العدد 9 - ... ودقّة على المسمار
 

يحفظ لنا التاريخ الشعبي للعمل السياسي الأردني الحادثة الفريدة التالية:

أراد أهل مدينة الرمثا أثناء مشاركتهم بالاحتجاجات والتظاهرات الواسعة ضد انضمام الأردن إلى حلف بغداد العام 1955 رفع وتيرة الاحتجاج وتطوير أشكاله، فتوجهت إحدى تظاهراتهم نحو سورية مشياً على الأقدام بهدف إعلان تأييد الموقف السوري آنذاك الرافض للحلف، ولما كانت المسافة بين الرمثا ومدينة درعا السورية لا تتجاوز بضعة كيلومترات، ونظراً لغياب نقطة الحدود بسبب الأحداث آنذاك، فقد وصل المتظاهرون إلى درعا بسهولة.

لكن السلطات السورية وقعت في ارتباك، فماذا تفعل بمواطني دولة أخرى وصل عددهم إلى حوالي 300 شخص تجاوزوا الحدود الدولية ودخلوا بطريقة غير شرعية، لكنهم قادمون لتأييدها؟ هي لا تستطيع معاقبتهم، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع تركهم وحالهم، فإقامتهم غير شرعية.

الذي حدث أن المسؤولين المحليين في مدينة درعا احتفظوا بالمتظاهرين وقرروا استشارة الحكومة المركزية في دمشق، وكان الرد هو أن تقوم سلطات درعا بتوجيه شكر للمتظاهرين على موقفهم، وأن تطلب منهم العودة إلى بلادهم مع إتاحة الفرصة لمن يرغب باللجوء السياسي أن يبقى في سورية.

انتعش المتظاهرون وسجّل حوالي خمسين شخصاً منهم أسماءهم كلاجئين، لكنهم عادوا إلى الرمثا مباشرة مواصلين إقامتهم فيها، وصار الواحد منهم يتمتع بلقب «لاجئ سياسي في سورية».

الموقف الأطرف ما حدث عند وصول المتظاهرين لدرعا، فقد تدافع الصحفيون نحو الموقع وأخذوا يطرحون أسئلتهم عن الوضع في الأردن الذي كانت أخبار التظاهرات فيه قد انتشرت، ولم يتعرف الصحفيون على القائد الفعلي للمتظاهرين، نظراً لصغر حجمه وعمره، فتوجهوا نحو أضخم شخص من بين المتظاهرين وافترضوا أنه القائد وراحوا يمطرونه بالأسئلة الفصيحة والكبيرة. كان القائد المفترض مجرد رجل بسيط، فلما رآهم منهمكين صائحين بالأسئلة أشار إليهم بيديه طالباً الهدوء وقال لهم: «اسكتوا.. اسكتوا، البلد طعّة وقايمة».

شكّل ذلك التصريح، على قِصَره، عبارة شهيرة ظل الناس يتداولونها، والملاحَظ أنه ما زال صالحاً للاستعمال كثيراً مع تعديل بسيط؛ فالوضع في البلد «طعّة»، لكنها «نائمة» وليست «قائمة».

طعة ونائمة
 
01-Mar-2010
 
العدد 9