العدد 10 - مساحة حرّة | ||||||||||||||
منذ ربع قرن من الزمن، شعرت القيادة السياسية الأردنية بتدني مستوى التعليم في مراحله كلها، وتألفت لجنة لوضع سياسة تربوية جديدة لرفع سوية التعليم وإصلاحه وتحديثه. وبعد سنتين من الاجتماعات والمناقشات وتقديم الدراسات عن واقع التعليم واقتراح الحلول للمشكلات والنواقص والعيوب، تم التوصل إلى صياغة سياسة تربوية جديدة أقرها مجلس التربية والتعليم بالنسبة للتعليم العام، وأقرها مجلس التعليم العالي بالنسبة للتعليم العالي. وقد نفذت وزارة التربية والتعليم أجزاء مهمة من تلك السياسة، وأهملت أجزاء مهمة أخرى منها. أما وزارة التعليم العالي والجامعات الأردنية، فقد رفضت النظر في السياسة الجديدة وما تضمنته من مقترحات مهمة. واستمر التراجع في التعليم العالي لأسباب كثيرة، من أهمها تدخل الحكومات المتعاقبة في شؤون الجامعات وفي إداراتها والاستيلاء على أموالها التي حصلت عليها بموجب القانون. وشهدت الساحة الأردنية منذ عقدين من الزمن، لجاناً عديدة ومتوالية تضع خططاً لإصلاح التعليم العالي، وتعد إستراتيجيات لهذه الغاية، تُرفعُ إلى رؤساء الوزارات فيضعونها على الرف، ولا يأخذون بأي منها. وكأن المطلوب تأليف اللجان وإلهاء الناس وليس الإصلاح والتحديث. في جامعاتنا أزمة تمويل لا تخفى على أحد، ويجاهر بها وزراء التعليم العالي ورؤساء الجامعات، ولا من يجيب أو يسعى إلى الحل. وفي جامعاتنا ضعف واضح في مستوى خريجيها في مختلف التخصصات، والأسباب معروفة، ولا نجد سعياً أو تحركاً لمواجهة هذه المشكلة. والبحث العلمي في جامعاتنا متدن وضعيف الصلة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وبمشكلات المجتمع وحاجاته. ودور الجامعات في خدمة مجتمعنا، حيثما توجد، ما زال دوراً هزيلاً. لهذا نشعر منذ عشرين سنة ونيف، أننا نعيش في دوامة لا انفكاك منها، وأننا ندور في حلقة مفرغة. فالتعليم العام يدفع بمخرجاته الضعيفة إلى الجامعات التي تدفع بدورها بخريجيها إلى التعليم العام و إلى مختلف قطاعات المجتمع الأخرى. لا يمكن إصلاح التعليم العالي بدون إصلاح التعليم العام في الوقت نفسه. ولا بد من النظرة الكلية الشاملة إلى التربية والتعليم في كل مراحله وتجنب النظرة التجزيئية في الإصلاح والتحديث. وقبل كل شيء، لا بد من إيلاء المعلمين في التعليم العام والتعليم العالي الأولوية في الإصلاح والتحديث قبل غيرهم من عناصر العملية التربوية والتعليم العالي. فقد كان من أهم أسباب فشل محاولة الإصلاح التربوية العام 1987 إهمال عملية انتقاء المعلمين والمعلمات، وتجاهل الحاجة إلى تدريبهم المتواصل ومتابعتهم المستمرة وفق خطط وأسس علمية وتربوية مدروسة. وقبل ذلك كله، تحسين رواتبهم ومكافآتهم، وتوفير السكن الوظيفي لهم قرب مدارسهم وليس في قراهم ومدنهم التي جاءوا منها. فالمعلم الجيد هو الأساس في عملية الإصلاح. وتحسين رواتب أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات ومكافآتهم، ضرورة لا بد منها للحفاظ عليهم ولرفع مستوى أدائهم التدريسي وأبحاثهم العلمية. ولا بد من توفير المباني المدرسية والمختبرات والمشاغل فيها وتوفير المباني في الجامعات والمعاهد العالية والمختبرات العلمية الحديثة والمشافي الحديثة والمشاغل الهندسية وأجهزة الحاسوب العصرية وتلافي النقص في المكتبات والبرمجيات. وبعد هذا، لا بد من إعادة النظر في طرق التدريس في مدارسنا وجامعاتنا بحيث نبتعد عن التلقين، ونسعى إلى بناء التفكير العلمي الناقد السليم عند تلاميذنا وطلبتنا، في مناخ حر نقي خال من التوتر والتعصب والاضطراب. أما المناهج والبرامج الدراسية في التعليم العام، والخطط الدراسية في الجامعات والمعاهد العليا، فلا بد أن تخضع للتطوير المستمر مع تطور العلوم ومختلف ميادين المعرفة. وكذلك الحال بالنسبة للكتب المقررة. يبقى الأمر الأهم أن لا يصبح التعليم العام والتعليم العالي، خاضعاً لمزاج وزير يأتي ووزير يروح. إن مزاجية الوزراء وتدخلاتهم خلال العقدين الأخيرين كانت من الأسباب الرئيسية في تدني مستوى التعليم العام والعالي في بلادنا. ولا بد من وضع حد لهذه الظاهرة السيئة، ومنح صلاحيات التطوير والإصلاح والتحديث لمجلس قوي للتربية والتعليم، لا يؤثر فيه تغير الوزراء. وكذلك الحال بالنسبة لمجلس التعليم العالي الذي أصبح يتغير بتغير وزراء التعليم العالي وتبدلهم. |
|
|||||||||||||