعلامية عدّت القرار «متاجرةً» بدماء الأردنيين. الفايز رفضَ التراجع عن القرار، مؤكداً أنه «لن يمس سوى شريحة محدودة من السكان المقتدرين والذين لن تتعدى نسبتهم 5 في المئة»، بحسب تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الأردنية بترا في 26 شباط/فبراير2010، مشيراً إلى أن القرار لن يشمل المؤمَّنين صحياً الذين تبلغ نسبتهم 87 في المئة من المواطنين. سيحقق القرار بحسب تصريحات الفايز، وفراً مقداره 3 ملايين دينار، إذ بلغت نسبة ما أنفقته الدولة على فحوصات وحدات الدم العام 2009 نحو 6 ملايين دينار أردني. الوزير تصدّى للهجوم الإعلامي عبر مشاركته في الحملة الوطنية للتبرع بالدم، التي نظمتها وكالة الأنباء الأردنية بترا، في 2 آذار/مارس 2010، وجاءت مشاركته تلك لتؤكد أهمية التبرع بالدم لرفد بنوك الدم باحتياجاتها المتزايدة. |
|
|||||||||||||