العدد 10 - محلي | ||||||||||||||
تعكس نتائج استطلاع المئة يوم بعد تشكيل حكومة سمير الرفاعي، تراجعاً جوهرياً من الناحية الإحصائية لتقييم الرأي العام لأداء الحكومة والرئيس والفريق الوزاري، حسب ما يشير إلى ذلك تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية. فأكثر بقليل من نصف المستجيبين يمنحون ثقة، وبدرجات متفاوتة: كبيرة، متوسطة، وقليلة، للحكومة ورئيسها وفريقها الوزاري. وقد أعطى الرأي العام علامة 5.2 من 10 لنجاح الحكومة في أداء مهامها. يتضح، بالقراءة المعمقة في نتائج الاستطلاع، أن إقليم الجنوب، قد قيم الحكومة سلبياً، إذ رأت أكثرية المستجيبين في الإقليم أن الحكومة والرئيس والفريق الوزاري كانوا غير قادرين على تحمل مسؤولياتهم بعد مئة يوم على تشكيل الحكومة. كما أن تقييم إقليم الشمال كان أقل من تقييم إقليم الوسط، وأعلى من تقييم إقليم الجنوب، ما يعني أن الحكومة مدينة بالشكر لإقليم الوسط بصفة عامة ولمستجيبي عمان تحديداً الذين كان تقييمهم أعلى من المحافظات والأقاليم الأخرى. هذا التباين بين تقييم مستجيبي إقليم الوسط والإقليمين الآخرين من ناحية، وتكرار تراجع تقييم الحكومات في إقليم الجنوب من ناحية أخرى، يعكس مجدداً ضرورة التفكير ملياً في مدلولات اتجاهات الرأي العام في إقليم الجنوب. وخلافاً لموضوعية الأسباب التي تقود إلى مثل هذا الانخفاض وتعددها، وفي مقدمتها الظروف الاقتصادية، إلا أن مدلولات هذا الانخفاض عميقة، وتعني أن الحكومة تعتمد، بشكل أساسي، على محافظة العاصمة كقاعدة اجتماعية مؤازرة. ولما كانت الدولة هي المشغل الرئيسي للمواطنين في المحافظات خارج العاصمة، وبالذات في محافظات الجنوب، فإن التقييم السلبي لها يعني أن المستجيبين الأكثر ارتباطاً في إطار عملهم ومصدر رزقهم بالحكومة وأجهزتها، هم الأكثر نقداً في تقييم أدائها، مع أنه يفترض نظرياً على الأقل أن يكون الأمر عكس ذلك. وإذا ما تم النظر بعين الاعتبار إلى نسبة المقترعين في الانتخابات النيابية بوصفها معياراً للمشاركة السياسية، التي تظهر بأن العاصمة هي الأقل اقتراعاً مقابل نسب اقتراع عالية في المحافظات، فإن التقييم النقدي لمحافظات الجنوب يصبح أكثر دلالة، لأنه يندرج تحت عنوان «الأكثر مشاركة سياسية هو الأكثر نقداً في تقييم الحكومة». مما لا شك فيه أن التقييم في محافظات الجنوب قد تأثر، إلى حد بعيد، بإضرابات المعلمين واعتصاماتهم التي كانت شبه شاملة في محافظات الجنوب. كما اتسم تعامل الحكومة معها بالمماطلة والتردد والارتجالية في بعض الأحيان. إن عدم رضا أكثرية الرأي العام الأردني عن تعامل الحكومة مع احتجاج المعلمين، وتوافق أكثريته على عدالة مطالب المعلمين، هو بمثابة ضبط للبوصلة بالاتجاه الذي يجب على الحكومة اتباعه؛ أي التعامل السريع مع كل أزمة تمر بها البلاد، مثل: الأخطاء التي رافقت الإعلان عن نتائج التوجيهي، وأزمة عمال مياومة وزارة الزراعة، إضافة إلى ضرورة توظيف مفهوم العدالة في معالجة الأزمات، وبخاصة أن نتائج الاستطلاع تظهر أن المواطن يلمس صعوبة الظروف الاقتصادية، وأولوياته هي أولويات اقتصادية تمس حياته اليومية على صعيد غلاء المعيشة والبطالة والفقر. كان من الواضح اعتماد حكومة الرفاعي منذ تشكيلها على نمطين من الأداء لإقناع المواطنين بقدرتها على تحمل مسؤوليات الحكم: النمط الأول، التركيز على الشفافية وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد. أما النمط الثاني، فهو حملات علاقات عامة تعتمد على الزيارات الميدانية واللقاءات المتكررة مع فئات اجتماعية مختلفة يقوم بها الرئيس والطاقم الحكومي. لكن نتائج الاستطلاع كشفت أن قدرة الحكومة على تحقيق إنجازات على هذين الصعيدين كانت محدودة للغاية. فعلى الرغم من أن الحكومة أكدت اعتماد الشفافية، فقد كان تقييم الرأي العام «العينة الوطنية»، وعينة قادة الرأي بعدم نجاح الحكومة في العمل على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والشفافية في التعيين والترقية في القطاع بعد مئة يوم على تشكيل الحكومة، بل إن توقعات المستجيبين بنجاح الحكومة عند تشكيلها كان أعلى، بشكل ملحوظ، من التقييم بعد مئة يوم. وفي إطار تكريس صورتها بوصفها حكومة تحارب الفساد، حوّلت حكومة الرفاعي ملف عطاء توسعة مصفاة البترول إلى محكمة أمن الدولة، وكان من المنتظر أن ينعكس هذا الإجراء في ارتفاع تقييم الحكومة بصفة عامة، إلا أن المفاجأة في نتائج الاستطلاع، أن 50 في المئة فقط كانوا على معرفة (سماع، قراءة، اطلاع) بإجراء الحكومة بتحويل ملف توسعة مصفاة البترول؛ أي أن ما كانت تسعى إليه الحكومة من إقناع المواطن بأنها تعالج قضايا ذات أهمية له، لم يتحقق، وذلك بفعل عدم قدرة الحكومة حتى الترويج لهذا «الإنجاز». هذا يعني أن الأدوات الإعلامية الحكومية من تلفزيون وإذاعة وووكالة أنباء وصحف، خيبت أمل الحكومة في تحويل هذا الإنجاز لصالحها؛ بهذا تكون الحكومة بإعلامها كَمَن يصوب النار على نفسه. كما يبدو أن الإدارة الإعلامية كانت غير ناجحة، حتى عند المواطنين الذين أفادوا بأنهم يعرفون عن تحويل ملف مصفاة البترول، حيث أفاد 58 في المئة فقط منهم أنهم كانوا راضين عن تعامل الحكومة مع هذا الملف، أي أن الإعلام لم يكن قادراً على إقناع من عرف عن هذه القضية بجدية الحكومة في محاربة الفساد، خاصة أن هذه القضية بقيت يتيمة. نتائج الاستطلاع، أظهرت كذلك أن نمط الزيارات الميدانية الذي اعتمدته الحكومة، لم يكن ذا تأثير يذكر. هنا يبدو أيضاً أن هناك قصوراً في الإعلام إزاء توظيف هذا النمط الحكومي في إقناع المواطنين بقدرة الحكومة على تسيير مقاليد الحكم. كما يعكس أن نمط الزيارات الميدانية وحملات العلاقات العامة والحوارات المفتوحة مع المواطنين، دون وضع خطط يلمسون آثارها وتنعكس إيجابياً عليهم، يبقى ذا تأثير آني ومحدود. فأسس الحوار تقتضي أن يكون مرتبطاً بخطة ذات سقف زمني ونتائج يمكن قياسها حتى تكون ذات دلالة. ما أظهره الاستطلاع من حيث أن أولويات المواطنين هي أولويات اقتصادية، يؤكده أن أكثر الفئات سلبية في تقييم الحكومة هي الفئات التي تتراوح أعمارها بين 35-54 سنةً؛ أي الفئات التي تتحمل مسؤوليات عائلية (أطفال وأبناء)، وتحاول تحقيق ما يطمح إليه الفرد في الأردن من مسكن ودخل ملائمين ومواجهة أعباء ومصاريف العائلة، لا سيما في مجالات توفير الطعام، ومستلزمات التعليم والرعاية الصحية. الطريق إلى إعادة الثقة بين المواطنين وهذه الحكومة، أو غيرها من الحكومات ليست صعبة أو مستحيلة، وتتمثل في الإفادة من إعلام رسمي مهني وموضوعي (غير تحشيدي أو مأزوم أو دفاعي) ليعكس إستراتيجيات الحكومة، ويوسع قاعدة المشاركة الشعبية في صناعة القرار من خلال حزمة الإصلاح السياسي، وليس من خلال الزيارات الميدانية التي لا ترتبط بخطط واضحة تنعكس على حياة المواطنين. ويبدو أن زمن التعويل على الإنجازات في قضايا محددة، قد انتهى، ويجب أن يحل مكانه تغيير جوهري أساسي يتمثل في إدماج المواطن في عملية صناعة القرار، ليكون هو المشارك والهدف في آن واحد. |
|
|||||||||||||