العدد 9 - بورتريه | ||||||||||||||
تبدو متشائمة، ليس في الحقل الذي تعمل فيه بعد «اختلاط الحابل بالنابل» على الخشبة، بل بعموم المشهد الذي تقول فيه: «الأفق لا يبشّر بكوّة أمل»، معبّرةً بمقولة للشاعر محمود درويش: «في الظلام يضيع الفرق ويتسع التأويل». الفنانة نادر عمران، تقول عباراتها باختزالٍ وحِدّية جارحة، وتحنّ، على الدوام، إلى طفولة مضت، وهي رغم تعلُّق الناس بأدوارها، تبدو في أعماقها «حزينة»، وتلبُسها تلك الأدوار التي تقترب من روحها مثلما ظهرت في سهرة «سيدي رباح» لموفق الصلاح. لها في المسرح نحو 40 عملاً، منها: «جلجامش»، «برناردا إلبا»، «مكبث» و«أوديب». وفي التلفزيون أكثر من ألف ساعة تلفزيونية، منها: «الاجتياح»، «الدرب الطويل»، «الحجاج»، «أيام متمردة»، «صلاح الدين»، «امرؤ القيس»، «فنجان الدم» و«سلطانة». كانت الطالبةَ المشاكسة في المدرسة، وفارسةَ الموقف بإضفاء الفرح في كل اجتماع أو حفل أو رحلة للطالبات، إذ يلتقي فيها روح مرحة وصوت جميل ثقّفته بأداء أغنيات أم كلثوم وسيد درويش والشيخ إمام. شاركت مع طلبة المدارس في التظاهرات احتجاجاً على الاحتلال الإسرائيلي في 1967 و1982، لكنها لم تنتمِ إلى أيٍّ من التنظيمات أو الأحزاب. وعندما تسألُها: «لماذا كنت تتظاهرين؟»، تقول: «عشان نحرر فلسطين». تسألها مرة أخرى: «وبعدين؟»، فيصطبغ جوابها بالأسى: «كما ترى، لقد تحررتْ!». تصف خطواتها الأولى في عالم المسرح بقولها إنها كانت كمن يقف على «ضفاف الحلم». وتوضح: «اكتشفت بعض المستحيلات، تباطأتُ حفاظاً على جمال الحلم، ثم أخذتني العزّة بالإثم، ولم يبقَ من الحلم إلا شرذمات تثقل رحلتي كثيراً، وأخشى أنْ لم يعد من الحلم إلا الحسرة». بدأت تجربتها المسرحية «سرّاً» وهي طالبة في مدرسة حلحول الثانوية، بعمل من تأليفها وإخراجها وتمثيلها، بعنوان «أبو جاسر»، وهو شخصية فلسطينية كثيرة الشكوى (شَكْوَنجي). ثم قدّمت في المدرسة مسرحية «محكمة الكبار»، من إخراج شقيقتها هويدا التي تسبقها بصفَّين، وتتحدث عن الصراع بين الأجيال ورغبة الصغار أن يكون لهم مساحة رأي في القرارات. تصف والديها بـ«الحنّية»، وتُميّز والدَها بالصوت الجميل، ومداعبة خيال الصغيرة بحكايات أبي زيد الهلالي، والحب العذري، والزير سالم، وكان يتلو كل ذلك شعراً.. إلا أنه كان «صارماً» بحسب تعبيرها، إذا تعلّق الأمر بوقوف ابنته على المسرح في قرية محافِظة من قرى الخليل. لذلك لم تحترف المسرح إلا بعد وفاته، وسانَدَها عندئذ شقيقها نادر، الذي درس الديكور في مصر، ولم يَنْجُ هو الآخر من رفض خياره لدراسة الفن. تنسب الفضل لشقيقتها التي عرّفتها على الأدب، فقرأت: غسان كنفاني، الطاهر وطار، ناظم حكمت والطيب صالح. وما زالت تواظب على القراءة في الحقول الفنية والأدبية والسياسية، وآخر كتاب تلقّفته يداها يحمل عنوان «الحكومة الخفية». شاركت في مؤتمرات فنية بدراسات حول الفن، وتُعِدّ لكتاب يحمل عنوان «رؤيتي في عالم التمثيل»، تلخّصه بمقولة تؤمن بها ترى أن السُّلطة للدَّور وليس للممثل. فالدور عبر سلطته يقف عند الخيال، أما السلطات الأخرى فتبحث عن البقاء والمصالح والمنفعة. بعد مجيئها إلى عمّان 1983، أتيح لها تقديم أول عمل احترافي العام 1985، وهو مسرحية أطفال بعنوان «الشاطر زعرور» من إخراج أكرم أبو الراغب، ثم قدمت مسرحية «رحلة حرحش» بإمضاء خالد الطريفي، وتؤمن أن المسرح هو «الجزء الأهم لممارسة حقوق الخيال». لا تريد لابنها عبدالله 17 عاماً، وابنتها ليلك 12 عاماً، أن يَرِثا «مهنة الوجع» بحسب تعبيرها، كي لا يتعبا، وإن كانت تلمس أن ابنها يتجه إلى المسرح، أما ليلك فـ«ممثلة ساحرة». تتحدث عن صعوبة التواصل مع الأجيال الجديدة. «أتعامل مع أبني وابنتي، دقة على الحافر ودقة على المسمار». غالباً ما تكون بمثابة صديق لهما، وأحياناً تبدو «شرطياً»، وفي الحالتين «أنا الخسران» تقول. أما دور الأم، فـ«خلّيها في القلب تجرح ولا تطلع وتفضح»، فجيل اليوم بحسب ما ترى «يشبه الحياة نفسها: جيل صعب». تقرّ أن المسرح لا يُطعم خبزاً، وتصف المشهد المسرحي في الأردن بـ«المشوَّش»، وتعزو ذلك إلى اختلاط الأهداف وسيادة مبدأ «اللّي سبق لبق». يحلو لها وصف الدراما بـ«مول»، وتوضح: «لأنها تلبي متطلبات العصر الجديد والإنسان الجديد والعالم الجديد». أما السينما العربية فـ«سوبر ماركت»، لكنها مهمة للشهرة والنجومية، وهي وثيقة تاريخية. وتكتفي بالقول عن الصحافة: «صوتها مبحوح». وعلى ما تملك من صوت جميل، إلا أنها تكشف أنه لم يكن لديها طموح بالعمل في الموسيقى والغناء، لكن ذلك لم يعدم تجارب مع فرقة «النغم العربي» مع الراحل عامر ماضي، وفرقة رم طارق الناصر. عن النماذج الفنية التي تعجبها، تميل إلى التصنيف اللوني بالقول: غالبية فترة الأسود والأبيض، ومنهم محمود المليجي، محمود مرسي، فاتن حمامة، عمر الشريف، سعاد حسني، والتزام نور الشريف، مبرّرةً هذا الميل: «لأنهم كانوا صادقين. ورغم أن مزاياهم الفنية بسيطة والتقنيات متواضعة، إلا أنهم امتلكوا براءة وصدْقية نفتقدها الآن». حصلت على تقدير أفضل ممثلة في مهرجان بغداد المسرحي العام 1990 عن دور «الليدي مكبث»، وجائزة أفضل ممثلة في مهرجان المسرح الأردني 2000 عن دور «بنيلوبا» في مسرحية «الخيط». تعتقد أنها نجحت في تحقيق جزء مما طمحت إليه، وتقول إنه لو قُيّض لها أن تعيد عقارب الساعة وتبدأ من جديد، فإنها ستختار الطريق نفسها: «تراجيدية سيزيف». |
|
|||||||||||||